البلاد لا تحتاج اليوم إلى معارضة ديمقراطية… رسالة

إلى الأصدقاء في المعارضة الديمقراطية الموريتانية، أيها الأصدقاء الأعزاء:

على الرغم من الصفعة الانتخابية الباقية التي وجهها مواطنونا للسلطة ولموالاتها وللمعارضة التي تسير في ركبها والتي ساندته خلال الاستفتاء الأخير، فإنني، بكل ما يتطلبه الموقف من جدية، ومع أحر التهاني على هذا النصر الباهر، أحرص على أن أذكركم ، وأنتم لا شك أدرى، أن الخطر داهم، وأن أدعوكم إلى رص صفوفكم أكثر من أي وقت مضى، إذا كنتم تريدون حقا رفع هذا التحدي الذي يجعل بلدنا على شفا الانقسام.
فعلا، فإن الهزيمة النكراء التي تكبدها النظام على إثر حملة المقاطعة النشطة التي قمتم بها، لم تمنع محمد ولد عبد العزيز، بانحرافه التسلطي، بمساعدة إدارته الإقليمية، ولجنته الانتخابية المزيفة، ومجلسه الدستوري المأمور، من اصطناع النتائج التي يحتاجها للتوجه نحو المرحلة الجديدة من أجندته الشخصية.
لقد تجاوز حجم مقاطعة مواطنينا لهذه المهزلة الانتخابية كل التوقعات، بحيث أنها لم تترك لحكامنا وولاتنا وغيرهم من الأعوان من خيار سوى اللجوء إلى ممارسات تعود بنا الى العهود الغابرة، كحشو الصناديق، ليقدموا لسيدهم نسبة مشاركة بلغت 53 في المائة.و إن كانت هذه النسبة المزورة مدينة إلى حد كبير لتصويت الموتى، الذي لا شك أنه يجد شرعيته في ترتيبات المادة 38 من الدستور. ولم لا ؟
المهم هو أن “رئيسنا” قفز من جديد،و كعادته دون أن يرف له جفن، على نتائج هذا الشطط في استخدام السلطة، ليحوله إلى قوانين سيتوجب علينا الخضوع لها من الآن فصاعدا.
وفي الأسبوع الماضي، طالعنا اثنان من وزرائه ليقولا لنا، بلغة المنتصر، إن مجلس الشيوخ لم يعد موجودا وإن علمنا الوطني الشرعي – الذي أصبح خرقة بالية حسب قول أحدهم – سيزين بخطين أحمرين، يبدو أنهما مستوحيين من الخطين اللذين كانا يزينان، بنفس اللون، وعلى نفس الخلفية الخضراء، وسام المجندين الاستعماريين في شمال إفريقيا.
فمن خلال هذين الخطين الأحمرين يدعي محمد ولد عبد العزيز، الذي اكتشف لنفسه مؤخرا هواية غريبة تتمثل في شغف زائف و للمقاومة الوطنية، يدعي أنه يجسد تشبثه بتاريخ بلدنا وبشهدائنا.
إن المثير للسخرية هو كون أحد الوزيرين المكلفين بشرح القانون الدستوري الجديد، والذي لا خلاف على قدراته في هذا الميدان، هو نفسه الذي كان يعلمنا على شاشة التلفزة وأمام البرلمان، أنه لا يمكن تقديم أي تعديل دستوري للاستفتاء إلا بعد مصادقة ثلثي أعضاء الجمعية الوطنية وثلثي أعضاء مجلس الشيوخ عليها. وعليه، فإن السيد الوزير مدين لنا وللتاريخ بتفسير لهذا الأمر.
أيها الأصدقاء الأعزاء،
مرة أخرى يضعنا محمد ولد عبد العزيزو بالقوة أمام الأمر الواقع، عن طريق اختراق دستورنا، والدوس على رموزنا، وامتهان مؤسساتنا. وعليه، لست بحاجة إلى أن أقول لكم إن الخطر داهم، ولا إلى أن أؤكد لكم أن وحدتكم التي لا تنفصم في خدمة عمل سياسي توافقي هي وحدتها التي يمكنها أن تبعث الأمل في تخليص بلادنا على المدى القريب من قبضة هذا النظام المتسلط. إن هذا التوجه يتطلب وضع عريضة سياسية جديدة، تحدد برنامجا مشتركا يحظى بالأولوية، يتم الاتفاق عليه، على أساٍس مبادئ الحق والمساواة والحرية والديمقراطية والعدالة التى نريدها لبلدنا. إن هذا التوجه يتطلب كذلك، ليكون ذا مصداقية، قبول الجميع مسبقا بأن يتخلوا مؤقتا عن جميع نقاط الخلاف في أجندات التشكيلات السياسية والحركات المختلفة التي تشكل منسقيتكم الحالية.
وفي هذا الصدد، أتذكر أن هناك مسودة عريضة، تتطلب بالطبع المراجعة والتحوير، ضمن وثائق المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، من أجل ملاءمتها مع الوضعية السياسية الحالية لجعلها خارطة طريق لهذه المرحلة الحرجة. بهذه الطريقة وحدها سيمكنكم رفع التحدي، وستكونون قد فهمتهم الرسالة التي وجهها مواطنونا عبر مقاطعتهم الشجاعة والواسعة للاستفتاء الأخير.
إن خارطة الطريق هذه يجب بالطبع أن تشفع بخطة تنفيذية، تتضمن حشد القوى الضرورية لانتصار شعبنا في نضاله ضد الاضطهاد ومن أجل الديمقراطية والعدالة والوحدة الوطنية والازدهار الشامل.
وبعبارة أوضح، وحتى لا نبقى لعبة في يد النظام، وأمام الوضع الخطير الذي نجم عن الاختراق الأخير الذي حققه ولد عبد العزيز،بعدما استطاع أن يوطد طغيانه على خلافاتكم طيلة السنوات التسع الماضية، عليكم، بدل انشغال كل واحد منكم في تحقيق أجندته الخاصة، أن تعملوا بصورة أساسية، إن لم أقل كلية، أن تنخرطوا في العمل الجماعي الذي سيمكن من تحقيق التغيير الذي سيخلص البلاد.
وعندما يتم تخليص البلاد من خطر القبضة التي تحكمها عليها السلطة الخارجة عن القانون، يمكن أن يعود كل واحد منكم لبرامجه ومطالبه واهتماماته الخاصة به.
وبكلمة واحدة، فإن البلاد لا تحتاج اليوم إلى معارضة ديمقراطية، لم يحترمها ولد عبد العزيز يوما، بل همشها واحتقرها، أكثر مما تحتاج إلى مقاومة وطنية حقيقية ضد الاضطهاد، تقف بشموخ في وجه طغيان السلطة وأجندتها الماكيافيلية.
و إذا لم يتحقق ذلك، فيجب إخلاء المكان لفسح المجال أمام خلف أقل تهيبا كي يحتل الساحة السياسية التي لا تحتمل الفراغ هي الأخرى. وبذلك ستتخلون على الأقل عن لعب الدور غير اللائق والمهين أحيانا، والمتمثل في إعطاء مبرر لنظام يجعل من مجرد وجود معارضيه ومنحهم حق استنشاق الهواء – الملوث أحيانا بالغازات المدمعة– ورقة يرفعها في وجه شركائنا كدليل على الطبيعة الديمقراطية الكاملة لحكامته.

ولد باب أمين عن صحيفة انواكشوط

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى