من أجل مدينة هادئة

تشهد المُدن الموريتانية الكبيرة حالة من الصخب لا تطاق، حيث تعكر مزاج الإنسان وتمنعه من الراحة والنوم، بسبب الفوضى التي تكاد تكون الميزة الأساسية لهذا الشعب البدوي، الجافي في سلوكه وأخلاقه، وذلك في ظل غياب تام لقانون يضبط الأصوات وينظمها.

إنه ليس من الغريب سماع الإنسان لأصوات مزعجة في الأسواق ومرابط المواشي لأنها محل الصخب وموْطنه الأصلي، لكن العجيب أن يزعجك الفنانون ومحلات الطرب وباعة الرصيد والتجار المتجولون بأبواقهم الصاخبة في أحياء شعبية يفترض أن تكون هادئة صافية من الضوضاء والروائح الكريهة، حيث لا يجد المواطن الموريتاني حرجا في إزعاج جيرانه بما تيسر له من أنواع الصخب.

وإذا كانت الشريعة الإسلامية قد ضبطت الأصوات وحرَّمت رفعها حتى وإن كان ذلك بذكر الله وتلاوة القرآن، فما بالكم بالطرب والدعاية التجارية؟

قال الله عز وجل (وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا) وقال (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ، وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا) فقد اعتبر القرآن رفع الصوْت من غير ضرورة، فسادا في الأرض واعتداء على حقوق الآخرين وإزعاجا لهم.

وقال عز مِن قائل (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) فشبَّه القرآن رفع الإنسان لصوته من غير حاجة مُلحة بشهيق الحمار.

وعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم “يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ، وَلاَ غَائِبًا إِنَّهُ مَعَكُمْ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ”.

وروى علماء الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ على أبي بكر يقرأ بصوت خافت فأمره أن يرفع صوته حتى يُسمع نفسه، ثم مرَّ على عمر يرفع صوته بالقرآن فأمره أن يَغض من صوته.

وفي بلادنا يعمد بعض المتدينين الذين لم يتفقهوا في الدين إلى فتح أشرطة القرآن والمحضرات الدينية في الأبواق بصوت مرتفع ظنا منهم أنهم يحسنون صنعا، وما علموا أنهم أساءوا من حيث أرادوا الإحسان، فطلب العلم محله المساجد والمحاظر والمدارس والمعاهد… ومن أراد العلم فليذهب إليه في أماكنه المعهودة.

أما أن يُعرض العلم عبر مكبرات الصوت على الناس في منازلهم ففي ذلك إهانة للعلم وإحراج للسامع، الذي يصبح بين أمرين لا ثالث لهما: إما أن يتجاهل سماع تلاوة القرآن، فيقع في الحرام، وإما أن يُنصت إليه كما هو مطلوب، فيخسَر حياته الخاصة مع أهله وعياله، وقد ينفر من الدين إن كان جاهلا.

لهذا نطالب السلطات المحلية بضرورة ضبع هذه الأصوات الصاخبة وذلك بتحديد وقت لا تتعداه مثل الساعة 12 ليلا، حتى يتسنى لعامة الناس أن يأخذوا قسطا من الراحة والنوم، كما هو ضروري لحياتهم.

سيدي أحمد مولود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى