تكبَه: المدينة التاريخية المنسية

  على بعد 50 كيلومتر في الجهة الشمالية الشرقية من مدينة تامشكط بولاية الحوض الغربي، تقع مدينة (تكبة) العتيقة التي تأسست بداية القرن الحادي عشر الهجري على يد بعض الجماعات الموريتانية التي نزحت من مدينة (تنيكي) التاريخية بعد خرابها في القرن العاشر الهجري إثر حرب أهلية طاحنة عصفت بها.

وقد اختار النازحون – الذين كانوا يعيشون في زمن تغلب عليه الحروب والاضطرابات الأمنية – أن يؤسسوا مدينتهم في حضن جبل تكبه بمنطقة (أفله) وعلى حافة وادي (اركيز) الخصيب الذي يتميز بكثرة الأشجار الوارفة الظلال، والماء العذب الزلال، وهو موقع استراتيجي متميز دون أدنى شك.

يتراءى لك ركام المدينة الحجرية من بعيد على شكل تلال جبلية حمراء، لكنك كلما اقتربت منها أكثر تتضح لك معالمها، مُمثلة في بيوتها، وأزقتها الضيقة، وحصونها الكبيرة، ومخازنها العميقة التي بنيت تحت الأرض.

تقع المدينة في مكان مرتفع نسبيا عن سفح الجبل، وهو ما يسمح لسكانها بمراقبة التحركات المشبوهة للغزاة والغرباء وقطاع الطرق

وعلى بعد 200 متر من المدينة جنوب الوادي (المَسيَل) شيّد السكان بعض القلاع والحصون التي ما يزال ركامها شاهدا حيا على حجمها، ومُحددا لمساحتها طولا وعرضا.

وغير بعيد من ذلك في الجهة الشرقية من المدينة تقع مقبرة (تكبه) المترامية الأطراف والتي تضم عشرات الأعلام من العلماء والأولياء والأمراء، وقد نقشت أسماؤهم على الحجارة بخط يتفاوت في الوضوح، فبعضه بيّن تمكن قراءته والتعرف على أصحابه بسهولة، والبعض الآخر باهت، أما البقية فغير منقوشة، أو طمرتها السوافي المتعاقبة عبر الزمن.

المدينة في تخطيطها العمراني تشبه الأحياء الشعبية المكتظة بالسكان والمتلاصقة المباني، حيث لا تتجاوز مساحة المنزل الواحد على أكبر تقدير 15 – 15 من الأمتار، وتتكون أغلب المنازل من غرفة كبيرة، وبيوت صغيرة، وقاعة عامة، وفناء.

ومن الواضح أن السكان كانوا يستخدمون الأنفاق الأرضية، إما لجعلها مخازن يحفظون فيها الغذاء، أو مخابئ تلجأ إليها النساء والأطفال في زمن الحرب.

المدينة تضم منزلا مُصمَّما على هيئة مجلس للقضاء، يتوسطه مقعد حجري مرتفع يحتمل أن يكون أريكة لأحد الأمراء أو القضاة أو غيرهم من الشخصيات التي تتمتع بمكانة اجتماعية مرموقة، كما أن هناك بيوتات أخرى بنيت على شكل نوادي ومجالس أدبية عامة.

وقد ظلت مدينة تكبه عامرة بالسكان والعلم والعلماء حتى مطلع القرن الماضي من التاريخ الميلادي، الذي شهد دخول الاحتلال الفرنسي إلى موريتانيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى