قضاة و شهود و محامون والمتهم ديك فما هي التهمة ؟ قصص من واقع المحاكم

في عام 1386 في مدينة فالايس النورمانية (شمال فرنسا الحالية) تجمّع حشد من الناس ليشهدوا إعدام قاتل أدانته المحكمة بتهمة القتل العمد، بعد أن أقر الشهود بمسؤوليته عن الجريمة، وارتدى المجرم بدلة الإعدام، وحكم عليه بالتنكيل والتشويه في الرأس والأطراف الأربعة، قبل التعليق على حبل المشنقة، لتسببه في قتل طفل رضيع في الشارع، ولم يكن المجرم المدان سوى خنزير قام بالهجوم على طفل انشغلت أمه عنه، لتعود وتجده غارقاً في دمائه بعد اعتداء الخنزير عليه.

كانت محاكمة الحيوانات أحد مظاهر جنون العصور الوسطى في أوروبا، فقد ذكر المؤرخون قصصاً مختلفة عن عشرات المحاكمات التي عقدها البشر للحيوانات، وشملت خنازير وكلاباً وذئاباً وحتى الفئران، وعقدت هذه المحاكمات أحياناً بهيئات قضائية مدنية، لمحاكمة حيوانات (بشكل فردي)، تسببت في قتل أو إيذاء أحد بعينه، وأحياناً تمت المحاكمات بهيئات كنيسة دينية لمحاكمة فصيل من الحيوانات يسبب الضرر للبشر مثل الفئران والجراد.

محاكمات جادة لحيوان متهم بالقتل العمد!

في بعض تجارب محاكمة الحيوانات كان القضاة والمحامون والمستشارون يأخذون القضايا على محمل الجد، ويؤكد المؤرخ بيتر دينزلباكر أن المحاكم استخدمت أحياناً موظفيها المعتادين، وأجرت المحاكمات بالطريقة التقليدية، بدلاً من هؤلاء المعينين خصيصاً لمحاكمة الحيوانات، وهذا دليل على مدى خطورة (وجدية) هذه الإجراءات القانونية!

وكانت محاكمة خنزير فالايس وغيرها من المحاكمات المدنية نموذجية، وتشبه تلك التي يحاكم فيها جناة عاديون من البشر في جرائم القتل، وقد اشتملت سجلات محاكمة الحيوانات في هذه الفترة على أبقار وخيول وكلاب، وغيرها من الحيوانات التي تتسبب بشكل خاص في بعض الأحيان في قتل أطفال تركوا بمفردهم مع الحيوانات أو قريب منها، ومثلت محاكمة الخنزير نموذجاً على الإصرار على مراعاة العرف القانوني والإجراءات القضائية السليمة المعتادة.

محاكمة بتهمة السحر والشعوذة!

وفي حادثة غريبة لا تشبه المحاكمات الفردية لحيوانات بعينها، اشتملت بعض القضايا على الاتهام بالسحر أو “النشاط الشيطاني”، فقد حوكم ديك عام 1474 من بازل بسويسرا الحالية، وواجه حكماً بالموت لوضعه بيضة!

وقد تزامن ذلك مع التوجهات الثقافية الحديثة التي كانت تصنف الحيوانات ككائنات حية قادرة على الشعور بالألم والعاطفة كالبشر، وبإمكانها فهم القوانين والأخلاق الإنسانية.
animal trials

القانون يطبق على البشر والحيوان!

ويعتقد دينزلباكر، المؤرخ، أن الفهم السليم لتجارب محاكمة الحيوانات يتطلب إدراك عوام العصور الوسطى، وهي الفترة التي كانت التدابير المتطرفة لضمان القانون والنظام مطبقة فيها على البشر وحتى الحيوانات! وذلك لإعطاء انطباع بأن السلطات حافظت بحزم على القانون والنظام على الجميع، حتى ولو كانوا من غير البشر، وهناك حالات حديثة ومعاصرة لهذه النوعية من المحاكمات مثل محاكمة دب مقدوني عام 2008، بتهمة سرقة العسل من النحل.

وعلى الرغم من أن الحيوانات الأليفة مثل الخنازير والثعالب والذئاب والماعز والحمار والثيران والأبقار والكلاب والخيول والأغنام تقع ضمن اختصاص المحاكم المدنية والجنائية، وكان يمكن إعدامها بإجراءات مثل الشنق أو الحرق بعد الإدانة، لكن المحاكم الكنسية الدينية كانت تحاكم الحشرات وفئران الحقل والبق والخنافس والجراد والثعابين والأفاعي والنمل الأبيض والديدان وغيرها، وتعاقب هذه الحيوانات بالطرد وليس الإعدام، ويعود هذا التمييز إلى أن “القوارض والحشرات لم تكن خاضعة لسيطرة الإنسان ولا يمكن ضبطها وسجنها من قبل السلطات المختصة!”، وبالتالي أصبح من الضروري تدخل الكنيسة وإصدارها قرارات بالطرد والإبعاد والحرمان.

عقوبات دينية على الحشرات!

وفيما يتعلق بالحشرات كان الإجراء المتبع كالتالي: يقوم سكان مدينة أو منطقة تعاني من الحيوانات بفتح تحقيق، وينتدب أحد الأشخاص للمدافعة عن الآفات أو الحشرات، بعد أن تكون أسباب تقديمها للمحاكمة كافية ومقنعة، ومن ثم يقوم أحد موظفي المحكمة بإصدار أمر استدعاء يقرأه بصوت عال ولغة رسمية “وتتاح للحيوانات ثلاث فرص للظهور أمام المحكمة والدفاع عن أنفسها، وإثبات صحة موقفها المفترض، فإذا فقدت أو غابت (وبالطبع سيحدث) ستطلب المحكمة منها مغادرة المنطقة في غضون فترة معينة من الزمن، ويؤدي عدم التزامها بتنفيذ الحكم خلال الفترة المقررة إلى عقاب الحرمان الكنسي.

رفعت دعوى قضائية ضد الذباب في ماينز، ألمانيا. يقول ليسون: “أظهر القضاة الكنسيون عدالة مثيرة للإعجاب تجاه الحشرات في مثل هذه المحاكمات”. فعندما رفض الذباب المثول أمام المحكمة بعد استدعائه بشكل قانوني، كانت المحكمة تشعر بالشفقة إزاء صغر حجمها، وصغر سنها، وعينت محامي دفاع ليمثلها في المحكمة، ويستخدم القضاة في مثل هذه الحالات عقوبات الطرد والحرمان الكنسي لمعاقبة المخلوقات، ويعتقد بعض المواطنين أن العقوبات الكنسية تكون فعالة لأن الخطيئة تقابل بعقوبة الحرمان الإلهي العادل”، بينما يقوم بعض المواطنين باستخدام المبيدات الحشرية المتاحة للتخلص من الحشرات بعد الحكم عليها، وتسمى هذه المبيدات الحشرية البدائية “المبيد الإلهي”!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى