هوف بوست : موريتانيا ما زالت تمارس العبودية لكن حكم قضائي قد يقضي عليها تماما
رغم مرور نحو 37 عاماً على قرارها إلغاء العبودية، لا تزال موريتانيا تعمل بنظام الرق حتى ولو كان بشكل غير رسمي بسبب الضغوط التي تمارسها المنظمات الحقوقية الدولية على نواكشوط، إلا أن الوضع ليس كذلك في البلد العربي الفقير.
وبحسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية، الأربعاء 7 فبراير/شباط 2018، فإن موريتانيا أصبحت عام 1981 آخر دولة في العالم تلغي نظام العبودية بصفة رسمية. واستغرقت الحكومة 26 عاماً أخرى في تمرير قانون إلغائها. وربما من غير المدهش أن تظل العبودية مصدر إزعاج للدولة، التي يبلغ تعداد سكانها 4 ملايين نسمة، والتي تقع شمال غربي إفريقيا.
ويأتي الحكم القضائي، الصادر عن إحدى محاكم الاتحاد الإفريقي، والذي يفرض على الحكومة الموريتانية تعويض طفلين هاربين من العبودية ومعاقبة سيدهما السابق، ليكون بمثابة أمل أمام الآلاف من مواطني موريتانيا الذين لا يزالون يخضعون للعبودية، بحسب الصحيفة الأميركية.
وُلد سيد، ويارج سالم، في ظل نظام الرق وفرَّا في أبريل/نيسان 2011. وسرعان ما أقاما دعوى قضائية ضد سيدهما السابق أحمد ولد الحسين، الذي أُدين بمحكمة نواكشوط الجنائية باستعباد الطفلين وحرمانهما من الدراسة. فقد كانت ولا تزال أول محاكمة ناجحة حتى وقتنا هذا في ظل قانون مناهضة العبودية الصادر عام 2007 بموريتانيا. واعتبره مناصرو القانون خطوة هامة نحو القضاء على العبودية والرق بالبلاد.
قانون غير مُجدٍ
وذكرت لوسي كلاريدج، المدير القانوني للمجموعة الدولية لحقوق الأقليات، في حوار لها مع صحيفة The Washington Post، أن “قانون مناهضة العبودية رائع، ولكن غير مجدٍ ما لم يتم وضعه موضع التنفيذ”.
ومع ذلك، كان الحكم الصادر ضد حسين -والمتمثل في السجن عامين وتعويض قدره 4700 دولار- لا يرقى إلى العقوبة المقترحة. وطعن المدعي العام بالبلاد ضد الحكم المتساهل، بينما طعن حسين في القرار ذاته. وتم إطلاق سراحه لحين صدور حكم آخر. وقد حدثت تلك الوقائع عام 2011، إلا أن النظام القانوني الموريتاني لم يتخذ أي إجراء آخر فيما يتعلق بتلك القضية، التي تظل معلَّقة بالمحكمة العليا بالبلاد، بحسب “واشنطن بوست”.
وحينما لم يجد محامي الطفلين أملاً في تحقيق العدالة بموريتانيا، أقام الدعوى القضائية بالتنسيق مع المجموعة الدولية لحقوق الأقليات وSOS Esclaves، وهي منظمة موريتانية غير حكومية تدعم العبيد الحاليِّين والسابقِين، بإحدى المحاكم الإقليمية المعروفة باسم “اللجنة الإفريقية للخبراء حول حقوق ورفاهية الطفل”. ودفع مقيمو الدعوى القضائية بأن حكومة موريتانيا خذلت الطفلين بعدم تطبيق قوانينها المعنيَّة بمناهضة العبودية.
وأصدرت اللجنة الإفريقية حكمها لصالح الطفلين في 26 يناير/كانون الثاني 2018. وذكرت المحكمة أن حكومة موريتانيا تضطلع بالمسؤولية عن تقديم تعويض مالي إلى جانب الدعم النفسي والحماية القانونية للطفلين جراء عدم تطبيقها قانون حظر العبودية. وتأمل كلاريدج أن يكون للحكم “تأثير إيجابي على الطعن المقدَّم أمام المحكمة العليا بموريتانيا وعلى الشكاوى الجنائية الأخرى ضد العبودية والتي لا تزال معلَّقة بالمحاكم الموريتانية”، بحسب الصحيفة الأميركية.
عشرات القضايا ضد مالكي العبيد
وبحسب “واشنطن بوست”، فإن هناك 19 دعوى قضائية أخرى ضد مالكي العبيد الذين يشقُّون طريقهم إلى النظام القضائي الموريتاني، بالإضافة إلى العديد من الدعاوى القضائية الأخرى التي تخضع للتحريات في الوقت الحالي. ويمكن أن يوفر حكم للجنة الإفريقية الحافز اللازم للمحاكم كي تشدد من أحكامها الصادرة ضد مالكي العبيد.
وقد تلعب الضغوط التي يمارسها العالم الخارجي دوراً في ذلك أيضاً. وتعتزم الولايات المتحدة تخفيض تصنيف موريتانيا بموجب الاتفاق الإفريقي للنمو والفرص، وهو اتفاق تجاري مبرم مع الولايات المتحدة؛ نتيجة عدم اتخاذ موريتانيا أي إجراءات قانونية بشأن السُّخرة، بحسب الصحيفة الأميركية.
ومع ذلك، يتمثل الهدف النهائي في إجراء تعديل منهجي داخل المجتمع والنظام الحاكم، اللذين لا يعتبران العبودية مشكلة على الإطلاق.
ولا توجد أية إحصاءات موثوقة حول أعداد العبيد في موريتانيا، فالحكومة لا تدرج العبيد ضمن إحصائها الرسمي، ويتمثل موقفها الرسمي في عدم وجود أي عبيد بالبلاد جراء قانون مناهضة العبودية الصادر عام 2007. ومع ذلك، يُقدر مؤشر العبودية العالمي أن لدى موريتانيا أعلى معدلات العبودية على وجه الأرض، حيث يعمل أكثر من 1% من تعداد السكان بالسُّخرة. وقد لا تضم هذه النسبة الأنماط الأخرى غير الرسمية من الاستعباد.
أنماط عديدة للسُّخرة
وهناك تاريخ طويل لأنماط السخرة كافة في موريتانيا، نتيجة الانقسامات الاجتماعية القائمة على مدار قرون. ويعد معظم العبيد من أفراد قبائل هاراتين التي تقطن غرب إفريقيا وتمثل أكبر جماعة عرقية في البلاد، بنسبة تصل إلى نحو 40% من تعداد السكان. ويُعرف هؤلاء على المستوى المحلي باسم البربر الأسود. ويعد “البربر الأبيض” هم البربر العرب من الشمال الإفريقي الذين يسيطرون على الإقليم منذ القرن السابع عشر، ويستعبدون قبائل الهاراتين منذ ذلك الحين، بحسب “واشنطن بوست”.
وتنتقل العبودية من جيل لآخر، وترفض حكومة موريتانيا -التي تخضع لإدارة البربر الأبيض- تغيير الوضع الراهن.
ونقلت الصحيفة عن جون ليمبرت، الذي عمل سفيراً للولايات المتحدة لدى موريتانيا، قوله: “حينما كنت في موريتانيا، كنا نعمل من كثب مع بعض المنظمات غير الحكومية المناهضة للعبودية. ومع ذلك، كان هناك العديد من التيارات المعاكسة، وكانت قضية يصعب التعامل معها. وكان من الصعب أيضاً إقناع النظام القضائي الموريتاني بالتعامل مع قضايا العبودية. فقد سيطر البربر الأبيض على النظام القضائي، ولم يتخذوا أي إجراءات حاسمة ضد أنفسهم”.
وفيما بين قضية الطفلين واستضافة موريتانيا أعمال جلسة اللجنة الإفريقية بشأن حقوق الإنسان والشعوب في أبريل/نيسان 2018، يأمل مناهضو العبودية، من أمثال كلاريدج، أن يكون من الصعب على موريتانيا تجاهل تاريخها القبيح في مجال العبودية.
وقالت كلاريدج: “إننا نتبنى استراتيجية شمولية على أمل إجراء تغيير حقيقي”.