ردّ / د.أحمد ولد المصطف

قد استمعت إلى ما قاله السيد الشيخ ولد بايه، عمدة ازويرات و رئيس رابطة العمد الموريتانيين بخصوص النشيد الوطني في ازويرات و نواذيبو، و ما تبع ذلك من ردود أفعال، و مع أن هذا الموضوع ليس مرتبطا بشكل مباشر بالتعديلات الدستورية التي تشرف حملتها على الانتهاء، أود أن أوضح موقفي بهذا الخصوص: 1 ـ لقد أصاب العمدة حين قال إن النشيد الوطني، كغيره من الرموز الوطنية، ملك لكل الموريتانيين،

فيحق لأغلبية الشعب تعديله أو استبداله، وفق ما ترى أنه يخدم الوطن و مصلحته العليا؛ 2 ـ لقد كان حريا بالعمدة عند حديثه عن نشأة هذا النشيد أن يكون ملما بحياة مؤلفه و دوره كعالم جليل و شخصية سياسية فذة، قد نختلف معها و قد نتفق، لكنها وضعت بصماتها على التاريخ الموريتاني حتى قبل مجيء الفرنسيين، بل تجاوز تأثيرها الروحي و السياسي إلى الغرب الإفريقي (السنغال، غامبيا، غينيا كوناكري، إلخ) و إلى العالمين العربي و الإسلامي؛ 3 ـ أعتقد أن معظم سياسي هذا البلد و طبقته السياسية يدركون أنه لولا حكمة هذا الرجل و حرصه على المصلحة العامة لساكنته، لكانت فرنسا قد قسمته أشلاء، كما فعلت بالعديد من الشعوب المجاورة، كالفولان و الطوارق و غيرهم؛ 4 ـ إن كان العمدة حقا يؤمن بالمقاومة و بالوطنية، أوجه له دعوة مفتوحة لزيارة بتلميت، ليس من أجل زيارة ضريح الشيخ سيدي بابه، رغم أهميته و رمزيته للكثيرين، إنما لزيارة ثلاث معالم في هذه المدينة ترمز للمقاومة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي و  للوطنية في أسمى تجلياتها: أ/ ضريح الشيخين، الشيخ سيدي الكبير و ابنه الشيخ سيدي محمد في بئر تندوجه (حوالي 50 كلم شمال بتلميت) و اللذين كانا من أشد مشايخ البيظان عداء للفرنسيين، إضافة إلى أن تندوجة المذكورة قد احتضنت سنة 1856 أول قمة بين أمراء البلاد (الترارزة، لبراكنة، آدرار، تكانت) برئاسة الشيخ سيدي الكبير لمواجهة الاستعمار الفرنسي القادم من اندر (سينلوي)، و يعتبر هذا المؤتمر، وفق رأي العديد من المهتمين بتاريخ البلد، أول تفكير جدي في إنشاء دولة تتجاوز السلطة الأميرية و المشيخات القبلية القائمة، و بذلك يعتبر الشيخ سيدي الكبير الأب الروحي للمقاومة ضد الفرنسيين و ملهم الدولة الوطنية الحديثة. ب/ ضريح أول قائد استشهد و هو يقاوم الغزو الفرنسي لهذه البلاد، ألا و هو المجاهد الكبير المختار أم ولد الحيدب الذي قتله الفرنسيون و مثلوا به في تيارت الرحمة بالقرب من بوسديره الواقع على بعد حوالي ثلاثين كلم شرق بتلميت. ج/ زيارة ضريح أب الأمة و مهندس استقلالها، الرئيس الأستاذ المختار ولد داداه، دفين البعلاتية. و إن كان الوقت يسمح لكم بذلك، يمكنكم، سيادة العمدة، انتهاز فرصة وجودكم في بتلميت لتطلعوا على قصص عشرات بل مئات المجاهدين المنحدرين من الحاضنة الاجتماعية للشيخ سيدي باب، و منهم بعض أبناء عمومته المباشرين، أو المنحدرين من المجموعات الأخرى التي تقطن بتلميت و الذين انخرطوا مبكرا في صفوف المقاومة ضد الفرنسيين، سواء إلى جانب المجاهد الكبير الشيخ ماء العينين أو إلى جانب الأمير أحمد ولد الديد، الذي تلقى هو و أخوه سيد، أبناء محمد فال ولد سيد ولد محمد لحبيب، تربيتهم الروحية في بتلميت على يد الشيخ سيديا باب نفسه. كما أن جولة شاملة لكم في مختلف ربوع الوطن: مناطق الجنوب و الوسط و الغرب و الشرق، إضافة إلى الشمال ستمكنكم لا محالة من تعميق معرفتكم بتاريخ بلدكم الذي لا توجد شجرة أو سهل أو جبل أو واد إلا و يختزن قصة أو ملحمة قد تساهم في كتابة و إعادة كتابة تاريخه. أعتقد سيادة العمدة أنكم عند ما تقومون بهذه الزيارات و تتمثلون معانيها السامية، فإنكم ستتخلصون من الكثير من الأحكام المسبقة و ستكونون أكثر بصيرة بتاريخ هذه الأرض و هذا الشعب. كما أدعوكم، السيد العمدة، إن كنتم مهتمين فعلا بالتاريخ الوطني، أن تدرجوا في خطاباتكم المستقبلية المأساة التي تعرض لها أهل هذه البلاد على يد البرتغاليين، و بالأخص السكان الأصلين للساحل الموريتاني الحالي من 1441 إلى 1634 حيث اختطف البرتغاليون و قتلوا عشرات الآلاف منهم، من مناطق تمتد من رأس نواذيبو و حتى مصب نهر السنغال و أفرغوها من ساكنتها. فإن كنتم لم تطلعوا على ما تم كشفه خلال السنتين الماضيتين من أبحاث حول هذا الموضوع، فأنا على استعداد لتوجيهكم إلى المصادر العلمية لهذه المعلومات، فبذلك تصبح نظرتكم للاستعمار بشكل عام نظرة وطنية و يتسع أفقكم لقراءة و تمثل تاريخنا الوطني و ذاكرتنا الجمعية. بذات المناسبة، أطلب من الجميع الكف عن كل ما من شأنه تأجيج الصراعات ذات البعد الجهوي أو القبلي أو الفئوي حتى نتمكن من بناء بلد ينعم فيه الجميع بالعدل و بالمساواة أمام القانون، بعيدا عن كل إقصاء أو تهميش، كما ألفت انتباه الجميع إلى أن الكلام في تاريخ البلد و رموزه يتطلب مستوى عاليا من الموضوعية التي لا يمكن أن تتحصل إلا باكتساب المعرفة الحقة، فيمكننا أن نتحدث في التجارة و طرق الكسب و تربية المواشي  و انتجاعها و في السياسة و في أي موضوع نشاء، لكن عند ما يتعلق الأمر بذاكرة أمة، فالحذر كل الحذر من الوقوع في الزلات و الشطط. في الختام، و كداعم للبرنامج السياسي لفخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، أدعو كافة سكان بتلميت و الترارزة و جميع الموريتانيين الحريصين على المصلحة العليا للبلد التصويت بنعم و بإقبال كبير على التعديلات الدستورية المقترحة في 5 أغسطس 2017 لأنها تمثل، من وجهة نظري، الضمان الحقيقي لاستقرار وطننا و تقدمه.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى