يوم الثلثاء ينتظرون الموت
في شقتها المتواضعة بمدينة الإسكندرية، تقضي صفاء مرسي، البالغة من العمر 49 عاماً، ليلة الإثنين في قلق شديد، وخوف من خبر يأتيها بحلول نهاية يوم الثلاثاء بأن زوجها قد مات.
تقول صفاء لموقع شبكة ABC News الإخبارية الأسترالية “إن ليلة الإثنين بالنسبة لي مقلقة للغاية، يصعب أن أجد النوم فيها، وعندما يأتي يوم الثلاثاء، أكون في غاية الخوف من أن أُدير التلفاز حتى لا أشاهد خبراً يُحزن قلبي”.
فمع صباح كل يوم ثلاثاء، مصر على موعد مع حكم إعدام جديد، وهو اتجاه أُسس في أواخر العام الماضي، وقد قُتل 23 رجلاً منذ نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي.
زوج صفاء مرسي هو فضل المولى، أحد أنصار جماعة الإخوان المسلمين، والذي ألقي القبض عليه في أغسطس/آب من عام 2013، بعد مجزرة رابعة، وهي أكبر واقعة قتل جماعي لمتظاهرين في مصر بما يفوق 900 قتيل في يوم واحد.
اُتهم فضل المولى بقتل سائق سيارة أُجرة، وحيازة أسلحة نارية، وهو ما أنكرته صفاء مرسي تماماً. جدير بالذكر أن فضل المولى ينتظر تنفيذ حكم الإعدام فيه منذ يونيو/حزيران من عام 2016.
تقول صفاء مرسي “من الصعب تصور الحياة بدونه. العالم كله سيتوقف بالنسبة لي”.
تقول مرسي إن زوجها يعيش ظروفاً قاسية داخل معتقله دون توفير الرعاية الطبية المناسبة.
تقول مرسي “إنه يقبع في زنزانة الإعدام، ولكن لا يجب أن تُسمى بذلك. يجب أن يغيروا اسمها إلى زنزانة الموت. إنها أشبه بالمقبرة. عرضها متر ونصف، وطولها ثلاثة أمتار، يُحتجز فيها ثلاثة أفراد أو تُخصص للحجز الانفرادي، وتكون دائماً تحت الأرض.
بها نافذة صغيرة لا يكاد يدخل منها الضوء، وليس بها دورة مياه، عدا دلو صغير. إنها زنزانة موت، ليست بمكان يمكن للناس العيش فيه”.
أعداد قتلى “لم يسبق لها مثيل من قبل”
خلال عام 2017، نُفذ حكم الإعدام في 49 “سجيناً سياسياً” في مصر، بينما أُعدم أكثر من ضعف هذا العدد خلال عام 2016.
أُدين معظم هؤلاء بتهم تتعلق بالإرهاب، أو محاولات لقلب نظام الحكم. ومع نهاية فبراير/شباط الماضي، قضت محكمة على 21 مشتبهاً به في أعمال تطرف بالإعدام، وذلك لتخطيطهم شن هجمات إرهابية.
ووفقاً لمنظمة العفو الدولية، تحتل مصر المرتبة السادسة على مستوى العالم في عدد من نُفذ فيهم حكم الإعدام، بعد الصين، وإيران، والعراق، وباكستان، والسعودية.
وأعربت الأمم المتحدة الشهر الماضي عن “صدمتها العميقة” إزاء ارتفاع معدلات الإعدام التي بدأت منذ نهاية العام الماضي، وعبرت عن قلقها بشكل خاص بشأن عدم مراعاة الإجراءات القانونية المتعارف عليها في المحاكمات العسكرية والمدنية.
ولم يستجب مسؤولو وزارة العدل لطلبات التعليق على سبب تزايد أحكام الإعدام، أو سبب تفضيلهم ليوم الثلاثاء في تنفيذ الإعدامات. كما لم يتمكن نشطاء حقوق الإنسان من تفسير توقيت تنفيذ هذه الإعدامات.
يقول إسلام الربيع، الباحث في مركز عدالة للحقوق والحريات في القاهرة، والذي يبحث ظاهرة الإعدامات في تقرير بعنوان “باسم الشعب”، إن “أعداد الموتى لم يسبق لها مثيل من قبل”.
وتقول الصحيفة الأسترالية حكمت المحاكم المصرية، سواء كانت مدنية أو عسكرية، على أكثر من 330 شخصاً بالإعدام العام الماضي فحسب، وغالباً ما كانت تجرى هذه المحاكمات بشكل سري دون السماح للجمهور، أو وسائل الإعلام، أو منظمات حقوق الإنسان بحضورها.
غسل جثمان ابنه
يعتصر الأسى قلب إسماعيل خليل على عدم وجود صورة فوتوغرافية تجمعه بابنه لطفي، بينما يقلب صوره على هاتفه المحمول، وقد نُفذ حكم الإعدام في لطفي في الثاني من يناير/كانون الثاني من هذا العام.
كان لطفي خليل يبلغ من العمر 24 عاماً، وقد نُفذ فيه الإعدام مع ثلاثة رجال آخرين بعد أن اُتهموا بتفجير قنبلة، وقتل ثلاثة طلاب، وإصابة اثنين آخرين من طلاب أكاديمية كفر الشيخ العسكرية.
يصف إسماعيل حالته عندما ذهب إلى المشرحة في الإسكندرية لاستلام جثمان ابنه بالعجز.
يقول إسماعيل واصفاً المشهد المروع بانفعال عاطفي شديد “بمجرد دخولي، رأيت اثنين ممن كانوا معه في نفس القضية ونُفذ فيهم الإعدام، لُفت أجسادهم ببطانية”.
اعتاد إسماعيل الذي تقاعد مؤخراً من وظيفته كمحاسب، أن يَغَسِل جثامين الموتى في قريته كأحد أوجه العمل المجتمعي. وكان حريصاً على غسل جثمان ابنه كآخر عمل أبوي يقدمه لابنه، لكنه لم يستطع تمالك نفسه.
بسبب حزنه الشديد، وقف إسماعيل بلا حراك في مكان غسل الموتى بالمشرحة، بينما تكفل أحد أقاربه بالمهمة بدلاً منه.
“كانت هناك قطرات عرق على وجهه كحبات الندى المضيء. لم أستطع تمالك نفسي من الصدمة”.
يقول إسماعيل “كان جثمان لطفي ليناً بين يدي قريبه وأثناء التغسيل”، وهو ما اعتبره علامة قبول إلهي، وأنه أقبل على مصيره باطمئنان وهدوء.
يضيف إسماعيل “قبلت جبهته، ومن ثم، تنقل بعض الأشخاص الذين أعرفهم من جثة لأخرى، مقبلين رؤوسها وأقدامها في بكاء شديد”.
حملة للقضاء على التنظيمات المسلحة
وفقاً لوالده، كان لطفي يعمل في وظيفة مرموقة في مواقع الإنشاءات، وكان يحب لعب كرة القدم، وكان يحلم بالزواج.
اعتقل لطفي بعد خمسة أيام من تفجير الأكاديمية العسكرية في إطار حملة الرئيس عبدالفتاح السيسي للقضاء على الميليشيات المتطرفة.
ألقي عليه القبض من أمام مركز للشباب في قريته، ويقول إسماعيل إنه إذا كان لطفي متورطاً في التفجير، لكان آثر الاختباء بعد وقوعه.
ومنذ أن أطاح الجيش بالرئيس محمد مرسي في يوليو/ تموز من عام 2013، تخوض قوات الأمن المصري معركةً قاسية في مواجهة بعض المتمردين الإسلاميين في سيناء منذ سنوات.
يقبع قرابة 40 ألف معتقل في السجون، معظمهم من ذوي الخلفيات الإسلامية مثل عائلة لطفي، كما أصبحت حالات “الإخفاء القسري” تتم بشكل منتظم، وذلك حسب ناشطين في مجال حقوق الإنسان.
يقول إسماعيل إن لطفي قد اختفى، واحتجز معصوب العينين لمدة 76 يوماً، ولم يعرف مكانه حتى نُقل إلى محكمة بالقرب من مدينة طنطا، وهي مركز كبير بالقرب من قريتهم، في يوليو/تموز من عام 2015.
تقول ريهام حسن، المشاركة في إعداد تقرير “باسم الشعب”، إن “الإعدامات والإدانات قد سُيست بالكامل من أجل احتواء الغضب العام، خاصة في أعقاب الهجمات الإرهابية”.
بعد عدة تأجيلات في قضيته، بالإضافة إلى 16 مُتهماً آخرين، أُحيلت أوراق لطفي إلى المُفتي ليصدق على حكم الإعدام في الثاني من مارس/آذار عام 2016.
تقول ريهام حسن “هناك عدد قليل جداً من القضايا التي رفض المفتي التصديق على حكم الإعدام فيها. إنها فتوى غير ملزمة من الناحية القانونية، لكن من الناحية النظرية، بوسع المفتى إيقاف هذا الأمر في أحيان أكثر من ذلك”.
انتظار الموت
في أول أيام العام الجديد، والذي وافق يوم الإثنين، تلقى إسماعيل أخباراً عن تنفيذ حكم الإعدام في ابنه خلال ساعات.
يقول إسماعيل “حتى عند موته أبعدوه عنا. كان لابد أن يطبقوا أحكام القانون ويسمحوا لعائلته أن تزوره خلال الساعات الأخيرة من حياته، ولكنهم جبناء”.
“إنهم يسرقون الموت بعيداً عن قلوب الأمهات، والبنات، والأخوة”.
يقول الربيع، الباحث القانوني في مركز عدالة “إنه أمر مأساوي، فحتى بعد تنفيذ الإعدام، تُنقل جثامينهم إلى المشرحة دون علم ذويهم، وفي بعض الحالات، تمنع السلطات المراسم الجنائزية لهؤلاء الموتى”.