بدل أن تلعن الظلام أوقد شمعة!

كثيرا ما أقرؤ على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي تدوينات يُطالب أصحابها بإنصاف أحيائهم الشعبية الموجودة في أطراف المدينة، بتوفير لوازم الحياة الضرورية من ماء وكهرباء وصحة وتعليم… وهي دعوة سليمة نبيلة، لكنها وإن أصابت الحقيقة من جهة، فقد جانبتها من جهة ثانية، حيث يُخطِئ كاتبها أحيانا في توجيه اللوم الذي ينبغي أن يُوَجه للحكومة المُسَيِّرة للشأن العام، ليُلقي بالمسؤولية على بقية سكان المدينة الذين لا حول لهم ولا قوة، مُتهما إياهم بمُعاملة جماعته بوَصفهم مواطنين من الدرجة الثانية؟!.

أقول لأصحاب هذا الطرح، إن المدينة – أيَّ مدينة – ليست دولة، حتى يوصف بعض سكانها بهذا الوصف، كما أن بقية السكان مواطنون عاديون، ليست لهم سلطة تنفيذية حتى يُطلب منهم تقديم الخِدمات الأساسية لسكان الأحياء النائية في أطراف المدينة.

ثم إن سكان هذه الأحياء لم يَفرِض عليهم أحد النزول فيها، بل فرضه التوسُع الديمغرافي للمدينة وتأخرهم عن التحضُر، مما جعلهم لا يجدون موطأ قدم في وسط المدينة، وهذا أمر طبيعي في المدن.

أما العطش الذي يُعانيهِ سكان هذه الأحياء فقد جاء صُدفة، ولم يأت بطريقة كَيديَّة مُبَيَتةٍ، لأن شبكة المياه تم تركيبها منذ عشرين سنة قبل نزولهم في الحي، والتهميش الذي يُعانون منه لا يقتصر عليهم فقط، فهناك أحياء أخرى تشاطرهم المعاناة، كما أن استغلال السياسيين للمواطنين يَطال سكان المدينة كافة دون تمييز.

ثم إن الأطر المحليين أغلبهم موظفون بسطاء أو رؤساء مصالح صغيرة، لا يملكون سلطة ولا ميزانية تخولهم إسعاف سكان المدينة بالماء والكهرباء… فهذه مهمة الحكومة، وكلُّ ما في وُسع المنتخبين، إيصال مطالب دوائرهم الانتخابية للسلطات العليا في البلد.

وإذا كان هناك تفاوت في مستوى الدخل بين السكان فهو عائد إلى الحظوظ في الأرزاق، فمن المعلوم أن أغلب سكان المدينة يعيشون من جيوبهم الخاصة، وما يملكونه من مال ليس منهوبا من خزينة الدولة، ولا مأخوذا من الضرائب على المواطنين.

كما أن هذا التهميش لا علاقة له بالتقطيع الإداري، لأن التقطيع الإداري كان في عهد الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، حيث ما تزال 90% بالمائة من الشعب الموريتاني بدو رحل، ولا توجد حينها مدينة محسوبة على مُجتمع معيَّن، لكن الجفاف الذي ضرب البلاد في السبعينات جعل كل فئة من الناس تنزاح إلى أقرب مدينة لها، مما جعل بعض المدن تنموا وتتمدَّد على حساب أخرى، كولاية تكانت التي تراجع نموها السكاني لصالح لعصابة، وبومديد التي انزاح سكانها صوب مدينة كيفه بسبب الجفاف وندرة المياه والكلأ، هذا من الناحية الاجتماعية والاقتصادية.

أما من الناحية السياسية فكثيرا ما يُعبِّر هؤلاء عن امتعاضهم من واقع التهميش المُمَنهج حسبَ زعمهم.

ومن هنا أؤكد أنه لا خلاف ولا مراء في أن “المدينة” قِطعة من التراب الوطني مفتوحة للناس جمعيا بمُختلف مكوناتهم القبلية والعرقية، ويستوي فيها من استوطنها قديما، ومن استوطنها حديثا، وسكانها متساوُون في الحقوق والواجبات… وإذا كان هناك مَن هُمْ أكثر حظا في المناصب الانتخابية، فذلك عائد إلى واحد من عدة أمور:
– إما لأنهم أكثر عددا وتأثيرا.
– وإما لنشاطهم وحنكتهم السياسية.
– وإما لقوة تأثيرهم في الناخب ماليا وإعلاميا.

وعليه فلا داعي لتحميلهم المسؤولية، فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، أما المدينة فهي مفتوحة أمامكم، ولا يستطيع أحد من سكانها أن يقطع عنكم الماء أو الكهرباء؟ أو يمنع أبناءكم من التعليم؟، أو يَحول بين مواشيكم مع الكلأ والمرعى؟

كلُ ما عليكم فعله أن تطالبوا بحقوقكم وتثبتوا جدارتكم وتتقدَّموا للأحزاب السياسية بلوائحكم الانتخابية فإن قبلت ترشيحكم فبها ونعمت، فإن نجحتم فهنيئا مَريئا، وإن لم تقبل، أو قبلت، ولم يُحالفكم الحظ في النجاح، فعليكم أن تندبوا حظكم، وتتعلموا من أخطائكم بدل إلقاء اللوم على الآخرين.

وفي الختام أطلب من هؤلاء الإخوة الأكارم أن يسعوا إلى تحقيق أهدافهم وأمانيهم بعيدا عن إثارة العواطف والنعرات القبلية ففي ذلك ضرَر كبير، وشر مستطير على السلم الأهلي والنسيج الاجتماعي، وأن يتذكروا أن السياسة لعبة المترفين وليست فيها صدقة سر، ولا عمل خيري.

سيدي ولد أحمد مولود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى