كيفه : الشيخ السابق عمر الفتح يكتب حول نازلة تعليق صلاة الجمع و الجماعات بسبب كورونا

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله وسلم على نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم
وبعد
فقد كثر القيل والقال حول الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها وزارة الشؤون الإسلامية من الإيقاف المؤقت للجمع والجماعات (مع الإبقاء على قيام المساجد أذانا وصلاة جماعة بأقل عدد) بسبب وباء كرونا المستجد.
والذي يظهر لي أن السبب في هذه الأمور يرجع إلى ثلاث:
1. أن طائفة عريضة من هذا الشعب المسلم، لا يزال لديها تشكيك في خطورة هذا الوباء، بل في وجوده أصلا! وهو أمر مؤسف، يستند إلى شائعات غذتها وتغذيها بعض وسائل التواصل الاجتماعي وحتى بعض المقتطفات التي تنقل عن بعض القنوات غير الجادة. ومن كان مقتنعا بمثل هذه الشائعات فهو في حرج قطعا. ومن حقه علينا التوعية المكثفة وتقديم المعلومة الصحيحة حول الجائحة وخطورتها التي لا يكاد يختلف عليها اثنان.
2. السبب الثاني هو أن هنالك وهما خالط أذهان الكثير من هذا الشعب الطيب، يتعلق بانعدام الثقة في الجهات القائمة على الشأن العام، مستصحبا ذهنيات ورثناها عن أجيالنا السابقة التي كانت تتعاطى مع الهيئات الممثلة للمستعمر والتابعة له، وما يزال بعضنا – إلى اليوم – لم يفتح عينيه على أن هيئاتنا ووزاراتنا – ومن فوقها رئاسة الجمهورية – تقوم عليها مجموعة من أبناء الجمهورية الإسلامية الموريتانية البررة، الذين هم أهل للثقة دينا وخلقا وأمانة.
3. أن هذه الجائحة قد شكلت سابقة من نوعها؛ وبالتالي فليس لها أصل تقاس عليه أصولا أو تخرّج عليه أحكامها فقها.

هذه الإشكالات الثلاثة، هي التي على أساسها وقع الخلاف..
– فأما الأولى: فلو أنصف الدهر وانطلقنا من منطلق سليم لاكتفينا بتقدير أهل الشأن وسألنا “أهل الذكر” في هذا الميدان وصدرنا عن رأيهم، وهم الإطباء وخبراء الصحة، لأن الأطباء في هذا البلد – لله الحمد – من خيرة أبنائنا علما وتدينا، ومنهم مجازون في القرآن وفقهاء وصلحاء مع علمهم بالطب الذي هو مربط فرسنا وهم خط دفاعنا الأول، ومنهم مرضى محجورون بسبب هذا الوباء! وهم أيضا من نعتمد عليهم قبل الوباء وبعده في تشخيص أمراضنا وهم من يأمروننا (عند الضرورة) بترك السجود والركوع والطهارة المائية… وهم الناصحون اليوم في أمر هذا الوباء، فكيف نصدقهم فيما سبق ونكذبهم في هذه انطلاقا من الشائعات والأراجيف التي لا تعتمد على مصدر يوثق به، ونحن منهيون عن الاستجابة لها والالتفات إليها؛ فالله جل جلاله يقول “فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون” ويقول: “وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إلا قليلا”
– أما عدم الثقة بهذه الحكومات بهذه الطريقة، ففيه تفريط بل غلو، فهي الأخرى كالأطباء تدينا وأمانة واعتصاما بالدين، فلا ينبغي أن يحمل أي قرار منها على محمل غير ابتغاء المصلحة العامة، فكيف يقود الغلو بعضنا إلى أن نحمله على معاداة الدّين! والحال أنها تدرك وتعلم أن من أول مهامها إقامة الصلاة “الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ” فهم مؤتمنون وهذه أمانتهم ولنجعل أنفسنا مكانهم!
– أما أن الأمر ليس له ما يقاس عليه فأنا أعجب لأمة تترك -فقها – الجمع والجماعة خوفا من الأذى؛ أذى الرائحة وأذى الأمطار والوحل، ولا تتركها خوفا من هلاك الأرواح وإهلاكها! وهذا الهلاك هو الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالحجر الصحي في الطاعون والجرب فقد روى عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا فراراً منه) وكذلك حديث (لا يورد ممرض على مصح)
وفي الختام أقول إن هذه القضية من بدايتها إلى نهايتها تقع مسئوليتها الشرعية والأخلاقية والاقتصادية على عاتق الأطباء فمدارها عليهم إالزاما وعدما ونسأل الله رفع الوباء والبلاء عن بلدنا وعن بلاد المسلمين.
وهنا أشد على أيدي إخوتي الأطباء الذين أغبطهم على عظيم أجرهم عند ربهم وسمو عملهم في في ميزان المواطنة، وأقول لهم الله الله في مسؤوليتكم فإن المساجد إن عطلت والمدارس والمحاظر والجامعات إن أغلقت والرحم إن عدل عن صلتها بالتزاور والجنائز أن لم يتم تجهيزها أو اتباعها أو التعزية فيها (وهذه حقوق أنتم أعلم بمنزلتها الشرعية)
وإغلاق الدكان الذي يعيل أصحابه ضعافا، فضلا عن بائعي الحليب الخضروات والفواكه والنعناع والكسكس، والمريض الذي يئن ولا يجد من يحمله خوفا من حظر التجوال… فإننا إنما نقدم في ذلك ونحجم تبعا لتقديركم للواقع وأمركم بما يلزم فكونوا على قدر المسؤولية، وذلك ظننا بكم وهو ما عهدناكم عليه، أعانكم الله ووفقكم.

ونحن جميعا في خدمتكم ودعاؤنا لكم بالحفظ والتوفيق َوالتسديد، والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.

الشيخ السابق عمر الفتح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى