عزيز و المعارضة…/ المعلوم أوبك
عملية الاستفتاء على الدساتير هي إحدى العمليات المفصلية المحددة لشكل الدولة وتضعها على المسار السليم ، ولعل أجمل ما استخلص من درس استفتاء 5 أغسطس هو أن الشعب وحده من حسم أمره وقضيته ، وبالفعل حسمها وقر قراره ، بإقرار مقاطعة مهزلة التعديلات ، ليتم بعد ذلك تزوير إرادته رغما عنه بنسبة 53% .
فلم يكن يوم 5 أغسطس يوما ككل الأيام ، بل سيذكره النظام والمعارضة على حد السواء ، ففيه ولأول مرة قال الشعب الموريتاني كلمته وأسمعها لعزيز ووعتها المعارضة أن الشعب قرر أن يقرر قراره الذي لا يقبل التدليس والتزوير وإن زور قراره .
إن الانتصار الذي حققه تيار مناهضة التعديلات تعبير قوي أن الهزيمة كانت حظ الرئيس وحكومته ، فلا تعبر من بعد اليوم أي حكومة يشكلها عزيز بدون إشراك الطيف السياسي الموريتاني عن الشعب الموريتاني ، بل هي قهر لإرادته .
عزيز وما بعد 5 أغسطس
وإذا ما كان عزيز صادقا مع نفسه وشعبه فعليه أن لا يصر على تزييف الحقائق ، فالشعب قال كلمته بعد إفشال التعديلات ، ونزع منه ومن حكومته الشرعية ، وبذلك عليه أن يعلم أنه يدير دولة لا كتيبة عسكرية ، فليتجه فورا لإدارة البلاد من خلال حكومة ائتلافية تضم كل الطيف السياسي .
كما عليه ـ أي عزيز ــ أن يعي أنه لم يعد مقبولا العودة إلى الوراء ، ومطالب منه احترام أمر واقع رفض تعديلاته ، والتخلص من منطق العسكرتاريا الذي يخيم على عقله العسكري ، ويبتعد عن المساومات التي أرهقت كاهل الدولة الموريتانية وأربكت المشهد السياسي وليتملك الشجاعة بدعوة الأطياف السياسية للجلوس على مائدة حوار وطني جدي لوضع خارطة طريق تؤمن للبلد العبور بأمان لما بعد 2019 ، كما عليه وحكومته الخروج من حالة الصدمة التي يعيشونها منذ 5 أغسطس .
المعارضة وما بعد 5 أغسطس
وبالمقابل على المعارضة وضع خطة لما بعد إقرار الاستفتاء من طرف المجلس الدستوري وعدم الاكتفاء بانتظار خطوة النظام القادمة للقيام بردة فعل مضاد لها ، بل مطلوب من القوى الثمانية إدارة العملية السياسية والقيام بدور المبادر ، خصوصا بعد أن أبان استفتاء 5 أغسطس تراجع التأييد الشعبي لعزيز وأفول نجمه .
كما تطالب المعارضة في ظل الظروف الراهنة أن تعلن تجديد مطالبتها بحوار وطني يرسم خارطة طريق واضحة للبلاد خصوصا بعد أن عقد استفتاء 5 أغسطس الأمور تعقيدا .
فلم يبقى إذن أمام فرقاء السياسة من فرصة تكريسا للديمقراطية إلا الحوار ، باعتباره الفرصة الوحيدة لتجاوز ظرفية التأزيم الراهنة ، و لوضع نهاية للأزمة المتفاقمة وما ولدته من مناخ إطاحة آمال الاستقرار، فبالحوار فقط نخرج موريتانيا من المواجهة بدون خسائر جسيمة ، ونؤسس لوجود مؤسسات حكم مدنية قوية لما بعد 2019 ، وتجنب مخاطر اتساع هوة التشرذم السياسي .
فلا أحد من فرقاء السياسة يخدمه انزلاق موريتانيا إلا ما لا تحمد عقباه ، أو يشجع على تأزم الأوضاع انتظاراً للخيار الأسوأ المتمثل في انقلاب عسكري.
وبجملة ندعو كل الفرقاء السياسيين بموريتانيا لضرورة الانحياز إلى مطلب الاستقرار بأي ثمن ، غير ذلك فإننا نجر البلد إلى خيار لن ينتهي سوى بكارثة مضرة للبلاد والعباد والنظام و المعارضة .