في إطار الجهود والمساعي التي نتشرف بالمشاركة فيها من أجل
إصلاح ذات البين، وتفويت الفرصة على المتربصين ببلدنا من أعداء
الوطن والدين، اتصلنا بمختلف الأطراف المعنية بالتوتر الحالي، وذلك
في لقاءات واتصالات متعددة، وكان آخر تلك اللقاءات لقاؤنا مع فخامة
رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز حفظه الله، ووفقه لما
يحبه ويرضاه.
والخلاصة التي خرجنا بها من تلك اللقاءات حتى الآن يمكن تلخيصها في
النقاط التالية :
1- أكد لنا فخامة رئيس الجمهورية أنه لا زال -كما عهدناه- حريصا وعاملا
على تعزيز مكانة الإسلام والعاملين له بصورة عامة، ومكانة العلم
والعلماء بصورة خاصة، وجدد تأكيده على أن الجمهورية الإسلامية
الموريتانية دولة إسلامية، وليست علمانية.
وفي هذا الإطار اطّلعنا من فخامته على خطط جديدة من الدولة لتعزيز
وتطوير التعليم الإسلامي العالي، وفتح ما تقتضيه الحاجة في هذا
المجال من مؤسسات تعليمية عليا، واعتماد ما يلزم لذلك من أموال
وإمكانات.
وأكد لنا فخامته أن ما قدم ويقدم في سبيل خدمة الإسلام، وتعزيز
مكانته، والرفع من شأن العلم والعلماء يقدمه أداء لواجب شرعي، لا
دعاية سياسية، أو منة على الناس، وهذا هو الواجب.
وقد ثمنّا له تلك الجهود، وشكرناه عليها، ودعونا له بالتوفيق والسداد
في كل عمل من شأنه التمكين للدين، وتحكيم الشرع، والرفع من شأن
العلم والعلماء الذين هم ورثة الأنبياء.
2- أن إغلاق مركز تكوين العلماء وجامعة عبد الله بن ياسين ليس جزءا
من سياسة حكومية عامة، أو توجها رسميا شاملا ضد العلم والعلماء –
كما يرجو المغرضون، ويخاف المشفقون- بل هو مفردة معزولة، وقضية
منفردة.
ونحن في الوقت الذي التمسنا فيه من الرئيس إعادة النظر في قرار
إغلاق هاتين المؤسستين، وإعادة فتحهما، وبينا له ما نراه في ذلك من
المصلحة، أكدنا له أننا لا نعتبر ذلك موقفا سياسيا ضده، بل هو نصح
واجب بما نراه من مصلحة، والدين النصيحة… لله، ولكتابه ولرسوله،
ولأئمة المسلمين، وعامتهم.
3- اطلعنا من فخامة الرئيس على جهوده طيلة السنوات الماضية من
أجل التعاون مع مختلف المصلحين والعاملين للإسلام، وما قام به في
ذلك من مساع، وما قوبلت به جهوده ومساعيه أحيانا من إعراض
بعضهم عنها، وانحيازهم إلى حلفاء آخرين من بينهم من عرفوا
بتوجهاتهم العلمانية، ونزعاتهم العنصرية، وخصومتهم التاريخية مع
الفكرة الإسلامية.
وقد كان ذلك سببا في تفويت أكثر من فرصة للتعاون بين المصلحين
على ما فيه خير الإسلام، ومصلحة البلاد والعباد.
4- أن الخلاف الحاصل حاليا ليس خلافا بين الإسلام وخصومه، بل هو
خلاف عارض له أسباب نأمل أن يتم التغلب عليها إن شاء الله.
ومما يساعد على ذلك تهدئة المواقف، ولجم العواطف، والبعد عن كل ما
من شأنه توتير الجو، وشحن النفوس.
5- وجدنا عند الطرف الآخر ترحيبا كبيرا بمبادرتنا للصلح، ولمسنا منهم
حرصا صادقا على كل ما من شأنه تجاوز الخلاف، وجمع الكلمة، وتحقيق
المصالح، ودرء المفاسد، والتعاون على البر والتقوى، والاستعداد
لتصحيح ما يتبين خطؤه من مواقف، والرجوع فيه إلى الصواب.
وأكدوا التزامهم بالهدوء، والمحافظة على الأمن والاستقرار.
كما ثمنوا إنجازات فخامة الرئيس في مجالات متعددة.
وهذه مواقف منهم تستحق أن تُذكر وتُشكر.
وقد دعونا الجميع إلى تجاوز خلافات الماضي، والعمل بما أوجب الله
تعالى من التعاون على البر والتقوى، والعمل على تحقيق الوحدة
والاجتماع، والبعد عن التفرق والنزاع.
وذلك ما نأمله، ونرجوه، ونتوقعه.
ولا شك أن المعطيات السابقةَ مبشرة، ومشجعة على استمرار هذا
الجهد المبارك.
إن واجب الوقت الآن هو تعزيز العمل على إصلاح ذات البين، فإن إصلاح
ذات البين من أفضل أعمال الدنيا والدين، فهي خير من الصيام، والصلاة
والصدقة، كما قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ
مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ! قَالَ :
إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن
تحلق الدين) رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني.
اللهم أصلح ذات بيننا، وألف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من
الظلمات إلى النور.
اللهم جنبنا شرور الخلافات والفتن، ما ظهر منها وما بطن.
الأربعاء 23 محرم 1440هـ
ولد الوالد الكنى بأبي حفص