لقد قررت اليوم أن أوجه إليكم هذه الرسالة المفتوحة، وذلك بعد توقف طويل
عن كتابة الرسائل المفتوحة.
في هذه الرسالة المفتوحة سأزف إليكم خبرا من المفترض بأنه سيفرحكم،
وسأقدم لكم نصيحة في اعتقادي بأنها نصيحة صادقة من شخص لا يتمني لكم
إلا الخير، حتى وإن كان يعارض سياساتكم ونهجكم في ممارسة الحكم.
أولا : الخبر
إن الخبر الذي سأزفه إليكم من خلال هذه الرسالة المفتوحة يتعلق بفوز ” إلين
جونسون سيرليف” الرئيسة السابقة لليبيريا في يوم الاثنين الماضي بجائزة
عملاق الاتصالات السوداني “مو إبراهيم”، وذلك بعد أن التزمت هذه الرئيسة
بالمأموريتين الرئاسيتين المنصوص عليهما في دستور بلادها. لم تفكر هذه
الرئيسة في التمديد، وإنما قررت أن تشرف على انتخابات شفافة مكنت من
فوز لاعب الكرة السابق “جورج ويا” برئاسة البلاد.
تعد جائزة “مو إبراهيم” من حيث القيمة المادية هي الأعلى عالميا، فهي تفوق
من حيث قيمتها المادية جائزة نوبل للسلام. وتتمثل هذه الجائزة في مبلغ يصل
إلى خمسة مليون دولار يسلم للفائز على مدى عشر سنوات، هذا بالإضافة
إلى مبلغ 200 ألف دولار يمنح له سنويا، وعلى مدى الحياة.
حجبت هذه الجائزة التي تم إطلاقها في العام 2006 عدة مرات، ولم تمنح منذ
إطلاقها إلا لأربعة رؤساء أفارقة سابقين وهم “جواكيم تشيسانو” من
الموزمبيق في العام 2007، و”فيستوس موجاي” من بوتسوانا في 2008،
و”بيدرو رودريغيز بيريس” من الرأس الأخضر في 2011، و”هيفيكبوني بوهامبا”
من ناميبيا في 2014، هذا بالإضافة إلى حصول “نيلسون مانديلا” على نسختها
الفخرية في العام 2007، وحصول رئيسة ليبريا السابقة عليها في الأسبوع
الماضي.
إني أتمنى ـ يا سيادة الرئيس ـ أن تحصلوا على هذه الجائزة ذات القيمة المادية
الكبيرة، هذا فضلا عن قيمتها الرمزية، أن تحصلوا عليها بعد خروجكم من
السلطة في العام 2019، وبعد تنظيمكم لانتخابات شفافة في أجواء توافقية.
ثانيا: النصيحة
إني أعلم يا سيادة الرئيس بأن مسألة الحصانة والتأمين قد تكون من بين أهم
الأمور التي تشغل بال أي رئيس عربي أو إفريقي يفكر في الخروج من
السلطة. وفي اعتقادي بأن التحصين والتأمين الذي يمكن أن تحصنوا به
أنفسكم من بعد الخروج من السلطة هو أن تعملوا ـ ومن الآن ـ على خلق جو
توافقي وتصالحي، وأن تهيئوا الظروف المناسبة لتنظيم انتخابات رئاسية
شفافة في منتصف العام 2019 يرضى الجميع بنتائجها.
إني أعلم يا سيادة الرئيس بأن الكثير ممن حولكم سيقول لكم بأن التحصين
الأنسب والتأمين الأقوى يتطلب البقاء في السلطة بهذا الشكل أو بذاك، أي من
خلال فرض فوز خليفة لكم في رئاسيات 2019، أو من خلال إحداث تغييرات في
النظام السياسي يتم تفصيلها بالشكل الذي يضمن لكم البقاء في السلطة.
إن النصيحة التي أود أن أبرقها إليكم من خلال هذه الرسالة المفتوحة هو أن
أسوأ عملية تحصين قد تقومون بها هي أن تحاولوا أن تحصنوا أنفسكم من
خلال البقاء في السلطة أو من خلال محاولة فرض خليفة لكم في الرئاسة. إن
مثل ذلك السيناريو سيضعكم ـ يا سيادة الرئيس ـ في مأزق حقيقي وفي
وضعية صعبة تتمثل في :
1 ـ ستجدون أنفسكم وقد فقدتم جزءا من السلطة، وسيسارع خليفتكم على
استكمال كافة سلطاته، ولن يكرر خطأ الرئيس السابق سيدي ولد الشيخ عبد
الله. عليكم أن تعلموا ـ يا سيادة الرئيس ـ بأن الرئاسة عندما يصلها أي شخص
فإنه سيتغير حتما، ولا يخدعنكم زهد هذا، أو ضعف ذاك، أو متن الروابط التي
تجمعكم بهذا أو ذاك.
2 ـ ستجدون بأن معارضتكم قد ازدادت حقدا وسخطا، وذلك لأنها ستحملكم
أخطاءكم وأخطاء من سيأتي من بعدكم، وذلك لأنكم أنتم هم من فرضه، وأنتم
هم من أوصله إلى السلطة.
بلغة فصيحة وصريحة فإنكم ـ يا سيادة الرئيس ـ ستجدون أنفسكم في نهاية
المطاف بسلطات أقل وبعداوات أكثر، سيعاديكم من ورثتموه السلطة،
وستعاديكم المعارضة، وسيعاديكم الشعب الموريتاني بسبب الوصاية التي
تمارسونها عليه. ستجدون أنفسكم بلا حليف، وفي حرب شرسة مع الجميع،
وذلك في وقت فقدتم فيه جزءا كبيرا من سلطاتكم، ومن المؤكد بأنكم
ستخسرون في هذه الحرب، ولن يرحمكم أحدا عندما تخسرون.
ما أود قوله من خلال هذه الرسالة المفتوحة هو أن التحصين الأقوى والتأمين
الفعال لكم بوصفكم رئيس سابق، لن يكون إلا من خلال خلق جو توافقي،
والعمل على تنظيم انتخابات شفافة، ووقف ممارسة الوصاية على الشعب
الموريتاني، فبذلك ستخرجون من الرئاسة خروجا مشرفا، وبذلك ستنالون
التقدير والاحترام من طرف الجميع، وربما تحصدون من بعد خروجكم من
السلطة جوائز دولية ومكانة محترمة لدى المؤسسات الدولية، هذا فضلا عن
المكانة التي سيمنحها لكم الشعب الموريتاني ودول المنطقة بوصفكم من قلة
من الرؤساء العرب والأفارقة الذين كان لهم الفضل في الإشراف على تناوب
آمن على السلطة في بلدانهم.
حفظ الله موريتانيا..
بقلم: محمد الأمين ولد الفاظل