داعية سعودي يستخفّ بالقدس؛ فكيف أجابه؟

وهل الكعبة إلا أحجار؟!

بين الحين والآخر يخرج علينا بعض الرويبضات، ومن لف لفهم؛ لتبرير خنوع السلاطين وانبطاحهم، وتخليهم عن قضية المسلمين الأولى، قضيةِ القدس؛ فقد خرج مَن يقول: العبرة ليس بالحجر بالمسجد الأقصى، ولكن العبرة بالمكان، وسيبقى هذا المكان مقدساً إلى يوم الدين، وذلك لامتصاص غضب المسلمين! اطمئنوا يا مسلمون، حتى لو هدم الأقصى وحل محله هيكل الصهاينة المزعوم، سيبقى أحجاراً وأرضاً مقدساً! الداعية السعودي أحمد بن سعد القرني يطالب الغاضبين على ما يتعرض له المسجد الأقصى بالغضب لله باعتباره أَوْلى من حجارة لا تضر ولا تنفع، قائلاً: اغضبوا لله قبل أن تغضبوا للأقصى، فوالله إنها حجارة لا تضر ولا تنفع، وما إن تغضبوا لله سوف تمتلكون الحجر والشجر!

ألم يعلم بأنّ الغضب من أجل المسجد الأقصى هو غضب لله، الذي أمرنا بالدفاع عن أرضنا ومقدساتنا؟! ونحن نعلم أن المسجد الأقصى حجارة، كما أن الكعبة المشرفة حجارة، وأن الحجر الأسود حجر، ولكن الله عز وجل شرف المسجد الأقصى بقوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} (الإسراء:1(، فالمسجد الأقصى أُولى القبلتين، وثالث الحرمين، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه صلى جميع الأنبياء جماعة خلف إمامهم محمد صلى الله عليه وسلم، قبل أن يعرج به إلى السماء، ومُبتدأ معراج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء، كما جاء فى حديث أنس – رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أتيت بالبراق فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي يربط فيها الأنبياء، ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين، ثم عـرج بي إلى السماء”.

كما أنه القبلة التي كان يتوجه إليها الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون قبل تحويلها إلى الكعبة؛ حيث صلى النبي صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس بعد الهجرة ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، ثم حُوِّلت، وأشار القرآن إلى ذلك بقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول}، وهو ثالث المساجد التي لا تشد الرحال إلا إليها؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِد: المَسْجِدِ الحَرَام، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالمَسْجِدِ الأَقْصَى”.

وعن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبي الله أفتنا في بيت المقدس، فقال: “أرض المنشر والمحشر ائتوه فصلوا فيه”.

وبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستقرار الخلافة للصديق رضي الله عنه، وكان قد سمع رسول الله يبشر بفتح بيت المقدس فى حديث عوف بن مالك: قال: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَقَالَ: اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَة..ِ مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ مُوْتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنْ الْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ، فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَة،ً تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا. فحرص الصديق رضي الله عنه بعد الانتهاء من حروب الردة أن يتوجه إلى بيت المقدس، فوجّه له أربعة جيوش: الجيش الأول بقيادة خالد بن سعيد بن العاص، وحدد له دمشق، ويتراوح عدد جيشه ما بين ثلاثة وأربعة آلاف مقاتل. الجيش الثاني: بقيادة شراحبيل بن حسنة، وهدفه بصرى عاصمة حوران، ويتراوح عدده ما بين ثلاثة وأربعة آلاف مقاتل. الجيش الثالث: بقيادة أبي عبيدة بن الجراح، وهدفه حمص، ويتراوح عدده ما بين ثلاثة وأربعة آلاف مقاتل. الجيش الرابع: بقيادة عمرو بن العاص، وهدفه فلسطين، ويتراوح عدده ما بين ستة وسبعة آلاف مقاتل، على أن يسلك طريق ساحل البحر الأحمر حتى العقبة، فوادي القرى فالبحر الميت، وصولاً إلى بيت المقدس.

وقد عقد ابنُ عساكر في تاريخ دمشق باباً تحت عنوان “ذكر اهتمام أبي بكر الصديق رضي الله عنه بفتح الشام وحرصه عليه”، ولم يقل أبو بكر إن المسجد الأقصى أحجار لا تضر ولا تنفع، كما قال هذا الرويبضة! وقد تم فتح القدس في خلافة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – سنة 15 هـ، وجاء عمر إلى القدس بنفسه، بناءً على رغبة أهل القدس؛ ليكتب لهم العهد، ويتسلم مفاتيح القدس.

إن المسجد الأقصى هو ثاني مسجد بني في الأرض؛ لما في حديث الصحيحين عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، قال: “قلت: يا رسول الله، أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام. قال: قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم كان بينهما؟ قال: أربعون سنة. ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصل فإن الفضل فيه”. وثبات أهل الإيمان فيه عند حلول الفتن؛ لحديث أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بينا أنا نائم إذ رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي، فظننت أنه مذهوب به، فأتبعته بصري، فعمد به إلى الشام، ألا وإن الإيمان حيث تقع الفتن بالشام”. وأهلها المقاتلون في سبيل الله من الطائفة المنصورة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يضرُّهم من خذلهم، ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة”. وليست الطائفة المنصورة، من الواهمين الذين لا هم لهم إلا إحراق البواخير بين يدي الطغاة من الحكام الظالمين! وسيبقى الأقصى والقدس قضية المسلمين إلى يوم الدين، رغم أنف المضللين.

عزّ الدين الكومي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى