ﺍﻟﺤﻠﻘﺔ ﺍﻟخامسة ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﻌﻼﻣﺔ ﺳﻴﺪﻱ ﻭﻟﺪ ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺤﻤﻮﺩ ﻭﻟﺪ ﺍﻟﻐﻮﺙ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ

 وأذكر أن جارا لنا في الحي -كان صديقا له- كان يبغض طرق التصوف، قال له مرة، وهما في مجلس: أنت تيجاني، فقال له الوالد: لست بتيجاني، ولكني أعوذ بالله أن أحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله. وما كان الوالد تيجانيا، ولا كانت له طريقة، ولا اتبع أحدا من شيوخ الطرق، مع أنه كان يحب الصالحين حبا شديدا، وكان أخواله آل مكي، ومازالوا، قادريين.
وكان شديد المحبة للنبي -صلى الله عليه وسلم-، شديد التعظيم له، فما ذُكر إلا تغيَّر وجهه، ولا قرأ أو سمع قول الله -تعالى-: (ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) إلا قال: “واللهْ ألَّ مرحب”، ولا سمع أو قرأ قول الله -تعالى-: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم)، إلا قال: “والله ألَّ حامدين مولانا وشاكرينُ). وكثيرا ما رأيته ينشد مديحه، ولا سيما بردة البوصيري، فيبكي حتى تخضلَّ لحيته، وكان يحفظها، من كثرة قراءته إياها. وكان يحب الخفاء، ويكره الظهور، كأنما كان يعتقد قول أحمد بن حنبل: “طوبى لمن أخمل الله ذكره”، ويعمل به. فلما نزلنا الحي الذي نسكنه اليوم، وكان ذلك عام 1393 هـ، جاءتنا امرأة مسنة من آل سيدي محمود، تسلم علينا، ولم تكن قد رأت المنزل، فوجدت أطفال جيراننا، وكانوا سعوديين، يلعبون عند بابهم، فسألتهم: أين منزل آل الغوث؟ فقالوا لها: “أيشْ غوث؟ ما نعرف غوث!”، فتولت، وهي تقول رافعة صوتها: “أرض الله واسعة، قالْ لكم إنْ خالق حدّْ ما يعرف أهل الغوث!”. فلما علم الوالد، حمد الله، وفرح، وقال: هذا ما كنت أريد، أن أجاور النبي -صلى الله عليه وسلم-، لا أُعرَف ولا أُذْكَر.
وكان ودودا، لا يمر بأحد إلا سلم عليه، وتبسم في وجهه، عملا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم”، وقوله: “وتبسمك في وجه أخيك صدق”، وقوله: “لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق”. ورأيت أثر ذلك، وأثر حبه الناس، ومخالقتهم بخلق حسن، في كل من عرفه. قال لي يوما شاب يمني، كان جارا لنا، وقد علم أنه مريض: لئن مات، لقد ترك أثرا حسنا في الناس، لا يموت، ولن تموت ابتسامته. وكان جيراننا من السعوديين يحبونه حبا جما، ويقولون: ليس في الحي من الشناقطة مثله. وكان لأحدهم حانوت في الحي، فقال له يوما: يا فلان، إذا احتجت إلى شيء من الحانوت، فابعث إلي بنيتك الصغرى، هذه؛ لتخبرني بما تريد، وسأحمله إليك بنفسي، ثم ائتني بثمنه متى شئت. وكانوا إذا مروا بالمنزل ذاهبين إلى المسجد، وكان منزلنا في طريقهم، سلموا عليه، وسألوه عن حاله، وما أكثر ما سمعتهم يقولون له: “كيف حالك يا بو مختار؟”. وكذلك كان الحلاق الذي يحلق عنده رأسه، وكان باكستانيا، كان يحبه، وكنت إذا جئته، قال لي: كيف حال بابا؟ ولم أكن أظن أنه يعلم أنه أبي. وزرت شيخنا خطري بن سادي يوما، فرأيته ينظر إلى قدمي، وقد اغرورغقت عيناه بالدمع، ثم قال لي: شوَّشتَ عليَّ (أي هِجْت ما سكن من حزني)، فقد ذكرتني قدمك قدم سيدي، وكان ذلك بعد وفاته. ولما سكنا الحي الذي نحن فيه اليوم بالمدينة، كان بعض جيراننا من الموريتانيين من تندغ، ثم من حيين منهم، يقال لأحدهما إجواج، وللآخر أهل أعمر گدبجه، وكانت ثقافتهم مختلفة عن ثقافتنا، وبعضهم يتكلم باللغة الصنهاجية، وما كنا نعرفها قبل ذلك، ولا نظن أن في موريتانية من يتكلم لغة غير الحسانية، فلما عرفوه أحبوه حبا شديدا، رجالا ونساء، وكانوا يجلونه، ويزورنه، وكانوا يصرحون له بذلك، فقد قالت له امرأة منهم مسنة يوما، ورأته قادما: مرحبا، مرحبا، مرحبا، ليس ترحيب أهل القبلة، أتدري ما ترحيبهم؟ قال: لا، قالت: إذا رأوا شخصا مقبلا…… يتواصل  ﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﻛﺘﺒﻬﺎ ﺍﻟﺒﺮﻓﺴﻮﺭ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﻣﺨﺘﺎﺭ ﺍﻟﻐﻮﺙ،
ﻭ ﺃﺭﺳﻠﻬﺎ ﻟﻠﻤﻮﻗﻊ : ﺳﻴﺪﻱ ﻭﻟﺪ ﺍﻟﻐﻮﺙ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى