كيفه : الفرق بين وزراء القبله و وزراء الشرق (وزارة الخارجية نموذجا)
يدين كل الموريتانيين بالإسلام و يتكلم أغلبهم الحسانية، لكن ثقافاتهم
مختلفة و عقلياتهم أكثر اختلافا، و تتهم كل جهة الأخرى بما تراه منقصة،
في منافسة كان ينبغي أن تتسم بالشرف، و يعتبر ادعاء كل من أهل
الشرق و أهل القبله الأفضلية على الآخر أهم ما اتسمت به حياة
موريتانيا من الاستقلال و حتي اليوم، كما اتسمت باستغلال أهل
الساحل لهذا الانشغال للمحافظة على السلطة و تحصيل المال.
ليس هذا المقال جهويا و لا عنصريا و لكنه مفتاح لبحث اجتماعي يسبر
أغوار أسباب التخلف المفروض واقعا على هذا الركن من أرض الله الذي
كرم الإنسان.
في هذا الإطلالة سأقارن بين قيادة أهل الشرق و أهل القبله للقطاعات
الحكومية و مزاياهم على الوطن و الجهة و القبيلة،
و سآخذ كمثال العشرية لأخيرة من تسيير قطاع الخارجية و التعاون.
تعاقب على وزارة الخارجية منذ سنة 2008 و حتى الآن ثمانية وزراء هم
على التوالي :
ـ محمد محمود ولد محمدو (بتلميت) 11 شهر : سبتمبر 2008 ـ أغسطس 2009
ـ الناها منت مكناس (انواذيبو) سنة و 9 أشهر : أغسطس 2009 ـ مايو 2011
ـ حمادي ولد حمادي (المجريه) سنتين و 4 أشهر : مايو 2011 ـ سبتمبر 2013
ـ أحمد ولد تكدي (شنقيط) سنة و 4 أشهر : سبتمبر 2013 ـ يناير 2015
ـ فاطمه فال منت اصوينع (لعيون) 9 أشهر : يناير 2015 ـ سبتمبر 2015
ـ حمادي ولد اميمو (كوبني) 5 أشهر : سبتمبر 2015 ـ فبراير 2016
ـ إسلكو ولد إزيد بيه (انبيكت لحواش) سنتين و 4 أشهر : فبراير 2016 ـ
يونيو 2018
ـ اسماعيل ولد الشيخ أحمد (واد الناقه) يونيو 2018 ـ حتى الآن : ستة
أشهر
أي أربع وزراء من الشرق و اثنان من الشمال و اثنان من القبله.
كانت فترة أهل الشرق الأطول من مايو 2011 و حتي يونيو 2017 أي
ست سنوات و شهرا، و قد لا تتكرر.
تميزت فترة محمد محمود ولد محمدو على قصرها بالكثير من الهدوء و
الانشغال بالاعتراف بالتغييرات التي حصلت (الانقلاب) و لم تشهد
تصفية حسابات و لا إقالات تعسفية، بينما تميزت فترة اسماعيل ولد
الشيخ أحمد بالكثير من الحيوية و النشاطات الدبلوماسية و المهنية،
ومعلوم أن النشاطات الدبلوماسية من قمم و غيرها يرسمها و يشرف
عليها رئيس الجمهورية و لا يكلها إلى غيره خوفا من التهاون و التقصير و
غيرها من خوارم المروءة الدبلوماسية التي لا تذكر في الملإ.
أما عن التعيينات فقد كان اسماعيل أكثر شجاعة و “عقلا” من ثلاثة
الشرق مجتمعين (حمادي ولد حمادي لم يكن جهويا بالمعني السيء
للكلمة)، حيث عين (اسماعيل) في تحويلات بالخارج 15 دبلوماسيا 9
منهم من ولايته،
كما أوصل أبناء ولايته اترارزه 7 مديرين من أصل 14 و 5 مديرين
مساعدين من أصل 14،
كل ذلك دون أن يقيل شخصا أو يستدعي آخر عكس ما فعلت منت
اصوينع و إسلكو ولد أحمد إزيد بيه الذين تعمدا فخرا و اعتزازا إقالة أبناء
جهتهم و استدعاءهم من الخارج (11 مستشار و مدير مساعد) بحجج
واهية منها أنهم متكبرون (جماعة أهل سيدي محمود : واحد استدعته
منت اصوينع و الآخر أقاله إسلكو)،
أو أنهم موالون لخصوم سياسيين (جماعة الأغلال التي أقالها إسلكو
انتقاما من ولد حدمين)،
في حين اكتفى حمادي ولد اميمو (الأقصر مدة) من الغنيمة بالإياب
وبتوشيح فتاه الوفي ـ الأمسمي الذي أقاله إسلكو ـ بأدني درجات
الامتنان.
جدير بالذكر أن اسماعيل ولد الشيخ في أول إجراء له أعاد إلى الخارج
التندغي الذي استدعته “صيدة” أهل الشرق.
و لنا أن نتساءل : من كان يظن أن موظفا دوليا عمل على تحقيق العدالة
و احترام حقوق الإنسان يكون بهذه الدرجة من الظلم (تهميش موظفي
القطاع)،
و من كان يتصور أن أميرا كبير القيمة و المعنى يصل هذه الدرجة من
الضعف (ميدالية نحاس على جيب معطف فتى أنيق يعرف أفخر أنواع
الذهب فى الإمارات)؟
من كان يستطيع أن يظن أن بعض الأساتذة الجامعيين لم يتخلص بعد
من عقد الدونية؟
هكذا هم أهل الشرق، يدعون الجهوية في العلن و يلعنون أهل القبله و
يتهمونهم بعدم الوضوح، و عمليا شغل وزرائهم الشاغل و همهم الأول
تصفية الحسابات و العمل على إهانة قبائل و أسر و أسماء، يستخدمون
سلطة الدولة ليتمتعوا بقدرتهم على تجاوزها و التنكيل بها، و كأن الدولة
و الديمقراطية و التقدم لا تعني أكثر من كون فلان أصبح بمقدوره أن
يترأس علانا بل يستطيع أن يمسح به التراب.
يحدث هذا في وزارة سيادة مكلفة بالعلاقات مع الدول الأخرى و بحماية
الموريتانيين في الخارج، فكيف بغيرها،
و لهذا بلادنا متخلفة لأن أغلب مناطقها سكانا ينشغل ساستهم
باستغلال النفوذ لإسقاط من لا يقبل أرجلهم، و أكثر ولاياتها و عيا
ينشغل من يحتل منصبا ساميا من أبنائها بتقديم مصلحة الولاية على
مصلحة الوطن، و بتهميش أصحاب الكفاءة لا لشيء إلا أنهم لم يولدوا
في جهته و أن أسماءهم لا تقف على متحرك مصرف.
يا للأسف
أيوب ولد محمد عبد الله
دبلوماسي بوزارة الخارجية