إقرأ مقابلتي مع الرئيس

طلبتني رئاسة الجمهورية على جناح السرعة، كانت مفاجأة بالنسبة لي

بدأت أدور بين الاحتمالات، هل سيتم تكليفي بتشكيل الحكومة مثلا، أو منحى

منصبا ما، أم أن الرئيس سيبلغني غضبه من تدويناتى، أم سيخصنى بمقابلة

شخصية، أم أننى “مطلوب” لأسباب أخرى ..؟ّ !!

أن أكون وزيرا أول تلك عاشرة المستحيلات، وتاسعة المستحيلات هي حصولي

حتى على منصب في الحكومة، والغضب من تدويناتى ليس واردا، فهي تشبه

نظرية المجنون “رياح باردة ورياح ساخنة”، ومن الصعب تصنيفها .

هل سيخصنى الرئيس بمقابلة صحفية، احتمال أقرب للمنطق مع أنني لست

صحفيا فرنسيا لا بالجنسية ولا بالهوى، إذن فأنا “مطلوب” لأسباب غامضة.

حدث كل شيء بسرعة، اجتزت الحواجز الأمنية لبوابة القصر و”النفسية” أيضا،

فلأول مرة أدخل القصر الرئاسي، وإن له لرهبة عصفت قشعريرتها بجسدى

كله.

دخلت معي “سائق” و”شهيد” لم أتبين ملامحهما لاستثنائية اللحظة

في غرفة صغيرة أنيقة مضاءة نصفيا استقبلني الرئيس، نعم الرئيس محمد ولد

عبد العزيز، بلحمه وشحمه .

أشار إلي بالجلوس قبالته على مكتب صغير فخم، من حوله مقعدان أنيقان،

جلس هو على الثاني منهما، أمامه على الطاولة هاتفه “هاواي” الشخصي،

وورقة بها “رؤوس اقلام” (فرنسية)، وزر صغير تحت يمناه مباشرة.

باستثناء تلك الأشياء ليس في الغرفة ما يثير الانتباه

هل ارتجفت، هل تلعثمت، هل بدوت ضعيفا مرتبكا، لا أتذكر بالضبط،لكنها

تفاصيل لاتهمكم على أية حال.

صافحني دون حرارة أو برودة ،كانت يده ناعمة بطبيعة الحال، هل تتوقعون أن

أقول لكم إنه نظيف اليد تحرجني بعض دلالات تلك العبارة.

قال الرئيس بهدوء : “حبيب الله استدعيتك لتطرح علي أسئلة لأجيبك أما لماذا

أنت بالذات فذلك ليس من شأنك”

هكذا بدون مقدمات تكلم الرئيس..

من أين أبدأ؟

عاجلني فخامته مقاطعا تفكيري : ” لديك أقل من نصف ساعة”

لاحظ أنني لا أحمل أية أدوات صحفية ،ضغط على زر (الحمد لله لم يكن نوويا

كما زر رئيس كوريا الشمالية) دخل شخص بسرعة ثم خرج، ليعود ومعه قلم

وأوراق، وضعها أمامي بملامح خشبية ،ثم انصرف بنصف استدارة.

“أعجل” ( على وزن أطفى ) خاطبني الرئيس بطريقة لم أتوقعها، لكن الرؤساء

مثل آبائنا، يمكن لهم أن يرفعوا علينا الصوت والسوط واليد دون مشكلة.

“سيدي الرئيس قلتم ل”جون آفريك” إنكم لا ترغبون في مأمورية ثالثة وقلتم

في افتتاح جلسات إصلاح الحزب الحاكم إن نهجكم سيستمر فما الذى نتوقعه

إذن بشأن بقائكم في الحكم؟”

مسح الرئيس طاولة المكتب بيده، ثم حدق في ملامحي(السفتية) قبل أن ينظر

إلى فضاء الغرفة قائلا :

“هل هذا سؤال؟” ضحك قليلا قبل أن يأمرني، نعم “يأمرني” بالتجاوز إلى

سؤال آخر.

إلى حد ما كنت مرعوبا بعض الشيء، لكن تذكرت أن الرؤساء لهم خصوصيات

تجعل صرامتهم اللفظية محل أخذ ورد.

“صاحب الفخامة ولد الغزوانى وولد بايه وولد محم وولد حد امين وولد محمد

لغظف أي هؤلاء سيحمل لقب “عزيز الثاني”؟”

ضحك هذه المرة بإيقاع آخر، وقبل أن ينظر إلي حدق في فضاء الغرفة، ثم قال

وهو يفرك وجهه بأصابع يمناه” هذا مسلسل قطز”..

نظر في ساعة يده وهو يقول ضاحكا : “هل لديك أسئلة أخرى”

“هل تعتبرون تشاور الحزب نافذة قد تعودون منها بعد خروجكم من باب

الرئاسة؟”
فكر لنصف دقيقة ثم قال : “اتخط عنك ذ السؤال”

” سيدي الرئيس في كل مرة تهاجمون المعارضة فهل ترون

 

الصدام اللفظي معها مخرجا من الأزمة الحالية”

داعب ذقنه بيده اليسرى، وعدل من وضعية ربطة عنقه، وهو يقول : ” لا توجد أزمة في البلد هل أنت معارض؟” صمت هنيهة ناظرا إلى “ورقته الصغيرة” ، ثم أردف :” دائما نسمع عنك من التكتل” بعدها ضحك ل”تلطيف الجو” ربما
كان علي هذه المرة الإجابة وليس طرح سؤال
قلت له ” أنا موال لمن والى موريتانيا ووحدتها وسيادتها وكرامتها ومعارض لمن عارضها وحسب علمى فخامة الرئيس فإنني لست عضوا في أي حزب سياسي أو اجتماعي محلي أو خارجي”
نظر إلى ساعته وابتسم نصفيا معلقا “أنت مشكلتك ألا العربية اطرح سؤال أوخر”
“سيدى الرئيس العالم أرغم رؤساء أفارقة على مغادرة مناصبهم رغم تشبثهم

بها هل..”
قاطعني “الخير والسلامه”، ثم استسلم لدقيقة هدوء بعدها قال لى : ” خرص

كان عندك سؤال أشبه من هاذو”

” صاحب الفخامة السياسة النقدية الجديدة يقال إنها مؤشر على تدهور

الاقتصاد المحلي وتعرفون أن الأسعار مرتفعة والجفاف يضرب الداخل والبطالة

منتشرة هل لديكم تصور للخروج من هذه الأزمة”

بدت لي ملامحه غاضبة بعض الشيء وهو يقول : “قلت لك لا توجد أزمة وأنت لا

تعرف الاقتصاد وأنا لم أسمع عند أي وزير أو مسؤول أن الأسعار مرتفعة صحيح

الأمطار في السنة الماضية كانت تحت المستوى السنوي لكن هناك فرق بين

نقص المطر والجفاف”
قلت لنفسي “الرؤساء حكماء دائما ،وكلامهم كله حكم تكتب بماء الذهب”

“أيوه عندك أمرده أخره”، قالها لي وهو يداعب ساعة يده

“أين ولد أمخيطير؟” قلتها له فأجابني بسرعة ” شى شور القضاء ما نتكلم فيه وأنت صايب عن تتكلم فيه”
أخذنا دقيقة “تخازر” قبل أن أسأله “هجمات واغادوغو كيف قرأتم رسائلها بعد تشكيل قوة “الساحل” المشتركة وبعيد قمتكم الأخيرة التي حصلتم فيها على دعم الأوروبيين والأمريكيين ماديا ولوجستيا”
انشغل قليلا بهاتفه أظن بأنه أغلق الخط فى وجه مكالمة غامضة ثم قال “

شوف نحن يعنين ألا بلدن صحيح فم تنسيقات امع دول العالم لمكافحة الإرهاب

غير نحن أمركزين ألاأعل بلدن أولا آن أمللى مانى صايب أنتم نكر الرسايل هوم

امللى مامشاورسايل لمطارك ألاخرص أنت كانك اتكد كاع تصبرصوتهم أما كاع

أكرايتهم ماجابتها اكزانه حتى “فاله” ما اتشوفها كاع هههه”

قلت لنفسى “تم قصف الجبهة بنجاح كما يقول أهل افيس بوك”

بعدها عاجلته بسؤال عن قطاع الصحة :
” سيادة الرئيس قطاع الصحة يعانى ضعف الوسائل وتذمر العمال وانهيار

المستشفيات لكن أخطر شيء يعانيه هو إغراق السوق بالأدوية الفاسدة هل

تحركتم لوضع حد لذلك”
اعتدل في جلسته “محنحنا” وهو يقول : “أنت من ذوك؟ المطار ما اسميتو

والجيش اللى عاد قوي متطور ما اسميتو والجامعة الجديدة والطروق ومزارع

الرياح والمياه فالنعمة والقمة العربية والإفريقية وقمة كورة القدم والكهرباء هاذا

كامل أمشيت عنو شور الطب على كل حال الطب مطور حت عندن يغير يواجعه

أصحابك أتعاب حت ألا يجمعو الفظة توف أنت أمالك “أكوشيز” افطب “صباح”

لم اقل شيئا فأنا جئت لطرح أسئلة لا للإجابة عنها ، وليس من الأدب أن يخربنى

“موطص” بحضرة الرئيس.
حاول تلطيف الجو بعد أن لاحظ أنني توترت ولديه معلومات (في الورقة الصغيرة

) تفيد بأنني “متحمض” و شخصيتى محمودة لله.
قال ” أيوه حبيب خرص سؤال نتفاهمو أعليه” أتبع ذلك بضحكة يصعب تصنيفها

“سيدي الرئيس ولد غدة وسجناء الرأي ألم يحن الوقت لإطلاق سراحهم أو

على الأقل تحريك ملفاتهم وكيف تردون على من يقول إنكم أفلستم مؤسسات

وسجنتم موظفين بتهمة الفساد بينما يسرح مفسدون نافذون ويمرحون دون مساءلة ؟ ”
أخذ هاتفه الشخصي، فتح بسرعة صفحتي على “الفيس بوك” ثم قال وإحدى عينيه على “الورقة الصغيرة” :
” حبيب هذا النظام هو أول نظام إيحارب الفساد وهذا كلام المعارضة ولايهمنى عاكب ذاك نوعك أنت ما يتكلم عن حرية الرأي أنت كم حاظر من أركاج افصفحتك فيس بوك اتكلم أمالك حاظر 7000 زايده أمالك مدير مجموعة “فضاءات صحية” اعل “وتساب” كل انهار أتزيل 200 عضو دون سبب إيعود واحد منهم ألا أكتب “هح” ماهو قاصدها حد إيتم إيريلاكسى أشوي”
ساد بيننا صمت، هو صمت المصدوم بالنسبة لي، وصمت المنفعل بالنسبة لفخامته
من الأكيد أنه يعرف نوعية “مكرونة” التي تعشيت بها البارحة..!!
قطع الصمت بسرعة : “أيوه أطرح السؤال الأخير أفصلن أمع ذى الكعده”
“فخامة الرئيس ب”لا” أو”نعم”، هل ستبقون في الرئاسة لمأمورية ثالثة بطريقة أو بأخرى؟”
سقط رأسي عن الوسادة ،وكان منبه هاتفي الشخصي يرن بحدة ،منبها إلى دخول وقت الفجر
جلست حيث لا مكتب، ولا رئيس، ولا أسئلة، ولا أجوبة ،إن هو إلا مهرجان حاشد ل”الناموس” يودع به “التيار الكهربائي” الذي غادر للتو إلى السنغال..!!

حبيب الله ولد أحمد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى