لماذا المتلقي ينظر إلى المفكر بريبة ؟! ( رأي حر)

العنوان الأصلي : ثنائية التنظير والتطبيق / الحسن ولد محمد الشيخ

كثيرا ما يتم الحديث عن الانفصام الحاصل بين التنظير والتطبيق، وهو انفصام يجعل المتلقي ينظر إلى المفكر مهما علا شأنه وزان طرحه بكل ريبة وشَكّ.

ولعل ذلك يعود إلى نكوص السياسي لعهده، وخلفه لوعده.
لِمَ لا ..! والسياسي هو المتصدر للشأن العام وهو المفَوه الذي يملؤ الساحات الإعلامية والفضاءات الثقافية بكل ما يخطر بباله من أفكار طوباوية، وأخرى ميثالية حد الخيال؛ فيحجر بذلك على ذوي النهى والفكر بين دفتي كتاب.
ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعي وقوة تأثيرها صار التنظير سمة غالبة جعلت كل مجدف في العالم الافتراضي من غير العارفين يغرف من الزبد ويقدمه على طبق من ذهب.
وليس التنظير في حد ذاته عجزا عن الفعل ولا ديماغوجية بقدر ما هو درجة عالية من الوعي تطرح أفكارا مفيدة، تضيء الدرب وتكشف مكامن الخلل من خلال البحث والتحليل.
فهو تنوير وإرشاد حين يتسم بوضوح الرؤية ومنطقية الأفكار، وحين يقدم الحلول بعيدا عن نكء الجراح بين المجتمعات ذات التوجهات والإثنيات المتعددة.
وهو وبال وتخريب حين يعبث بالثوابت الوطنية ويتحرر من القيود الدينية والأخلاقية.
لذا يجب على كل من ينَظّر لأجل نهضة المجتمع وتقدمه أن ينطلق من الواقع وما يمتلكه البلد من مقدرات مادية وبشرية كفيلة بترجمة الأقوال إلى أفعال حتى لا يحصل التناقض الذي يؤدي بالمتلقي إلى الإحباط وتفنيد أو تسفيه كل تنظير وتفكير.
أما التطبيق فهو ترجمة الأفكار المستنيرة إلى واقع ملموس يعطي نتائج إيجابية تنعكس على حياة المجتمع اقتصاديا وثقافيا وعلميا …
وهو الخطوة المنتظرة بعد التنظير .. إنه الجزء المكمل له .. فعلاقته به كعلاقة الخبر بالمبتدأ حيث يستحيل أن تحصل الفائدة من دونه؛ كذلك التنظير من دون التطبيق هو حبر على ورق وأفكار في مهب الريح.
فالتطبيق لا يَتَأَتّى إلا لأفكار قابلة للحياة، تنطلق من الواقع وتهدف إلى الإصلاح والتطوير، لا إلى الاستعراض وحب الظهور.
كما أن محاولة تنفيذ الأفكار قبل نضجها، وقبل أن تشبع بالبحث والتحليل والدراسة يعرضها للموت في مهدها.
لذا فإن ثنائية التنظير والتطبيق هي في الدرجة الأولى عملية تكاملية فيها خلاص المجتمع من أمراضه المتشعبة التي تعيق التنمية، وتقف حجر عثرة في سبيل الإصلاح والازدهار.
إن وجود من ينظر بفكر راشد سليم .. ينطلق من الواقع ويخطط للمستقبل بكل ثقة وطموح، ومن تدفعه الإرادة والعزيمة إلى تطبيق ما جاء به التنظير حرفيا لَكفيلٌ بخلق تنمية حقيقية ومصالحة مع الذات وبتجديد الإيمان بقدرة الإنسان على الخلق و الإبداع.

الحسن ولد محمد الشيخ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى