وزير سابق يكتب :الأجزاب منها السّمينُ (أحزاب V8) ومنها الغَثّ (أحزاب المشّائين R2)….

مررتُ اليوم بقلب العاصمة بين مبنى “أفرْكو” وملتقى طرق “ب.م.د” على

شارع جمال عبد النّاصر. وكان الازدِحام المُروري في ذرْوَته. المشهَدُ غريبٌ.

عشرات السيارات متوقّفة تمامًا، جاثمة في وسَط الطريق. سيارات من كلّ

“المَرْكات”: باصات، تاكسيات، كورونا، كورولاّ، مرسديس 190، سيارات فاخرة

(V8)، وأخرى باليّة، إلخ… وعشرات السائقين من كلّ الأعمار والأعراق

والشرائح؛ هذا شاب يافع، وهذا كهل ملتحي، وذي امرأة متنقبة.. والكُلُّ في

حالة بائنة من التّكاسُل والتعب والمَلل والإرهاق. سئموا الانتظار في جوّ مُلتهب

وملوّث بدخان العوادِم وصخَب المنبّهات وصِياح وضحيج المارّة. نظرتُ من حوْلي،

فإذا بالنّاس جميعهم منزعجون من حال الجلجَلة والضّوْضاء والاضطراب السّائد.

يلومُ بعضُهم بعضًا. يتشاجرون ويتغامزون ويتنابزون بالألقاب. هذا يدّعي لنفسه

الأسبقيّة، وهذا يدّعي الأفضليّة ويُحمّل الآخر مسؤوليّة الأزمة والاختناق..

وقضيْنا هكذا ما يقارِبُ 3 ساعات من الهزّ والحبْوِ والسير على أطراف العَجَلات

في طريق مليء بالعوائق والشّقوق قبل أن نتجاوز “الدوّارْ”!؟

وهنا، تبادر في ذهني وجه التشابه بيْن شارع المُرور وازدحامه وضجيجه

و”أكله” للوقت من جِهة، والشارع السياسي واكتظاظه وصخَبه وخلافاته

ونزاعاته من جهة أخرى. السيارات هنا هي الأحزاب والمنظمات على اختلاف

أحجامها و”مركاتها”؛ منها السّمينُ (أحزاب V8) ومنها الغَثّ (أحزاب المشّائين

R2)، ومنها المَيْدُوم ومنها المَحروم؛ ومنها الحاضر ومنها الغائب، ومنها الحديثُ

ومنها القديمُ المُتهالك، إلخ… ويبلغُ ازدحام هذا الشارع المُتَصدِّع هو الآخر

والمليء بالهزّات (سَكوسات) والشقوق والحفر، يبلغُ ذروتَهُ مع اقتراب المواسم

الانتخابيّة؛ ساعَتَها ترتفِعُ فيه الأصوات والمنبّهات وتُحبسُ الأنفاسُ وتقشعرُّ

الجلود وتعُمّ الضوضاء وتنتشرُ الفوضى في كلّ مكان. وترى السائقين، وهُم

رؤساء الأحزاب، يتلاومون ويتشاجرون ويتنازعون الطريق. تراهم والتّوَترُ بادٍ على

وجهوهم كلهم. هذا حزبه في سيارته وهذا حزبه في جيبه. وهذا يدّعي لنفسه

الشّعبِيّة والأكثريّة، وهذا يدّعى الرّمزِيّة والمبدَئِيّة، وذاك يُحمّل الجميع مسؤوليّة

الانسداد وعرقَلة المسار. وفي المحصلة تتعطل الحياة ويرتبك المواطنُ على

الرّصيف ويحتار ويضيعُ وقت الجميع ما بين زَحمَة المرور وفَيض السياسة!

آه، لوْ أنّ سائقي السيارات احترموا قانون المرور بإشاراته ولوْحاته وأضوائه،

واحتَرَمَ سائقو الأحزاب قواعد العمل السياسي وآدابه وقوانينه؛ و قام “أصحاب

مسغارُو” في كلا الشارعين بالواجِب كما ينبغي .. لخَفّ الزِّحام وانفَتحَ المرور..

وتجاوزنا بسلاسة وسلامة “دَوّار pk 2019” على طريق “أمل” التناوب !

الوزير محمد فال ولد بلال ـ تدوينة

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى