وزير الخارجية يكتب عن الفنّ و التاريخ

قرأت خبرا شيقا نشرته “يومية” “حرية ديلي انيوز” التركية الناطقة بالانجليزية ،

في عددها الصادر يوم الثلاثاء، 13 مارس الجاري، الصفحة رقم 6، ويتعلق الخبر

المذكور بلوحات فنية معروضة حاليا في العاصمة السويدية، استوكهولمم.

تروي هذه اللوحات تفاصيل رحلة صيد قام بها الإمبراطور العثماني “محمد

الرابع”، الملقب “محمد الصياد”. والجميل في القصة أن الفنان الذي “أنجز” هذه

اللوحات، انتدبه ملك السويد “شارل العاشر كوستاف”، سفيرا للسويد لدى

الإمبراطور “محمد الصياد”، سنة 1657.

وذات يوم، طلب السفير -واسمه “اكلايس رالمب”- مقابلة الإمبراطور “محمد

الصياد” ليسلمه رسالة من ملك السويد “كوستاف” يطلب فيها من الإمبراطور

دعم بلاده التي حصلت حينها على معلومات استخباراتية شبه أكيدة، تفيد أن

روسيا على وشك اجتياح الأراضي السويدية. إلا أن السويد كانت تعاني من

الفقر في “قرن الأنوار”، فلم يجد السفير هدية يقدمها للإمبراطور، فقرر طلب

المساعدة في هذا الأمر من السفيرين الفرنسي والبريطاني في إسطنبول.

علم الإمبراطور بهذا الطلب، فقرر عدم استقبال السفير السويدي وفرض عليه

إقامة جبرية في مدينة إسطنبول.

إلا أن السفير الشجاع لم يقبل بالأمر الواقع، فواصل محاولاته الحصول على لقاء

الإمبراطور. علم السفير، في ربيع 1657، أن الإمبراطور بصدد القيام برحلة

داخلية لممارسة هوايته، الصيد البري، فقصد منطقة الصيد التي سيزورها

الإمبراطور، آملا ان يحظى أخيرا بمقابلة هذا الأخير. فكان له ما أراد. اندهش

السفير بمشاهد الصيد البري، فطلب من مرافق له إنجاز رسوم لهذه المشاهد.

وبعد عودته إلى بلاده، سنة 1658، حاملا معه الرسوم المذكورة، قرر السفير

(بنفسه أو بمساعدة فنان تشكيلي محترف) تحويل هذه الرسوم إلى 20 لوحة

زيتية رائعة تستقطب اليوم آلاف الزوار وتدر مئات آلاف اليوروهات على السويد.

ذكرتني قصة السفير”اكلايس رالمب” هذه، بقصة العالم والرحالة الشنقيطي

محمد محمود ولد اتلاميد، الذي زار الاندلس وباريس ولندن، خلال مأموريته

المشهورة الأولى، بحثا عن المراجع العلمية والكتب بصفة عامة، بتعليمات من

الإمبراطور العثماني الذي أحس وقتها بالفجوة العلمية والتقنية التي بدأت

تفصل بلاده عن ركب إمبراطوريات ومملكات أروبا الغربية. إلا أن هناك مأمورية

ثانية للعالم والرحالة الشنقيطي، تتعلق بمملكة السويد بالذات؛ فملك السويد

كان مولعا بالشعر والأدب والفنون بصفة عامة، فقرر تنظيم مهرجان شعري

دولي، يشارك فيه ممثلون عن الفضاءات الثقافية الرئيسة وقتها، فطلب من

الإمبراطور العثماني إيفاد ممثل للشعر والثقافة العربيين، فما كان منه إلا أن

عين العالم والرحالة الشنقيطي محمد محمود ولد اتلاميد؛ و لربما عدت مسقبلا

لأتطرق للقصة الممتعة والمثيرة لمأمورية العالم الشنقيطي الثانية هذه!…

لم يبق لي إلا أن أبدي ثلاث ملاحظات: 1. الدبلوماسية الثقافية والعلمية لا تقل

أهمية عن الدبلوماسية التقليدية. 2. في هذا الإطار، أليس من الممكن لفنانينا

ومثقفينا الاهتمام بتراثنا المشرف، من خلال تخصيص جهود فنية وعلمية

للتعريف بقامات سامقة مثل العلامة محمد محمود ولد اتلاميد، من خلال فلم

سينمائي أو مسرحية أو لوحة أو أي عمل نوعي آخر؟ 3. هناك-على الأقل-

سابقة مشجعة تماما، ألا وهي الفلم (“تومبكتو”) الذي أنجزه السينمائي الكبير

عبد الرحمن سيساكو، والذي أعطى لموريتانيا حضورا فنيا وإعلاميا استثنائيا

على مستوى العالم.

إسلك ولد أحمد إزيد بيه

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى