إطار يدافع عن تشكيل اللجنة المستقلة للإنتخابات ؛ و هذا ما كتبه

كنت قد كتبت بتاريخ 04/09/2012 مقالا بعنوان : اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات-
الوليد الجديد..الدور المأمول..انتقادات .. تعقيبات – وقد نشر يومها في عديد من المواقع من ضمنها موقع الأخبار على الرابط التالي :
http://arc2.alakhbar.info/26264-0—FF-F0C-F5FFF—B-.html
وقد تناولت فيه الأدوار المنوطة بها وضرورة تفعيلها والانتقادات الموجهة لها سواء من الناحية التشريعية أو من ناحية الأدوات والوسائل والاستقلالية , ولمن أراد التعمق أكثر الرجوع للمقال من خلال الرابط أعلاه واليوم أجدني مرة أخرى أمام مقال جديد عن لجنة جديدة , ولا أخفي القراء الكرام سرا , أنني ترددت كثيرا قبل كتابة هذا المقال , كوني محسوبا على أحد أطراف اللعبة السياسية وهو حزب التحالف الوطني , وهو شرف لا أتهرب منه قطعا,مما قد ينال من تجردي وحيادي لدى بعض القراء والسياسيين (غير المحايدين بدورهم أصلا ويقصفون بالحياد من وراء السواتر ) ومتى كان الحياد المطلق موجودا , فالأمور نسبية.

أحرام على بلابـله الدوح ** حلال للطير من كل جنس
وإنما حسبنا أن نعرض بضاعتنا على القراء والرأي العام معضدة بالأدلة والبراهين, ومتوخين فيها أكبر قدر من الموضوعية , ونترك الحكم بعد ذلك للمطالعين وأصحاب الشأن,بكل رحابة صدر وتقبل للنقد .
لقد تعرضت اللجنة الجديدة المستقلة للانتخابات لسيل هائل من التتفيه وهي مازالت في طور التشكيل , وبعد الإعلان , بعض هذا التتفيه طال شرعيتها القانونية , وبعضه طال أشخاصها أنفسهم , وطريقة اختيارهم وترشيحهم , لتوصف باللجنة العائلية (أخوة , أصهار….) في محاولة يائسة لوأدها سياسيا وقانونيا , بعيدا جدا عن الشفافية والموضوعية في جو أقرب لحجج ودعايات الحملات الانتخابية (التي يبدوا أنها بدأت مبكرا ممن كانوا يأنفون عن المشاركة فيها) منه للقانون وأدبيات الفكر السياسي والتحليل الديمقراطي.
وسنتعرض بالتفصيل لهذه الانتقادات ليتبين ضعفها وتهاوى وتهافت طرحها, وانفصال أصحابها عن الواقع , وتطور النصوص , لانشغالهم المحموم في دهاليز السرية مع من يعتبرونه في العلن وأمام جماهيرهم (رجسا من عمل الشيطان ) محاورين ومفاوضين له في الظلام.
المأخذ الأول : التعارض : يذهب المنتقدون إلى وجود تعارض قانوني بين تعيين الأزواج والفروع والأصول وكذلك الأصهار حتى الدرجة الثانية في عضوية تسيير اللجنة المستقلة للانتخابات , للمترشحين لرئاسة الجمهورية , وكذلك للمترشحين لمأموريات برلمانية أو بلدية .
والمتمعن في هذا النص يدرك أنه نص صحيح وهو صريح المادة (8) من القانون النظامي رقم 027-2012 المتعلق بإنشاء اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات , ويمكن للاحتجاج به لو أنه مازال قائما , والمتلفع به كحجة لا يخلوا من أمرين :
-إما أن يكون جاهلا بتطورات النصوص القانونية ولا يعلم ولا يدري أنه تم تعديل النص المذكور بالقانون النظامي رقم 005-2018 المعدل لبعض أحكام القانون النظامي رقم 027- 2012الصادر بتاريخ 12 إبريل 2012المتعلق بإنشاء اللجنة المستقلة للانتخابات , وجاء تعديل المادة 8(جديدة) على الشكل التالي : ( لا يمكن أن يكون عضوا في لجنة التسيير أو في هياكلها .
– أعضاء الحكومة. – القضاة في الخدمة. – الأشخاص الذين يزاولون مأمورية انتخابية. – السلطات الإدارية. – أعضاء الدواوين الوزارية. – الأشخاص غير المؤهلين للانتخاب بموجب قانون الانتخابات. – المترشحون لانتخابات تراقبها اللجنة الانتخابية. -أعضاء الهيئات القيادية في الأحزاب أو التجمعات السياسية. – أفراد القوات المسلحة أو الأمن في الخدمة.
ثم جاء المرسوم رقم 055_ 2018 بتاريخ 22 مارس 2018المحدد لإجراءات تعيين أعضاء لجنة التسيير وانتخاب رئيس ونائب رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات في مادته (4) بعد أن حصرت حالات التعارض في المادة 8 (جديدة) نصت على بعض الشروط التي يجب توفرها في المرشح لعضوية الحكماء في الهيئة وهي :
– أن يكون لديه تكوين أولي لا يقل عن 3 سنوات بعد شهادة الباكلوريا التعليم الثانوي أو لديه خبرة أكيدة لا تقل عن 20 سنة في الفئة “أ” في الوظيفة العمومية أو ما يعادلها ويفضل أن يكون متقاعدا. – أن تكون لديه مهارات جيدة في الاتصال والعمل الجماعي وإلمام جيد بجغرافية البلد وسوسيولوجيته. – أن تكون لديه كفاءة ثابته في التسيير الإداري العمومي أو الخصوصي مع أن خبرة حقيقية في تنظيم الانتخابات مسألة مرغوب فيها، وأن يكون معروفا باستقلالية التفكير وعدم التحيز والصدق ولاستقامة الأخلاقية. – أن لا يكون مرتبطا بعلاقات مع بلد أجنبي قد تضر بالمصالح الحيوية للأمة-أن لا يكون قد شغل خلال الخمس سنوات الماضية منصبا ساميا في الإدارة خصوصا، وزير وما يماثله والي، حاكم، أمين عام لقطاع ينتمي للقوات المسلحة أو قوات الأمن . – أن لا يكون قد شغل مناصب انتخابية خلال الخمس سنوات الماضية .
إذن من خلال النصوص المذكورة يتبين مدى جهل أو تجاهل أو غياب المدعين لوجود التعارض , عن تطور وتحيين النصوص القانونية في ما يتعلق باللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات وهو لعمري مطعن خطير يكشف عن عدم جدية وإلمام بأبسط الأدوات المطلوبة فيمن يتصدى للشأن العام , ويكيل التهم والتجريح للآخرين , وهذه الفئة من المتحاملين يصدق عليها قول الخليل بن أحمد الفراهيدي : رجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذلك جاهل فعلموه.
-أما الفئة الثانية فهي تعلم جيدا النصوص القانونية , وهي على قدر كبير من تتبع الأحداث , لكنها أدمنت وتعودت وشابت على أساليب الدعاية الفجة , وسياسة الضرب من تحت الحزام , وهم مريدون مخلصون لميكافيلي فالغاية عندهم تبرر الوسيلة , وبالتالي فلا طائل من تذكيرهم , ولا تنبيههم ويصدق عليهم قول المتنبي :
ومنْ يك ذا فم مرٍّ مريض .. يجد مرا به الماء الزلالا
المأخذالثاني : العلاقات العائلية : لسنا هنا في معرض التبرير لحضور , أو لنفي العلاقات العائلية في العمليات السياسية والديمقراطية , وإنما نحن هنا في إطار تشريح تاريخي وعملي واقعي لدور القرابة والعلاقات السلالية في العملية الديمقراطية وذلك في أعرق الديمقراطيات الحديثة ,لنصل لنتيجة هي هل التعيين والترشيح على أساس القرابة يعتبر مطعنا ومثلبة في العملية الديمقراطية ؟ أم أن الأمر على افتراض حدوثه هو بدعة ابتدعتاها ؟ مع أننا مبدئيا لا نتفق مع توصيف ما جرى من ترشيحات في اللجنة المستقلة للانتخابات بأي دور مطلق للعلاقة العائلية فيه , فلا مطعن في كفاءة الحكماء من قضاة , وإداريين , وأساتذة جامعات , حتى يتدرعوا بالقرابة استحقاقا.
ولإلقاء نظرة مختصرة على دور القرابة والعلاقات الاجتماعية في الولوج ولعب الأدوار الحساسة في العملية الديمقراطية سوف نعرج على ذلك في كل من الولايات المتحدة , ولبنان , والهند , بنجلادش وباكستان .
– الولايات المتحدة الأمريكية : لقد عرفت الولايات المتحدة الأميركية، التي تعد من أعرق الديمقراطيات في العالم، نمطا متكررا من دوران المناصب القيادية سواء على مستوى رئاسة البلاد أو على المستوى الفيدرالي داخل البيت الأبيض أو الكونغرس، أو حتى على المستوى المحلي في الولايات، بين عدد معروف من العائلات السياسية , وهي الظاهرة التي باتت تعرف في الفكر السياسي والديمقراطي بظاهرة السلالات السياسية فقد أشارت الدراسات إلى أن هناك 167 عائلة سياسية اُنتُخب أعضاؤها لمناصب عامة على مدار ثلاثة أجيال مُتعاقبة، وأن 22 عائلة تم انتخاب أعضائها على مدار أربعة أجيال، وهناك 4 عائلات تناوب أعضاؤها على مقاعد الكونغرس على مدار خمسة أجيال وقد حظيت هذه الظاهرة باهتمام الدارسين في حقل السياسة الأمريكي فألف ستيفن هس كتابة السلالات السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية من أدمز وحتى كلينتون
America’s Political Dynasties : From Adams to Clinton [Stephen Hess]
وقد أشار في كتابه إلى من بين 44 رئيسا منتخبا، جاء ثمانية منهم من أربع عائلات هي؛ آدمز وهاريسون وروزفلت وبوش، حيث كان هناك رئيسان من كلّ عائلة , أما في ما يتعلق بالكونغرس، الهيئة التشريعية المنتخبة، فتشير الدراسات إلى أنّ هناك 700 عائلة سياسية تناوب أعضاؤها على شغل مقاعد في مجلسي الشيوخ والنواب.
– لبنان : يعد التوريث السياسي في لبنان ظاهرة لصيقة بالطبقة السياسية فمنذ العام 1926 وحتى اليوم ، تُدار العملية السياسة من طرف عائلات إقطاعية كبيرة انتهجت التوريث السياسي، فاحتفظت بمواقع دائمة في كل دورة انتخابية ,فيتم توارث المقعد من الجد للابن للحفيد , فرئيس الحكومة السابق تمام سلام هو نجل رئيس الحكومة الراحل صائب سلام ووريثه السياسي، والنائب وليد جنبلاط زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي ورث رئاسة الحزب والمقعد النيابي عن والده الراحل كمال جنبلاط ورئيس حزب الوطنيين الأحرار دوري شمعون نجل رئيس الجمهورية الراحل كميل شمعون, و سعد الحريري ابن رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، وبهية الحريري شقيقة الرئيس السابق رفيق الحريري، وجبران باسيل وزير الخارجية صهر رئيس الجمهورية، و الرئيس أمين الجميل اُنتخب بديلًا عن شقيقه الرئيس بشير الجميل بعد اغتياله، ولا تذكر العملة السياسية دون عائلات آل فرنجية ,وآل كرامي وآل الأسعد, وآل إرسلان ,وآل جنبلاط ,و آل الجميل ,آل شمعون , و آل إده, وآل الحريري .
-آسيا (الهند – باكستان – بنجلادش) : يقدر عدد العائلات السياسية في الهند، بأكثر من 500 عائلة شغل أفرادها تقريبا كل المناصب السياسية على المستوى القومي ومستوى الولايات. ووصلت بعض العائلات إلى الجيل الخامس حاليا. ويزخر المشهد السياسي والبرلمان بالأقارب من آباء وأبناء وبنات وزوجات وأرامل وأخوال وأعمام، مما يجعل الشكل العائلي هو المسيطر على المشهد السياسي في الهند.
وأعرق عائلة سياسية بين تلك العائلات هي عائلة نهرو – غاندي التي حكمت البلاد لمدة 37 سنة حيث شغل الجد والابنة والحفيد منصب رئاسة الوزراء. والأحزاب في الهند قائمة بالأساس على العائلات، ويأتي حزب المؤتمر الشعبي في المرتبة الأولى ,ويقول المؤرخ البريطاني، باتريك فرينش، إن 100% من مقاعد البرلمان الهندي للأعضاء الذين يقل عمرهم عن 30 عاما منحت بالوراثة، ونحو ثلثي أعضاء البرلمان ممن هم أدنى من 40 عاما ينتمون إلى عائلات سياسية. وشهدت الهند، مثلها مثل الكثير من الدول النامية، ديمقراطية من الأعلى إلى الأسفل وليس العكس، لكن رغم ذلك، بقيت الهند دولة ديمقراطية
في بنغلاديش، حكمت امرأتان هما حسينة واجد، ابنة الرئيس مجيب الرحمن، وخالدة ضيا، أرملة الرئيس ضياء الرحمن , وفي باكستان، شغل ذو الفقار علي بوتو منصب رئيس الوزراء في الفترة ما بين عام 1971 و1977. بينما تم انتخاب ابنته بنازير بوتو لمدتين .
من خلال ما سبق يتبين لها ضعف وتهاوي الحجج القانونية والسياسية للمتحاملين على تكوين اللجنة المستقلة للانتخابات , فلاهم تابعوا تطور القوانين المنظمة للشأن الانتحابي فظلوا جبيسين جهلا أو تجاهلا لنصوص قديمة بنوا عليها حججا واهية , وعلى مستوى الفكر السياسي والديمقراطي لم يدرسوا العوامل والتشكيلات والأطر الموجهة والفاعلة والمكونة للعملية الديمقراطية وتبادل السلطة في مختلف دول العالم , حتى يتم قذف الخصم السياسي على بينة من الأمر , فإقحام الأقارب (على افتراض وقوعه) والذي أريد له أن يكون مثلبة سياسية , تقليد دارج في أعرق الديمقراطيات , وهو في حالة وقوعه طريق مسلوك لا يحمل قيمة سلبية , ولا مثلبة ديمقراطية.
ونحن في حزب التحالف الوطني , لا نجد غضاضة في تعيين أحد من أفراده مهما كانت قرابته من رئيس الحزب ,لكوننا نتعامل معه كمناضل حزبي فقط بغض النظر عن بعده أو قربه الاجتماعي من رئيس الحزب ,وانطلاقا كذلك من ثقتنا في شخص الرئيس وماضيه النضالي , فكيف بمن سنأتمنه على مستقبل البلد وتطلعاته أن لا نأتمنه على ترشيح فرد من الحزب.

د . عبد الله محمد بمب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى