معركة المظلومين …..الأنتخابات التركية / عبير النحاس كاتبة سورية

اعتاد أحد معارفي، وهو كاتب هولندي مسلم، أن يقضي إجازته السنوية في تركيا كل عام، واعتدنا أن نلتقي كلما حضر، فألمح في عينيه بهجة وسعادة بما يراه من تغيرات وتطورات تشهدها البلاد المسلمة، يخبرني عنها ويقوم بتوثيقها على صفحته في مواقع التواصل.

كتب في رحلته الأخيرة منذ أيام، أن تركيا ستصل إلى مستوى خدمي واقتصادي يضاهي ما في هولندا خلال 10 سنوات وربما أقل، في حال استمرت سرعة التطور فيها كما هي الآن،

وأن الفارق سيكون حينها هو وجوه الأتراك النابضة بالحياة، التي رآها في احتفالات الحملات الانتخابية لحزب العدالة، ووجوه الهولنديين التي تعلوها الكآبة، والتي تحدث عنها أيضاً « محمد أسد » في كتابه « الطريق إلى مكة »، وكان رآها عندما ركب قطار النمسا خلال رحلته.

ويعرف الجميع أن هذا ما لا تريده الدول الكبرى لدولةٍ أغلبُ سكانها من المسلمين، ولها ماضٍ قوي قد يعود، فضلاً عن أن علاقاتها مع دول الشرق وإفريقيا مزدهرة.

لقد استطاعت دول الاستعمار الغربي منذ 100 عام أن تحكم البلاد العربية والإسلامية وبلاداً من آسيا وإفريقيا عبر وكلاء لها أوصلتهم الانقلابات العسكرية الدامية للحكم، واستطاعت من خلالهم الحفاظ على مكتسباتها من ثروات وأسواق تلك البلاد، وضمنت لهؤلاء الحكام الحماية، على أن تكون مهمتهم هي إبقاء الشعوب فقيرة جاهلة مهمومة بلقمة عيشها، وغير قادرة على مجرد التفكير في ثروات البلاد التي يتم نهبها دون رقيب أو محاسبة، أو أن يكون لديها طاقة للتفكير في تغيير نظام حكم أو استرداد حقها في قيادة بلدانها.

وعندما قامت ثورات الربيع العربي لتعلن أن الشباب لن يحتمل الذل والفقر ونهب ثروات بلاده وضياع حقوقه أكثر، قامت الثورات المضادة بدعم من الدول الغربية ورجالها المخلصين من حكام الدول العربية، فأسكتت الأصوات المطالبة بالحرية والحقوق والثروات.

كانت ثورة تركيا على الفقر والجهل مختلفة، امتدت لنحو 15 عاماً، وقابلتها تلك الدول كذلك بثورتين مضادتين؛ أولاهما كانت في أحداث غيزي بارك عام 2013، وتلك الضجة الإعلامية العالمية التي صاحبتها، وصوَّرتها على أنها ثورة شعبية حقيقية، والثانية كانت في محاولة الانقلاب في 15 يوليو/تموز عام 2016 والتي حشدت لها تلك الدول رجالاً مختلفين، وتم إفشال الحركتين بعناية ربانية أذهلت العالم أجمع، فضلاً عمن خطط ونفذ.

لم تستسلم تلك الدول بالتأكيد، وما زالت تأمل إخضاع تركيا، وأداتها الأخيرة كانت عبر دعم الجماعات الانفصالية في الجنوب التركي.

هي مشيئة ربانية بكل تأكيد، وتركيا اليوم بشعبها وتلك الطفرة الحضارية والاقتصادية التي أوجدتها حكومة العدالة والتنمية قد صعقت القوى الاستعمارية الغربية، وباتت تشكل خطراً على مصالحها، وتذكِّرهم بأن تلك الدولة التي أتعبتهم منذ 100 عام وظنوا أنهم تخلصوا منها قد عادت لتنهض وبقوة، وفي أجواء من الحريات والديمقراطية، تشهد عليها صناديق الاقتراع والحملات الانتخابية الحرة التي تشهدها كل زاوية من زوايا البلاد.

هي معركة يهتم لها العالم كله اليوم، وليست معركة تركيا الانتخابية وحدها.

هي معركة، إن انتصر فيها الرجل الذي صنع تركيا القوية في سنوات قليلة، وحكومته التي ارتضاها، فسينتصر الأمل في نفوس المظلومين بكل أنحاء العالم.

 معركة لو انتصر فيها أردوغان وحكومته فستكون تركيا النموذج، الذي لن يقبل الشباب المسلم في كل أنحاء العالم لبلادهم نموذجاً غيره.

سيبزغ نجم المسلم القوي المتحضر الغني، الذي سيعيد تشكيل شخصية المسلم التي صورها الغرب إرهابية متخلفة عبر أدواته التي صنعها بنفسه وروَّج لها مثل داعش والقاعدة وغيرها ممن شوهوا صورة المسلمين في العالم أجمع.

ستبدأ سلسلة المدن والبلدان المسلمة النظيفة الحضارية ذات الخدمات الراقية، والتي كانت تتمتع بها بلاد العرب والمسلمين منذ أكثر من 100 عام، وفقدناها بعد أن ضاعت البلاد وتسلّم حكمها أزلام المستعمر ورجاله.

ستُكشف عمالة الأنظمة العربية التي تنهب شعوبها وبلادها بالشراكة مع الدول الغربية، وتربك مخططاتها فيما بقي من ثروات.

ستعلن أن الديمقراطية مشروع ناجح، ويمكن ممارستها بسهولة عندما تكون الحكومات صادقة وذات سياسات شفافة وواضحة ودون أطماع في البلدان النامية.

سيبقى لدينا أمل في تحرير القدس، وبقائها مدينة مسلمة لها من يدافع عن قداستها ويخاف عليها ويفتديها.

سيبقى هناك وطن للمظلومين الذين هُجِّروا من بلادهم وتركوها خوفاً من البطش ووجدوا الأمان هنا.

ولن تُحرم الشعوب المظلومة الضعيفة مثل شعب بورما والصومال وغيرها من تلك اليد التي تمتد إليها وتمسح آلامها وجراحها في الأزمات عندما نسيتها البشرية.

على أن على الأتراك أن يكونوا متأكدين أن الفوز بالانتخابات لن يكون النهاية السعيدة المشرقة بالتأكيد، فالمؤامرات والمعارك والمخططات لن تتوقف ألبتة؛ بل ربما ستكون هي بداية المعركة الكبرى بين الخير والشر، بين الظالم والمظلوم، بين المحتل وطالبي الحرية.

نثق بأن الخير قادم، وأن احتفالات الأمة ستبدأ قريباً، وأنها ستكون فرحة تُنسينا كل الأحزان والمآسي التي عشناها ويريد لها أعداء الأمة ألا تنتهي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى