“أبناء كيفة” ………و العمل الخيري
لم تكن ثقافة التطوع و العمل الخيري شائعة في مجتمعنا الموريتاني البدوي، و ظلّ ذلك النشاط -إلى وقت قريب-معتمدا على “المنظمات الخيرية” الأجنبية سواء الخليجية منها أو الغربية، و التي يُعتَبَرُ بعضها تنصيريا، و لكن الأمر تغيّر في العقدين الأخيرين مع انتشار الترخيص ل”المنظمات غير الحكومية” و التي قيل إن عددها زاد على ثلاثة آلاف منظمة و هو ما يجعل موريتانيا من أكثر الدول منظمات غير حكومية بالنسبة لعدد مواطنيها!!
و للأسف فإن معظم هذه المنظمات لا يستفيد منها و من نشاطاتها غير أصحابها أو بعض المقربين منهم !!لذلك تُعرَفُ محليا ب”منظمات الحقيبة و الجيب” (الصّكْ و اللِّبنَه) أي أن فائدتَها محصورةٌ في جيب صاحبها و أثرَها منحصرٌ في الحقيبة التي يحمل فيها أوراقها؟!
و مع ذلك فإن ثمّة استثناءاتٍ متعددةً -وطنيا و جهويا و محليا- فقد أثبت بعض أهل الخير أن بإمكانهم تقديم نماذج حسنة لا يختلف اثنان على أهميتها و تأثيرها الإيجابي الكبير على الناس؛ فأصبح لدينا منظمات مؤثّرة مثل:
بسمة و أمل
أسعد تسعد
جمعية الإرادة
الجمعية النسوية (و لها فرع في كيفة)
و كذلك وُجِدَت مبادرات جهوية أخرى كتجمع شباب كامور و غير هذه المنظمات و المبادرات التي يقوم عليها شباب و رجال و نساء يعملون على إغاثة الملهوف و تفريج الكروب و السعي في حاجات الضعفاء و المحرومين و رعاية الأرامل و الأيتام….
و في هذا الإطار يأتي حديثي اليوم عن مبادرة راقبتُ تأسيسها و تابعتُ تطوّرها و شاركتُ في بعض نشاطاتها -حديثا- و قد غطّت “وكالة كيفة للأنباء” كثيرا من نشاطاتها – و ذلك تشجيعا لأصحابها و دعوة للجميع إلى بذل الجهد لمساعدتها و مساعدة غيرها من المبادرات و المنظمات المشابهة التي تقوم بنشاطات يستفيد منها المحتاجون، و هذه المبادرة هي مبادرة “أبناء كيفة”.
“أبناء كيفة”: التأسيس و الأهداف:
تمّ تأسيس هذه المبادرة سنة 2016 على يد مجموعة من أبناء كيفة الذين جمَعهم الإيمان بالله تعالى و حُبّ الخير للناس و السعي في ما يفيدهم، و هي تمثيل حقيقي ل”أبناء كيفة” ففيها كل شرائح المجتمع و ومكوناته : عرقيا و عمريا،و منهم التاجر و منهم الطبيب و منهم الصيدلاني و منهم الموظف في البنك و منهم أساتذة و طلاب ،، و آخرون.
و تسعى هذه المبادرة إلى التخفيف من وطأة الفقر و معاناة بعض السكان المحليين، و المساهمة في دفع تكاليف علاج بعض المرضى العاجزين عن تَحمّل ذلك، كما تساعد بعض التلاميذ من خلال توفير “الحقيبة المدرسية” و تقوم بسقاية أحياء فقيرة مرتين -أسبوعيا- لعدة أشهر -كل عام- منذ تأسيسها.
و قد انضم لهذه المبادرة عشرات الأفراد -معظمهم مقيمون في كيفة- و بعضهم من أبناء المدينة المقيمين في مناطق أخرى من الوطن أو الموجودين في الخارج. و يرى أصحاب المبادرة أنه لا توجَدُ ضرورة لتسجيلها قانونيا، و ذلك لئلا يؤدي التنافس على المناصب إلى إفساد الودّ بين الأعضاء. و للمبادرة منسق عام -يسميه أعضاؤها بالرئيس- و يرفض هو ذلك، و هو الأخ: عثمان ولد سعد بوه (الصورة رقم ١)
تقبل الله منه و من بقية الأعضاء- و جدير بالذكر هنا أن المبادرة غير سياسية و لا علاقة لها بأهل السياسَة، و قد حاول بعضهم اختراقها و التأثير عليها فرفض أصحابها ذلك.
و عضويةُ المبادرة مفتوحة أمام الجميع، و تكاليف الانتساب خمسة آلاف أوقية (قديمة) شهريا، و من لا يريد ذلك فيمكنه المساهمة بما يستطيع بشكل دوري أو المساهمة في النشاطات المتجددة بشكل أسبوعي تقريبا، و هناك مجموعة للمبادرة على الفيس بوك تضم أكثر من 2300 شخص، و لكن مجموعة “الواتس أب” و البالغ عدد أعضائها 50 خمسون شخصا فقط هي المجموعة النشطة و التي يساهم أعضاؤها بشكل يومي في تحقيق أهداف المبادرة- شَكَرَ الله سعيهم و بارك فيهم و في جهودهم-.
النشاطات و الإنجازات:
كما ذكرتُ سابقا، فللمبادرة نشاطات متعددة تهتم بتخفيف معاناة الفقراء و المرضى و مساعدة الطلاب و العَطْشَى، و في هذا الإطار فقد تركزتْ نشاطات الجمعية على المحاور التالية:
١- المساكن: قامت المبادرة ببناء و ترميم خمسة عُرُش (امبارات) لبعض الذين احترقت أو سقطت أبنيتهم، و عجزوا عن ترميمها أو إعادة بنائها.
٢- السقاية: تقوم المبادرة بتوفير السقاية مرتين أسبوعيا -في بعض الأحياء الفقيرة- في الفترة ما بين ابريل و سبتمبر (حتى موسم الخريف).
٣- مساعدة التلاميذ و طلاب العلم:
تقوم المبادرة بتوفير “الحقيبة المدرسية” كل عام لبعض التلاميذ الفقراء، و هي حقيبة تضم الدفاتر و الأقلام و المناهج الدراسية المقررة مع بعض الأدوات الأخرى ( الصورة رقم٢)
كما تقوم -أحيانا- بذبح بعض الحيوانات و توزيع لحومها و أنواع أخرى من الطعام على بعض طلاب المحاظر (الصورة رقم ٣).٤-رعاية المرضى و المعاقين:
تتكفّل المبادرة بعلاج بعض المرضى الذين لا يملكون تكاليف العلاج و الدواء، و توفّر لبعض أصحاب الأمراض المزمنة الأدوية التي يحتاجون إليها (و تقوم المبادرة الآن بتوفير ذلك لثلاثة 3 أشخاص بكل دائم). كما قامت بمساعدة عشرات المرضى بشكل مؤقت.
و تقوم -الجمعية الآن-برعايَة معوّقَين 2 اثنين: أحدهما في كيفة، و الثاني في قرية “آمرجّل” التابعة لبلدية أقورط، و توفّر لهما حاجاتهما الأساسية و ذلك من خلال التعاون مع بعض الأفراد الموريتانين و المنظمات الموجودة في إسبانيا.
ملاحظات و مقترحات:
لقد شاركتُ -أول مرك- في نشاط للجمعية يوم ٢٣ يوليو ٢٠١٧ ( الصورة رقم ٤)
و كتبتُ عنه تدوينة جاء فيها:
“تشرّفتُ اليوم بالمشاركة – مع مجموعة “أبناء كيفة”- في عمل تطوعي لسقاية منطقتين من حي “التمّيشه” شرقي مدينة كيفة.
في هذا الصيف الحار حيث تزيد درجة الحرارة عن أربعين درجة مائوية (١.٥ فهرنهايت) تعاني أحياء كثيرة من المدينة من انعدام الماء و غلاء سعره. تقوم هذه “المجموعة” بتوزيع صهريجين أسبوعيا، و تقوم بالتحسيس قبل ذلك و تُعلم المستفيدين بتحديد مكان و وقت التوزيع.
يحتوي كل صهريج على خمسة أطنان من الماء (٥٥ برميلا) و يُكلّف سبعة عشر ألف (١٧.٠٠٠) أوقية،و يسدّ هذا الصهريج حاجات عشرات الأسر.
في هذا الصيف الحار تحتاج أسر عديدة إلى السقاية، و ليت رجال أعمالنا و شبابنا و سياسيينا يُنفِقُون جزءا يسيرا مما ينفقون في السياسة و الأمور الشخصية على الأعمال الخيرية-ابتغاء وجه الله- و ليتهم يتذكّرون حديث رسول الله- صلى الله عليه و سلمْ-: ” أفضل الصدقة سقيُ الماء”. رواه الترمذي و صححه الألباني.
بارك الله جهود المحسنين – من مجموعة أبناء كيفة و غيرهم- و تقبّل منهم صالح الأعمال” (انتهى الاستشهاد) و بعد نشر هذه التدوينة اتصل بي أحد الإخوة الكرام من أنغولا و تبرع بمبلغ سلمته للمبادرة- تقبل الله من الجميع-
و قد لاحظتُ تأثير ذلك النشاط على المستفيدين منه، و انتظارهم له و إحضارهم للأواني و البراميل التي يودّون مَلأها، و قد تأثرتُ كثيرا- بل بكيتُ- لِما رأيتُ من فقرٍ مُدقعٍ و حاجةٍ ماسّةٍ لدى بعض هؤلاء (الصورة رقم ٥ مثلا)
و هي حاجة يمكن توفيرها لو تطوع كلٌّ منها بقليل مما يملك، و وفّر بعض ما ينفقه في الكماليات، كما أن رجال الأعمال و السياسيين مطالَبون بإعطاء 5٪ فقط من نفقاتهم للعمل الخيري، و لو فعلوا ذلك لكان لذلك تأثير كبير على السكان و التخفيف من الفقر و المرض و الجهل الذي يعانون منه.
لمزيد من المعلومات عن المبادرة، أو للاشتراك في مجموعتها على “الواتس اب” يمكن الاتصال بالرقم التالي -أو إرسال رسالة إليه-:
(+222)46470007
تقبل الله من “أبناء كيفة” و من أهل الخير، و زادهم من فضله و بركته و أغنى الله فقراءَنا و بارك لهم ، و بارك لأغنيائنا و وفّقهم للبذل، و حَفِظَ بلادنا و أهلها من كل سوء ، و أدام عليهم نعمه و جعلهم من الشاكرين، و أعاذنا الله و إياهم من مُضِلاتِ الفتن و من مُحبطات الأعمال و من حواجب الدعاء .
و ليتذكّر الجميع أن “مَن نفّس عن مؤمنة كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كُرَب يوم القيامة” و “أن الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه” و أن “صنائع المعروف تقي مصارع السوء”، فحيّهلا على البذل و العطاء يا “أبناء كيفة”.
عبد القادر ولد الصيام