أول انطباع عن البرلمان ذكريات – بقلم: الدهماء
في أحد أطوار ديمقراطيتنا كانت فيه تحبو، حضرتُ مع وزيرة المرأة
نقاش ميزانيتها في البرلمان، الجلسة غير علنية، وتخص لجنة المالية،
اصطحبتْ الوزيرة معاوناتها، من مديرات ومستشارات و لم أكن من
الحزبين، كنتُ مستمعة حرة، أهوى التنقل معهن كالمغناطيس، يدفعني
الفضول والرغبة في الاطلاع على ما يدور في معبد الديمقراطية.
الوزيرة سيدة طاغية الحضور، بشخصية جذَّابة بما تحمل الكلمة من
شحنة انثوية، أوتيتْ مَلكَة المنطق والقبول،.. وتُحسن الدِّفاع عن
ملفاتها.
تحلَّق الطَّاقم حول طاولة مستديرة مع مجموعة النُّواب، باشرت الوزيرة
تقديم طاقمها، وفي كل مرة يُقاطعاها أحد النُّواب صائحًا في تمسّح
بإرثه التقليدي: “عالم مولان ألَّ وخيرت،.. إمِّي انت بوك افلان ولد افلان،
وخيرت”، فيكمل زميله “… ومن الفلانيِّين”! … طبعا لم يشملني التقديم،
فقد كنتُ حسب مقياس من 1 الى 10 لدرجات الأهمية، أُمثِّلُ الرقم 0
في الوزارة،
في الوزن الإداري وقيلَ في وزنِ الكتلة الجسمية،.. حديثة القدوم، لا
أسيِّر أيَّ مِلفٍ، مُهمتي في حدود توفير خدمة النقل السريع للمراسلات
بين المكاتب، وتولِّي “الحراسة” المُؤقتة لمكتب كل مديرة تنسلُّ الى
بيتها في وقت الدَّوام وتريد إعطاء الانطباع بأنها في حمَّامِ مفوضية
الأمن الغذائي المُجاور،.. حيث لا تتوفَّر وزارتنا على حمَّام!.
قدَّمتْ الوزيرة مشروع ميزانيتها وطالبتْ الموافقة على رفع مُخصصات
بعض البنود، وبدأ النِّقاش،.. من بين أعضاء لجنة النواب عدد قليل من
أصحاب السوابق الإدارية والسياسية مَّمن حرقتهم أشعة السلطة،
أما البقية فشيوخ تقليديون بلكنات طاغية من بيئتهم المحلية، وسحنة
بدوية، أغلبهم قارب السَّبعين، تشعر أنهم قدموا وقتئذ الى البرلمان
بوَرِقِهم بعد نوم طويل في كهف مُظلم،.. نقاش بمستوى ابتدائي،
و تسابق لسقْيِ شرايين الوِداد المُتصلِّبة ” ابْتِطْيار كَلْمه امْعَ الوزيره
الجذابه”، مواويل من الضحك ،حسبتُ مرَّاتٍ أن الواحد منهم لن يعود
سالمًا من مشقَّة سَحْبِ نَفَسِه في ضحكة يُآنس بها ويُشاكس في
خواء ذهني…أَنحاسبهم أم نُحاسب الرَّعية التي شوَّهتْ بهم قبَّة
البرلمان؟.
كيف يُتصوَّرُ أن تكون هذه الزَّعامات مُلهِمة لناخبيها، وتُجسِّد في البرلمان
ملامح وعيهم، وتتولَّى رسم مستقبلهم وتحقيق أحلامهم عالية
السقوف؟!!.
في أقصى ركن في القاعة كنتُ غارقة في تأمل حالة الطَّعن في كبد
الديمقراطية التي أمامي، أخرجَ أحد النواب مِشطًا صغيرًا وبدأ في
تسوية شاربه المصبوغ، مرَّرَهُ على رأسه، نفخه، ثم نفضه على حافة
الطاولة قائلا: الحمد الله،.. كاد المشهد أن يُخرجني عن وقاري ضحكًا،