لا تستبعد ما أقول فقد تكون أحد المصفقين

(أصدرت محكمة الجنايات بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، أمس الثلاثاء، أحكاماً بالسجن في حق عدد من المحاسبين أدينوا باختلاس مبالغ مالية تصل إلى قرابة 800 مليون أوقية.)

هذه ليست المحاكمة الأولى لمختلسي المال العام  و لن تكون الأخيرة ؛ و الأحكام التي صدرت بحقّهم ليست أقلّ قساوة من الذين سبقوهم في نهب المال العام.

فلا يمرّ شهر أو سنة إلا الأصوات ترتفع و المحاكم تستقبل أفواجا جددا من أكلة المال العام؛ لكن من دون رادع و لا خوف للمتربصين  من بعدهم الذين ينتظرون فرصتهم؟.

إنّ الاحكام التي تصدر ضد هؤلاء لا تردعهم و لا تخيف الذي من بعدهم لعدة أسباب منها :

أوّلا العقلية الأجتماعية التي شبّت على أنّ الدولة يحكمها النصارى و نحن في حرب معهم و مازال مالهم العام مباح لنا؛ هذه العقلية التي شربت من هذه الفتوى التي انتفت صلاحيتها حسب الزمان و المكان؛ إلا أنّها ما زالت راسخة في مخيلة الكثيرين الذين لا يعرفون من الشرع إلا عادات ورثوها؛ لا أكثر.

ثانيا العقلية النخبوية التي تعلل سرقتها للمال العام بغياب عدالة توزيع الثروة؛ و تحلل لنفسها قضم كلّ ما أمكن لأنّه لا يعدوا سوى حقّها  الطبيعي ؛ و الذي كان ضائعا و استطاعت الاحتيال عليه.

ثالثا زخم العام السائد في الدوائر الرسمية يشجع على نهب المال العام؛ فكم من زعيم في الأغلبية و المعارضة يشهد له الجميع بأكله للمال العام؛ و مع ذالك يعظنا في الحكم الرشيد و يناضل معنا ضدّ الفساد.

رابعا إنّ المختلس للمال العام فينا؛ يوازن بين أن يضرب في الأرض بحثا عن المال؛ و قد يقضي عمره في الغربة من دون أن يؤوب بدرهم؛  و أن يختلس أموالا عامة و يسجن أياما أو سنينا؛ ثمّ يفرج عنه بعفو من دون أن يردّ مما غنمه؛ فأيّ الطريقين أقلّ خطرا عليه؟.

خامسا إنّ المختلس لا يخشى عقوبة المحكمة لأنّ غاية ما فيها سجن و غرامة؛ وهذا كلّه يمكن أن يحتال عليه؛ ولو وقع السجن و دفع الغرامة؛ فإنّه لا يخسر شيئ في سجلّه الرسمي؛ فيحقّ له أن يترشح رئيسا و نائبا و عمدة و أن يعين وزيرا؛ و قاعدة عفى الله عما سلف تغفر له خطاياه ما تقدم منها و ما تأخر.

انتظروا معنا أن يترشّح  للرآسة أحد هؤلاء الذي قضت عليهم المحكمة اليوم بالسجن والغرامة؛ فإن لم يكن أحدهم فالذين في سجن مستعدون لذالك.

لا تستبعد ما أقول فقد تكون أحد المصفقين؛ فأنت في موريتانيا لا يحكم الشرع بل القبلية و الجهوية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى