كيفه : على رسلكم يا بني علمنة!

مقال:
على رسلكم يا بني علمنة (المحاظر رمز هويتنا الحضارية، وسر نهضتنا الثقافية).

تمثل المحاظر في بلادنا (موريتانيا) مركزا جوهريا من هويتنا الاسلامية، والتاريخية، والثقافية، وتعد بحق أس أصالتنا ونهض حضارتنا العربية والاسلامية، فهي التي ساهمت في نشر الاسلام وبث علومه وأثرت التاريخ الوطني، والتراث العلمي لبلادنا، فمنذ أن وطئت سنابك خيل الأمام “عبد الله بن ياسين” بلاد المنارة والرباط وانطلقت “دولة المرابطين” وحتى اليوم، والمحظرة تحافظ بخطابها العلمي والتربوي على قيم الاعتدال، والوسطية، والتوازن الفكري، والديني، ونشر الاخلاق والقيم، والدعوة إلى الفضيلة ومحاربة الرذيلة.
ولقد فندت المحظرة الشنقيطية ببداوتها العالمة نظرية عالم الاجتماع العربي “عبد الرحمن بن خلدون” التي تجعل من العلم ربيبا للحضارة والتمدن، وبقيت صمام أمان لهذا المجتمع المسلم من خطر الاستعمار، والاستلاب الثقافي، وأهلته بعطائها المعرفي الثر المدرار، لأن يصبح المجتمع البدوي الوحيد الذي يحمل ثقافة مكتوبة تتسم بالغزارة، والثراء، والتنوع المعرفي…
وهكذا ظلت المحظرة الشنقيطية مركز إشعاع علمي، وثقافي، وحضاري، ومنارا يهتدى به في ربوع القارة الافريقية، وكعبة للقاصدين يؤمونها من كل فج عميق، لينهلوا من معين الايمان، ويرتوون من رحيق القرآن، والفقه، واللغة، والأدب، والتفسير، والحديث، والأخلاق، والتربية الروحية، والسلوك الحسن، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح.
ولم يقتصر العطاء الديني والمعرفي للمحظرة على ربوع صحراء الملثمين، بل تجاوز ذلك ليمتد اشعاعها العلمي إلى اصقاع العالم من مختلف القارات، فعم صيبها النافع الشام، والعراق، ومصر، والحجاز، والخليج، وبلاد خراسان، وما وراء النهر .
فقد أنجبت علماء كان الهم الحضور اللافت في المحافل الدولية، وتصدروا مجالس التعليم، والأدب، وارتقوا منابر العلم، والأمامة، والوعظ، وتربعوا كراسي القضاء، والفتوى في أقطار مختلفة من العالم العربي، والاسلامي.
وبعد كل هذه الخصائص وهذا العطاء والتميز، يأتي بعض الانكاس المرذولين من بني علمنة، يهاجم المحظرة بشراسة، ويشن عليها حربا بلا هوادة، يقولون حقدا، وحسدا من عند أنفسهم (إن المحظرة، وكر للعنف، وبؤرة للرذيلة والانحلال الاخلاقي، وتعاطي المخدرات!)
كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذابا

كضرائر الحسناء قلن لوجهها **
حسدا وبغضا إنه لدميم

في الوقت الذي يجهل فيه هؤلاء المحظرة، فهم لم يعرفونها، وهي لا تعرفهم.
أيها العلمانيون، أنتم تجهلون المحظرة، وتاريخ الحظرة، وأدب المحظرة، وأخلاق المحظرة، ومن جهل شيئا عاداه.
إنكم تسعون بكل ما أوتيتم لتشويه سمعة المحظرة، وإسقاط هيبتها، وهيبة علمائها من قلوب الناس، لتخلو الساحة لترهاتكم، وأباطيلكم، وضلالاتكم (تريدون أن تطفؤوا نور الله بأفواهكم والله متم نوره ولو كره الكافرون).

ما لكم كيف تحكمون؟! يا عصبة الافك، والزور، ومقال الفحش، والخناء…

ما أنت بالحكم الترضى حكومته **
ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل

كيف تكون المحظرة وكرا للفساد، والانحراف، وسوء الخلق، وهي معدن الأخلاق، والفضائل، حاضنة الوحيين، ومهوى أفئدة الطيبين، مكونة العلماء، والائمة، منتجة الفقهاء، والدعاة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والسمت الحسن…؟!
هل يستقر في الاذهان ومنطق العقلاء أن تكون مؤسسة هذه سماتها، وخصائص أهلها تنعت بالاوصاف التي تتقيؤها صدوركم الوغرة وتقذفها قلوبكم المريضة نفسيا، المترعة حقدا، وحسدا، وضغينة على الطيبين.
العيب ليس في المحظرة، وأهلها، وإنما في أنفسكم، وفي فكر من أنتج فكركم المنحرف، من مدارس “ماركس” ولينين”
وما أرى حالكم – يا زعانف – إلا منطبقا عليها المثل العربي: “رمتني بدائها وانسلت”.
إذا كان هدفكم من هذه الحملة الشعواء، والحرب المسعورة التشويش على مكانة المحظرة، وتشويه سمعتها، بقصد زيادة مد العلمنة، وتقوية فسطاس الالحاد، فإن السواد الاعظم من الموريتانيين لن يغتروا بترهاتكم المشبوهة، وسيظل حالهم منشدا مع الشاعر قوله.

خذ ما ترى ودع شيئا سمعت به **
في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل

ألم تعلموا أنكم بذمكم المحظرة، ومهاجمتكم أهل النبل، والفضل، من أهلها – بما هم منه براء، براءة الذئب من دم يوسف – إنما تجنون على أنفسكم، بتسطيركم شهادة كمال، وشرف في حقهم، فقد قال حكيم الشعراء المتنبي.

وإذا أتتك مذمتي من ناقص **
فهي الشهادة لي بأني كامل

فما أنتم إلا كالمحتطب بليل، وجالب رجل وخيل “فعلى نفسها جنت براقش” وحال الجريض دون القريض”.

اشفقوا على أنفسكم فإنكم لن توهنوا إلا أنفسكم.

كناطح صخرة يوما ليوهنها **
فلن يضرها وأوهى قرنه الوعل

وماذا يضر عض نملة، أوقرص قملة؟! رويدكم فلم يدرك الضالع شأو الضليع، فما موقع الذباب من ذي الناب؟ وماذا يضر السماء نباح الكلاب هيهات.

هيهات فالشمس بعيد مسها **
فليبق مع بنات وردان السهى

ما هكذا يابني علمنة تورد الابل.

إذا سلكت للغور من رمل عالج **
فقولا لها ليس الطريق هنالك

لقد آن الأوان لسد منافذ الالحاد، والشرور، ومحاصرة جحور الحيات، السامة التي تلدغ – من حين لآخر – مجتمعنا الموريتاني الطيب، المسالم.
لقد تلقينا لدغات متتالية، فواحد يسب نبينا – صلى الله عليه وسلم – وثان يحرق كتبنا، وثالث يشتم علماءنا، وشلة أخرى تعيب محاظرنا.

وإذا أرد الله نشر فضيلة طويت **
أتاح لها لسان حسود

كفوا عن الملام أيها اللئام.

أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم **
من اللوم أو سدو المكان الذي سد

فشتان ما بين الثرى، والثريا، والذهب، والخشب، واللباب، والقشور، والثعالب، والأسود.

عار على أهل الحفائظ إن رأوا **
روغ الثعالب يزدرين الضيغما

فلا تستوي الظلمات، ولا النور، ولا الظل، ولا الحرور…
لا يمكن لأحد أن يحط من قيمة المقدسات الاسلامية فلا خافض لما رفعه الله.

تريد خفض الطهر يا إبن الخنا **
اخسأ أيها الجحش اللجيم

الماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث، والبحر الزاخر لا تغيره الأقذار.

اعرض عن الجاهل السفيه **
فكل ما قال فهو فيه **
ما ضر نهر الفرات يوما **
أن خاص بعض الكلاب فيه *

أيها الناعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء، على رسلك… عد أدراجك، لقد طفح الكيل، وبلغ السيل الزبى… وما أراك إلا كالباحث عن حتفه بظلفه، والجادع مارن أنفه بظفره.
لقد كان الأولى بك أن تستنطق التاريخ ليخبرك اليقينا، وتتدثر بالصمت تسترا على جهلك المركب.

فمن كان للتارخ لاغ فلا يَفُهْ **
فللصمت للجهال من قدم سِتْرُ *

لقد ضربت ألسنتكم أعناقم، وأبان كلامكم أغلاطكم، فادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان، وجنوده.

وفي الصمت ستر للغبي وإنما **
صحيفة لب المرء أن يتكلما

فكل واحد منا يردد مع القائل قوله.

وارد أنف من ابتغانا مرغما **
ما زلت في الحرب الهزبر ضيغما
لقد قال أحمد بن حنبل – رحمه الله – إذا رأيت الرجل يتكلم في مالك فاتهمه في دينه”.
وقال أحد العلماء: “إذا رأيت الكوفي يطعن في سفيان الثوري فاعلم أنه رافضي، وإذا رأيت الشامي يطعن في الاوزاعي، ومكحول فلا شك أنه ناصبي، وإذا رأيت الخراساني يطعن في عبد الله بن المبارك، وإسحق بن راهويه، فلاتشك أنه مرجئ ”
وأنا أقول – وأستغفر الله من كلمة أنا – إذا رأيت الرجل يطعن في المحاظر، وعلمائها الاجلاء، فاعلم أنه علماني ملحد.
فيا هؤلاء إن التاريخ شاهد بفضل المحظرة، ومكانتها، فهي رمز هويتنا، وسر نهضتنا، وقد لعبت دورا كبيرا وفعالا على المستوى التربوي، والاجتماعي، والثقافي، وقد ظلت محافظة على خصوصيتها التي ميزت نظام التعليم فيها وحققت أهم مما حققته المدارس، والجامعات الاسلامية كالازهر، والزيتونه ومدارس فاس، ومكناس، وغيرها.
وسفراء المحظر سطروا اسمها المبجل بأحرف من ذهب في كل قطر ثووا به، وستبقى شوكة في حلوق العلمانيين، والملحدين، والزنادقة، وستظل محافظة على دورها، واداء رسالتها النبيلة في احتضان الاسلام، ونشر العلم، وتربية الأخلاق، وإقامة شعائر الدين، رغم أنف كل حسود حقود.
فهي الشمش المشرقة التي لاتأفل، والبدر الطالع الذي لاينطفئ نوره، والوهج المشرق الذي لا يزول.

سيدي بوي محمدُّ باباه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى