الحقائق و الأوهام في التعديل الجيني البشري

ربما شاهدت فيلماً أو قرأت مقالة تتحدث عن تعديل الجينوم البشري، وكيف سيصبح بإمكان البشر إنتاج أطفال خارقين، أو ربما تمنيت في يوم من الأيام أن تستطيع التحكم في صفات مولودك، تريده خارق الذكاء، قوي البنية، جذاباً، في الحقيقة كلنا نتمنى ذلك من أعماقنا.

تعديل الجينات ليس فكرة جديدة، بل قديمة جداً، كل العلماء فكروا فيها بعد ما اكتشفوا أن الجينات هي المتحكم الرئيسي فيما نحن عليه من صفات جسدية ونفسية أيضاً، صحيح أن البيئة عامل مؤثر، لكن تظل الجينات هي الجزء الوحيد من المعادلة الذي يمكن التحكم فيه، لتغيير المخرج النهائي، وهو أنت أو ابنك.

لم يكتفِ العلماء بطريقة واحدة لتحقيق الهدف، بل فكروا في طرق مختلفة، وما تفشل في تحقيقه هذه الطريقة ربما تستطيع تحقيقه الطريقة الأخرى، ويوجد على الأقل الآن أربع طرق لتعديل الجينات، أحدث هذه الطرق
طريقة الكرسبر CRISPR Cas genome editing، تم اكتشافه مؤخراً منذ حوالي ثلاث سنوات، ومنذ ذلك الحين تضاعفت الأوراق البحثية التي تتناول استخدام هذه الطريقة في التعديل الجيني.

لماذا هذه الطريقة بالذات التي يمكن تحقيقها؟ لكي نستطيع الإجابة عن هذا السؤال، دعني أوضح لك كيف يمكن استخدام التعديل الجيني؟ وما نتائجه على الخلايا؟ دعنا نتخيل أن هناك خلية بها خطأ أو طفرة في الحمض النووي، هذا الخطأ يؤدي لصفة ظاهرية ممرضة.
دعني أطرح سؤالاً بسيطاً: كيف يمكننا علاج هذا المرض نهائياً؟ بالتأكيد ستكون إجابتك نصلح الجين المصاب أو نستبدله بجين سليم هذا واضح جداً عندما يتعلق الأمر بالخلايا الجسدية، ولنأخذ مثالاً: لنفترض أن هناك طفلاً مصاباً بمرض إنيميا، الخلايا المنجلية (مرض ينشأ بسبب طفرة في جين مسؤول عن تكوين الهيموجلوبين)، سنأخذ دم هذا الطفل ونستخرج الخلايا المسؤولة عن تكوين كرات الدم الحمراء، ونقوم بإضافة نسخة سليمة من جين الهيموجلوبين، ثم نعيد الخلايا للطفل مرة أخرى؛ لكي يعيش حياة طبيعية.

دعنا الآن ننتقل لإصلاح الخلايا الجنسية، يعني لنفترض أننا دمجنا حيواناً منوياً مع بويضة في أنبوبة اختبار، فينشأ زيجوت من خلية واحدة، هذه الخلية ستنمو وتتكاثر؛ لكي تكون جنيناً كاملاً، ماذا لو قمنا بتعديل جيني في هذه الخلية؟ فينتقل لكل خلايا الجسم التي ستنشأ من تضاعف الزيجوت هذا، يبدو جيداً، ولكن هذا التعديل سيورث لكل ذرية الجنين الجديد سينتقل لجيل كامل من البشر، ماذا لو أخطأت التقنية وأضافت طفرة لم نستطِع التعرف عليها وتم توريثها لجيل كامل من البشر؟ ماذا لو كان في هذه الطفرة نهاية البشرية؟ ألن تكون هذه النهاية درامية بما يكفي؟ هل نتوقف الآن؟ سيجادل البعض بأن تعديل جينوم الجنين قد يكون الفرصة الوحيدة لزوجين يموت كل أطفالهما قبل الولادة بسبب طفرة وراثية معينة، وتعديل الجينوم هو الحل لينجبا طفلاً سليماً، هل يحتمل الأمر المخاطرة؟

لقد تناولنا في هذه المقالة استخداماً واحداً للتعديل الجيني، هل هناك استخدامات أخرى؟ ما آخر ما توصلت إليه الأبحاث؟ وما مستقبل التعديل الجيني؟ وهل هو السلاح الذي سيقضي على الجنس البشري أم أنه الطريقة المضمونة للترقي؟ سنجيب عن هذه الأسئلة وأكثر في الأجزاء القادمة من السلسلة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى