قبل أن تحلّ الكارثة….و تحدث المواجهة بين البائع و المشتري

تثير عمليات الشراء والبيع الواسعة التي شهدها سوق العقارات في السنوات

الأخيرة، والتي كانت تتم باسم الشيخ علي الرضا، تثير هذه العمليات الكثير من

الأسئلة المقلقة، ومن المتوقع بأن هذه العمليات ستؤدي في المحصلة النهائية

إلى كارثة، فليس من المعقول أن تظل جماعة ما تمارس تجارة بهذا الشكل

الغريب وبهذه الخسائر الكبيرة ولا تحصل من بعد ذلك كارثة.

هذه فقرة من مقال سابق نشرته في يوم 31 ـ 12 ـ 2017، وكان تحت عنوان: “

سوق العقارات والكارثة القادمة!”.

في ذلك المقال حذرتُ من الكارثة القادمة، أما وقد حلت الكارثة فإنه قد يكون

من الضروري العودة إلى موضوع ديون الشيخ علي الرضا، وذلك لتسجيل

الملاحظات التالية:

(1)

لم يكن من المعهود في هذه البلاد أن ينشغل العلماء والأولياء والصالحون

بالتجارة، ولا يعني ذلك بأن العمل في التجارة لا يليق بالعلماء والأولياء والصالحين، وإنما يعني أن الانشغال بالتجارة ليس من علامات الورع والتقى

التي لابد من توفرها في العلماء والصالحين. ويتأكد الأمر في هذا الزمن الذي

ساءت فيه سمعة التجارة والتجار، ولذلك فقد كان من اللافت أن يفتتح الشيخ

علي الرضا مكتبا تجاريا، وقد كان من اللافت أكثر أن يتخصص هذا المكتب في

مجال مشبوه من التجارة يتعلق بعمليات شراء وبيع مكثف تتسبب في خسائر

كبيرة مع كل عملية شراء وبيع. إن هذا النوع من العمليات التجارية المشبوهة لا

يليق بشخص عاقل ورشيد، وهو بالتأكيد لا يليق بالعلماء ولا بالمشايخ ولا

بأولياء الله الصالحين.

(2)

مما يزيد من خطورة هذا الفعل ومن ممارسة هذا النوع من التجارة المشبوهة

هو أن جزءا كبيرا من الأموال المتحصلة من هذا النشاط التجاري المشبوه كان

يتم إنفاقه بطريقة مثيرة للاستغراب. لقد كنا نسمع عن إيجار منازل وسيارات

لعدة سنوات، وكنا نسمع عن سهرات وعن إنفاق بكرم حاتمي على الشعراء

والصحفيين و المدونين. ويكفي أن نذكر هنا بأنه، وحتى من بعد إعلان توبة

الشيخ علي الرضا وإغلاقه لمكتبه التجاري فقد سمعنا عن عشرات الملايين

وعن سيارتين وعن منزل فاخر وهبه الشيخ علي الرضا للشاعر عبد الله ولد بونا

بعد إطلاق سراحه مقابل قصيدة مدح بها الرئيس محمد ولد عبد العزيز.

إن هذا النوع من الإنفاق الذي هو أقرب إلى التبذير، والذي يشجع على ثقافة

الاستهلاك في مجتمع استهلاكي، لا يليق بشخص عاقل وراشد أن يمارسه،

ويتأكد الأمر بالنسبة لشيخ يرأس منتدى لنصرة الرسول عليه أفضل الصلاة

والسلام، ومطالب بديون تصل إلى عشرات المليارات من الأوقية القديمة.

(3)

لقد برر الشيخ علي الرضا ممارسته لهذا النوع الغريب والمشبوه من التجارة

بالحاجة الماسة إلى المال. إن الحاجة التي يتحدث عنها الشيخ على الرضا

تستحق أن نضع تحتها العديد من الخطوط الحمراء، وذلك لأن جزءا كبيرا من هذه

الأموال كان ينفق على أشخاص ليسوا بالفقراء، ولم تكن تلك المبالغ تنفق

عليهم لتشجيعهم على الإنتاج، وإنما كانت تنفق عليهم لتشجيعهم على المزيد

من الاستهلاك الباذخ، فلو كان هذا الإنفاق من أجل خلق مشاريع صغيرة مدرة

للدخل لفقراء محتاجين، كأن يشتري الشيخ الرضا مثلا سيارة لفقير ما ويشترط

عليه أن يجعلها سيارة أجرة لتوفر له مصدر رزق كريم، أو كان من أجل علاج

مرضى فقراء، أو كان من أجل كفالة أيتام، أو كان إنفاقا على طلاب علم مغتربين

لكان بالإمكان تفهم أن هناك حاجة ماسة دفعت بالشيخ على الرضا إلى اللجوء

إلى مثل هذه المعاملات المريبة.

ولو أن الشيخ علي الرضا استخدم أسلوبا آخر في تحصيل السيولة ينتفع منه

الفقراء والمحتاجين لكان بإمكاننا أن نتفهم الحاجة التي تحدث عنها الشيخ في

بيانه. لقد طرحت سؤالا في مقال سابق عن ديون الشيخ على الرضا، ويقول

ذلك السؤال : لماذا لم يفكر الشيخ علي الرضا في طريقة أخرى لتحصيل

السيولة قد تكون أقل ضررا وأقل خسارة، بل إنها ستكون أكثر نفعا للناس

والاقتصاد؟

من المعلوم بأن كبار التجار الذين يستوردون المواد الغذائية الأساسية

يلجؤون  إلى بيعها بسعرها وبأجل إلى تجار نصف الجملة وتجار التقسيط. من

هنا يظهر بأنه كان بإمكان الشيخ علي الرضا أن يشتري كميات كبيرة من الأرز

والسكر والقمح وغير ذلك من المواد الاستهلاكية الضرورية  بسعرها العادي أو

بزيادة معقولة في السعر إلى أجل معلوم، ثم يقوم هو ببيع تلك المواد بتخفيض

ليس بنصف سعرها، وإنما يكفي تخفيض سعرها بنسبة 10% عن سعرها في

السوق ليتم بيعها في أقل من غمضة عين. إن إتباع مثل هذا الأسلوب لتحصيل

السيولة، كان سيجنب الشيخ علي الرضا تكبد خسائر كبيرة بحجم تلك التي

تكبدها من شراء وبيع العقارات ، وكان سيعود بالنفع على الاقتصاد وعلى

المستهلكين، وخاصة الفقراء منهم

خلاصة الأمر في هذه النقطة هي أن مسألة الحاجة التي برر بها الشيخ علي

الرضا ممارسة هذا النوع من المعاملات التجارية المشبوهة لم تكن مقنعة،

خصوصا وأن الشيخ علي الرضا سيقول في إعلان توبته بأنه لا تجب عليه

النفقة على الفقراء، وسيقول في تسجيل آخر بأنه أصبح يعيش على ثمن لبن

ناقتين، مما يعني بأن عددا قليلا من النوق كان يكفي لسد نفقات الشيخ علي

الرضا الضرورية.

(4)

الأخطر في الأمر أن ممارسة هذا النوع المشبوه من التجارة قد أتاح الفرصة

للمتهجمين على الدعوة وعلى العلماء لأن يكثفوا من هجومهم، وذلك بعد أن

وجدوا ضالتهم في تجارة الشيخ علي الرضا.

إن أهم شيء يمكن أن نخدم به الإسلام والدعوة في زمن الفتن هذا، هو أن

نبتعد عن الشبهات وعن كل فعل قد يفهم منه بأننا نستخدم الدين من أجل

تحقيق مكاسب دنيوية. إن “المسلم العادي”  لا يليق به أن يتصرف تصرفا

يسيء إلى سمعة الدين والمتدينين، ولا أن يضع الدين في مرمى مستهدفيه،

وبطبيعة الحال فإن الأمر يتأكد بالنسبة للدعاة والعلماء والمشايخ وأولياء الله

الصالحين.

(5)

يمكن تلخيص ما سبق بالقول بأننا كنا خلال السنوات السبع الماضية أمام تجارة

مشبوهة يمارسها شخص لا يليق به أن يمارس أي تجارة أحرى أن يمارس

تجارة مشبوهة، وأن جزءا كبيرا من الأموال المتحصلة من هذه التجارة كان يتم

تبذيره وإنفاقه بطرق غير رشيدة، وأن كل ذلك قد أساء في المحصلة النهائية

إلى صورة العلماء والمشايخ وكل المشتغلين بخدمة الإسلام.

المقلق في الأمر أن هذه التجارة المشبوهة التي تضرر منها قطاع هام  وهو

سوق العقارات كان يمارسها شخص لا يمتلك شركات ولا مؤسسات ولا عقارات

يمكن أن يلجأ إليها الدائنون في حالة الإفلاس، وقد كان الإفلاس أمرا محتوما

لمن يمارس هذا النوع من التجارة، وكان الخلاف فقط حول التوقيت الذي

سيعلن فيه عن الإفلاس.

(6)

لقد تم الإعلان عن الإفلاس بشكل متدرج، وقد كان أول حديث علني للشيخ

على الرضا عن الديون وعن تسديدها قد جاء في بيان تم نشره في يوم 22 مايو

2017، وقد جاء في هذا البيان : ” أحب أن أبشر الناس الذين يطالبوننا بديون

وأن أحيطهم علما أنني أستعين الله على قضاء ديوننا من المال الحلال إن شاء

الله تعالى، وأني في الوقت الراهن عاكف على ترتيب قضاء ديوني جميعا إن

شاء الله تعالى، وأعتذر لأصحاب الديون على ما كان من تقصير في حقهم

وتأخير عن مدتهم فإن ذلك لم يكن عمدا ولا استخفافا بحقوقهم ولا إنكارا

لديونهم، ثم أعتذر لأهل السوق عامة وخصوصا سوق العقارات عن بيعنا بعض

الأشياء تحت ثمنها وما حملني على ذلك إلا الحاجة والفرار من المعاملات

الربوية البنكية والحذر من سؤال الناس أموالهم.”

بعد ذلك بستة أشهر وزيادة أعلن الشيخ علي الرضا عن توبته وعن إغلاقه

لمكتبه التجاري، وقال بأنه قد تحصلت لديه خطة بالتعاون مع بعض الأصدقاء

والأعيان لتسديد الديون، وبأنه ستتم برمجة قضاء الديون جميعا بعد إغلاق

المكتب.

في بيان 22 مايو 2017، وفي تسجيل إعلان التوبة وإغلاق المكتب (1 يناير

2018)، وفي حديث لأحد وكلاء الشيخ علي الرضا مع عدد من الدائنين، في كل

ذلك  تم التأكيد على أن هناك خطة محكمة لتسديد الديون، ولكن سيظهر فيما

بعد وفي تسجيل صوتي آخر  بأن الشيخ علي الرضا قد أصبح في أمس الحاجة

إلى الهدايا والصدقات، وبأنه قد فرح بناقتين أعطاهما له أحد الأقارب، وبأنه قد

أعد فطوره من ثمن لبن الناقتين، الشيء الذي يعني بأن الشيخ علي الرضا لم

تكن لديه خطة واضحة لقضاء ديونه، ولن تكون لديه تلك الخطة بعد أن وصلت

ديونه إلى حجم ليس في مقدور الأفراد أن يتعاملوا معه.

إن الإعلان عن استقبال الصدقات والهدايا، وإن تسريب بعض الجهات المقربة

من الشيخ على الرضا لخبر في بعض المواقع يقول بأن الديون ستسدد جميعها

قبل منتصف مايو القادم، إن كل ذلك هو مجرد هروب من مواجهة الكارثة التي

حلت، والتي سيكون ضحيتها الكثير من الدائنين الذين أوقعهم الجشع والبحث

عن الربح إلى المخاطرة ببيع منازلهم إلى مكتب يمارس تجارة مشبوهة، ولا

يسلم عقودا سليمة من الناحية القانونية.

إن نسبة هامة من المتعاملين مع مكتب الشيخ علي الرضا قد دفعها حب المال

إلى الدخول في هذه المعاملات المشبوهة، ولذلك فلا يمكن أن نتوقع منها

قبول الخسارة، بل إنه علينا أن نتوقع منها ردود أفعال غير منضبطة ـ وربما خارج

السيطرة ـ  إذا ما تأكد لها بأن ديونها لن تسدد، كما أنه علينا أن لا نتوقع من

الملاك الجدد أن يتنازلوا عن منازل سددوا ثمنها، حتى ولو كان ذلك الثمن هو

أقل من سعرها في السوق.

لابد من فعل شيء ما من قبل أن تحدث نزاعات ومواجهات بين الملاك الأصليين

والملاك الجدد للعقارات التي تم شراؤها وبيعها عن طريق مكتب الشيخ علي

الرضا، وأول شيء يجب فعله هو أن يعلن صراحة عن إفلاس مكتب الشيخ علي

الرضا، وأن توقف هذه الدعوات لجمع التبرعات، وأن يتم ضبط وتحديد حجم

الديون بشكل دقيق، وأن يحقق في معاملات المكتب خلال السنوات الأخيرة

وذلك لمعرفة أين ذهبت كل الأموال المتحصلة من هذه التجارة، على أن تضع

الدولة من بعد ذلك كله خطة عملية لتسديد الديون التي لم يعد بإمكان لأي

جهة أخرى أن تسددها.

لقد ارتكبت السلطة الحاكمة خطأ كبيرا عندما تركت جماعة الشيخ علي الرضا

تمارس هذا النوع المشبوه من التجارة لعدة سنوات، وعليها أن لا ترتكب الآن

خطأ آخر بعدم تدخلها من أجل تسديد ديون ليس بمقدور الشيخ على الرضا، ولا

بمقدور أي شخص آخر أن يسددها.

حفظ الله موريتانيا..

محمد الأمين ولد الفاضل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى