هل الغرب يحارب الإسلام …..؟

هو ذاك السؤال العضالُ الذي إذا أُجيب عليه بموضوعية وعقلانية، كان من شأن الجواب أن يحلَّ نصف إشكالات الحركات الإسلامية، وأن يصَفِّيَ بعض أجواء التعاطي الإيجابي مع الآخر.

وهو أيضاً ذات السؤال العضالُ الذي إذا أجيبَ عليه من خلال الضرب على أوتار العاطفة الدينية، كان الجوابُ كفيلاً بحقن جرعة المخدر في عروق أصحاب العقول المسترخية من أبناء أمتنا المهزومة المأزومة، وهي جرعةٌ لازمةٌ لمنحهم حالة الانتشاء وهالة الرضا المؤقت الذي يحملهم على مزيدٍ من التعاطل والتباطل.

فما تعانيه الأمة (وفق هؤلاء) سببه أننا مستهدفون! يحاربُنا الكفارُ حقداً وحسداً؛ لأنهم يفتقرون للخير الذي منَّ الله علينا به! ثم يُغرُونَ بنا الأنظمة الكفرية العميلة المتعاونة معهم لتحاربنا بالوكالة عنهم!

وهكذا.. توصدُ أبواب النقد الذاتي فتغلَّق، ثم تُعَلَّقُ الأخطاءُ على شماعة المؤامرة الكونية على الإسلام!

والواقعُ أن الإسلام العظيم مسؤولية، وأن من يصفونه بالنعمة ويخالون أن الله تعالى قد اختصَّ بها سكان الشرق الأوسط دوناً عن كوكب الأرض، لم يفهموه حقَّ الفهم، وما راعوه حقَّ رعايته، وبدلاً من حمل تلك المسؤولية بحقها وبلاغها للناس، جعله بعضُنا وسيلة عراكٍ وشقاقٍ وسوء أخلاق ومصدر عداوةٍ وخصومةٍ ووعورةٍ تجاه أهل المعمورة!

قبل أن أجيب على ذلك السؤال.. فينبغي أن أسأل أولاً: ما هو الإسلام؟
قال بعضُهم: هو التوحيد (الإيمان القلبي) ثم تأتي الطقوس التعبدية والأنماطُ السلوكية لتصدق ذلك الإيمان أو تكذبه، وهذا التعريف قاصرٌ تمام القصور، عاجزٌ غاية العجز عن جواب كثيرٍ من الأسئلة، ناهيك عن فهم وتفسير بعض أحداث السيرة المشرفة ووصايا السنة المطهرة.

والحقُّ: أن من فرَّغ الإسلام من العدل والتسامح وحسن الخلق وتكريم الإنسان (أي إنسان) ومن الرحمة والرأفة، ومن نصرة المظلوم والأخذ على يد الظالم، ومن الانتصار للحق في مقابل الانحياز للقبيلة أو الفئة أو الجنس أو اللون.. فقد فرَّغ الإسلام من مضمونه!

ثم يقف في مقابلهم أولئك الرومانسيون الحالمون ممن يتوقعون أن يمدَّ طغاة الأرض أياديهم إلينا بالموادعة والمسالمة والمهادنة إذا نحن انطلقنا لنشر قيم الإسلام التي يأتي بعضُها بنيانهم من القواعد!

هذا وقد كفاني مؤونة الجواب على ذلك السؤال -غير العضال- الإمام حجة الإسلام (أبو حامد الغزَّالي) الذي أراهُ أعرفَ الأمَّةِ بدين الله بعد جيل الصحابة والتابعين وآل بيت النبوة رضوان الله عليهم جميعاً؛ حيث أجاب إجابةً نافعةً ماتعةً قاطعةً لقول كل خطيب حين بيّن في الإحياء أن علوم الدين أربعةُ أقسامٍ لا تنفصل ولا تنقسم ولا تتجزأ ولا تتبعض: العبادات، والعادات، والمهلكات، والمنجيات.
ولو أنَّ الأمة نسجت على ذلك المنوال في فهم الإسلام، لما وقعت في الأغاليط التي صرنا نرى ثمارها اليوم في جماعات التطرف والغلو والعنف والهوس الديني!

ولكن.. اضطرب من بعد الغزّالي كثيرون، فوقعوا وأوقعوا الأمة في الغلط واللغط والخلط والخبط، وأكثر من يعنيني من هؤلاء: الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ثم الأستاذ الأديب سيد قطب، رحم الله الجميع.

أما الشيخ محمد بن عبد الوهاب: فقد جعل التوحيد أقساماً منفصلة، ولم يفهم أن عمل الجوارح تجاه المعبود إنما هو ثمرةٌ تنشأُ عن الإيمان به أولاً، فحين رأى أفعال الغلاة تجاه الأولياء، ظنَّها عبادات وسماهم طواغيت! وإن لم تنشأ عن اعتقاد بربوبيتهم! فوقع في جريمة تكفير المسلمين ثم حمل السلاح لقتالهم!

وجاء أتباعُهُ من بعدِه فأصدروا نسخةً من الإسلام لم يعرفها الأولون! إسلامٌ يخاصمُ البشرية ويعاديها، ويختزلُ المرأةَ في دورها البيولوجي تجاه الذكر، ويستعبدُ الناس لمجرد شركهم! ويقتلُ الأسرى ويسبي النساء لبيعهن في أسواق النخاسة! ويُصدِرُ الأحكامَ المتجنِّيَةَ على خلق الله، ويحتكرُ الجنة لفئة لاتتجاوز بضعة آلاف فيما يلقي بمليارات البشر في النار!

وأما الأستاذ سيد قطب: فقد ظنَّ أنَّ استبداد الأنظمة السياسية، والتقاء مصالحها مع مصالح الحكومات الغربية في سحق الشعوب تحت نير التبعية لها واتخاذها أسواقاً استهلاكية لتصريف منتجاتها، ظنَّ أن كل هذا ناشئٌ عن عداوة الإسلام ذاته! فأفرغ التدافعَ البشري الطبيعي المُرَكَّبَ من أسبابٍ بعضُها ديني وأكثرُها سياسي واقتصادي وثقافي وعسكري وانطلقَ ينظِّرُ لمعركة دينية قائمة على أساس العقيدة!

أعود من جديدٍ للسؤال الذي طرحتُه آنفاً: هل الغرب يحارب الإسلام؟
فأجيب وبكل ثقة: الغربُ يتوجَّسُ خيفةً من الإسلام.. لكنه لا يحاربه ولا يعاديه في المطلق!

قال المعارض: ألا ترى أن الغرب قد قسَّم العالم الإسلامي إلى دويلات قُطرية بموجب (سايكس – بيكو) وأن حكوماته قد زرعت الكيان الصهيوني المتوحش في أرضنا العربية الإسلامية، واستخدمت (الفيتو) في وجه كل إدانةٍ دوليةٍ لممارساته القمعية الإجرامية؟

ألا ترى أن دول الشمال قد نهبت ثروات الدول التي استضعفتها في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية؟

ألم ترَ روسيا وهي تهدم الشيشان على رؤوس المسلمين؟ ثم الصين وهي تحارب الإيغور؟ وقبلهما الصرب والكروات حين أبادوا مسلمي كوسوفا فضلاً عن البوسنة والهرسك؟ وهل تنكر مذابح المسلمين في الفلبين وتايلاند والهند وبورما وكشمير؟

ألم تسمع جورج دبليو بوش وهو يعلنُ الحرب الصليبية على المشرق الإسلامي؟
ألا ترى فرنسا كعبة الحريات وقِبلة الحقوق وقلعة الديمقراطية المزعومة وهي تطارد السيدات المنتقبات وتجبرهن على كشف وجوههن في الشوارع؟ ثم السيدات المحجبات لتجبرهن على مغادرة الشواطئ لأنهن يرتدين البوركيني وليس البيكيني الفاضح؟

كيف تتعامى عن كل ذلك؟ أم قد غيّرتك وأثرت فيك الإقامة في الغرب إلى هذا الحد؟

فأقول: أفلا ترون أنتم أن المسلمين يمارسون شعائر دينهم في أوروبا بحرية وأريحية تفوق -أحياناً- ما في بلادهم؟ ألا ترونهم يشترون الكنائس في أميركا بعد أن عافها أهلها فيحولونها إلى مساجد ومراكز إسلامية؟ ألا ترون أن طالبي اللجوء السياسي لا يجدون بغيتهم سوى في دول الغرب التي تقولون أنتم إنها تحارب ديننا؟

ولبيان هذا المسلك الذي يناقضُ بعضه بعضه، ويبدو للبعض ازدواجياً، ويَظهَرُ للناس وكأنه اختلالٌ في المعايير، واعتلالٌ في الموازين، فأجمل رأيي تجاه تلك المسألة العويصة في هذه النقاط التالية..

(يُتبَع في الحلقة القادمة).

حسام الدين عوض

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى