الحسن ولد محمد الشيخ ولد خيمت النص: الطريق إلى كويه

مساء الثامن أغسطس 2023م قررت زيارة مضارب الأخوال في قرية كوية البديعة.

كانت الشمس قد رسمت طريقها نحو الأفول، مخلفة أشعة باهتة بلون الأمل في زماننا، ورغم ذلك كانت تنفث في الجسم هدوءا يبعث على الطمأنينة، وعلى التشبث بالنهج في انتظار إشراقٍ جديد بحجم التطلعات والآمال.

انطلقت سيارتنا تجوب شوارع عبثية لمدينة كيفة، يتم الاعتداء عليها كل حين. وقد سلكنا أقصرها وأنظفها؛ بل أقلها أوساخا ومستنقعات آسنة، أسْلَمَتْنا في النهاية إلى طريق كنكوصة ذات المنعرجات المتعددة المحيّرة..!
امتطت سيارتنا الطريق المعبد برهة .. وكان الأمل غايتنا والألم هاجسنا.

مررنا بحي “أنتو” قبل أن نودع الديار، فعلمت أن فريقهم الرياضي بات يمثل الولاية في الدوري الوطني، فقلت لعل أشبال “أنتو” يحققون اليوم ما عجز عنه ساسة ورجال أعمال الولاية من رسم البسمة على شفاهٍ تشققت بفعل ما ذاقت من مرارة الحرمان والإقصاء.

تابعنا رحلتنا إلى كُويَة الواقعة على بعد 70 كلم تقريبا جنوب كيفة، وفي لحظاتٍ ودّعنا المنازل والنوازل.
ثم تركنا الطريق المعبد لتنطلق سيارتنا تشق الأدغال والأودية، وتبدأ الطبيعة تكشف عن بعض محاسنها في زهو وخيلاء.

كان المناخ أخاذا، وكان العبق الفياح من السدر والشيح والطلح، ومن الأعشاب الغضة الندية ينسينا دخان وعود الساسة، وجعجعة تبريراتٍ تصدح بها حناجر الموالاة عند كل إخفاق حكومي.

مخرت سيارتنا أرضا مخضلة مبتلة تتباهى أحيانا ببِركٍ أنقى وأصفى من مياهنا المعدنية، وأحيانا تتباكى على غياب التنمية فوق أديمها الخصب المطواع الممرع.

هناك بدأت أسترجع ذكريات ما قبل عشرين عاما، لقد تعرّفت على الأرض شبراً شبرا، وعلى الأودية مجرىً مجرى، وعلى التجمعات قرية قرية، حيث لم يتغير شيء كأغلب القرى في البلاد؛ بيوت وأعرشة بسيطة على جنبات الطريق تمثل نسبة الشيوخ والنساء فيها أكثر من 80% ..! وأطفال برآء يتجمعون حول السيارة عند كل محطة لعلها تحمل خبرا ساراََّ عن إخوتهم المهاجرين أو خبزا معتقا بعرق الكادحين.

تمنيت لو كنت طفلا أمارس هواياتي الصبيانية؛ أتزحلق على الكثبان مثلما يفعل السياسي بين الأحزاب، وأتسلق الأشجار كما تصعد الأسعار رقاب الناس، وأقفز على الأفكار مثلما يفعل “المتثيقف” المُدَلس.

وتمنيت لو كنت بلبلا .. أزقزق قليلا مع العصافير .. بعيدا عن “المدينة الفاضلة” فأختبر حريتي في فضاء لا يضبطه قانون الرموز، وأغرد خارج السرب لأقول للفلاّح الرمز أننا “نعرف عدد الحب في السنبلة”

وأنه يوم يُوفِي الكيل سنحسن الانصياع للأوامر، والانسجام في الجماعة، والانضباط الحزبي، ونخاف من التطرف؛ لأن الذئب لا يأكل إلا القاصية.

الحسن ولد محمد الشيخ ولد خيمت النص

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى