عاشت مقاطعة كيفه قبل ستة أشهر من الآن ، و على غرار كافة عواصم ولايات الوطن ، اسابيع حافلة بلقاءات التشاور تحت عنوان : (تحديد أولويات برنامج تنميية ولايات الداخل) ، تقودها بعثات رفيعة المستوى ضمت وزراء و مستشارين و مكلفين بمهام ، انفقت عليها الدولة بسخاء تكاليف باهظة للتعويض و التكفل بتنقل و إقامة هؤلاء ، و تعطلت بشكل تام كل المهام المرتبطة بدوامهم اليومي بمقرات اعمالهم الأصلية في العاصمة ، و كذا مهام مراجعي المصالح الجهوية بالداخل طيلة أيام التشاور.
إسراف و خسائر بأرقام كبيرة ، قد لا تساوي فعلا خسائر توقف العمل بمطار “روما” او “دبي” لمدة يومين ، و لا توقف العمل لساعات بأحد قطاعات الإنتاج بمصانع “تويوتا” “بطوكيو” ، لكنه بالمقابل أكثر من خسائر إغلاق دكان “تقسيط” بسوق “تميشت” “كيفه” لمدة أسبوع.
كل هذا و غيره كَلَّفه عنوان يتيم :
(جمع و ترتيب أولويات وسائل تنمية الداخل الموريتاني) .
إن المواطن الموريتاني حيث كان لا يحلم بأن يصله الماء عن طريق تحلية المحيط بعد أحدث المعالجات ليشربه نقيا صحيا و متوفرا كل حين ، بل يكفيه أن يُؤَمَّنَ له حفر بدائي في ” أَْسْهَاوِ لَخْيَامْ” يضمن لهم ان لايهلك الأطفال و العجزة عطشا قبل رجوع الوُرَّاد الذين غادروا الحي في جنح الظلام يسابقون الزمن للوصول قبل الظهيرة محملين بما تيسر من ماء كَدِر ، من منهل يتقاسمونه مع جميع أشكال الهوام من الحيوانات .
كما أن المواطن في كبريات المدن الموريتانية دون إستثناء ، لايطمح لأكثر من طاقة ، متوسطة الجهد ، متكررة الإنقطاعات ، صادرة من مولدات سامة العوادم و النفايات ، مزعجزة الجعجعة و عديمة الطحين ، فهو لا يطمع في الحصول عى طاقة نظيفة كالمستنتجة من إحتكاك حركة ارجل رواد محطات “الميترو” في “بكين” بعد تحويلها إلى طاقة كهربائة ، يزيد المنتج منها على حاجة تشغيل المحطة ليوجه الفائض إلى منشآت أخرى تحتاجه.
إننا في الداخل الموريتاني ، لا نريد كاسحات ثلوج لإزاحة المتراكم منها ضمانا لإنسيابية المرور ، كما يحدث في مدن كلندن و موسكو و غيرها ، بل حاجتنا أكثر إلى جرار صغير يسحب محراثا آليا بسيطا
لإستصلاح و تليين التربة بحقل بدائي بالكاد تصل مساحته الثلاث هكتارات ، هذا العمل الذي ظل و حتى اليوم يكابده آخر الآباء و الأجداد ، و بوسائلهم التقليدية “أوَاجِيلْ” رغم قناعتهم بعدم جدوائيته ، لكن تبقى الحاجة و قلة الحيلة و غياب الدعم و انعدام البديل ، دوافع كافية للتمسك بهذا الأسلوب البائد.
إننا في اكبر المدن المورريتانية ، لا نريد حاوية أوساخ ذكية -كما هو الحال في شوارع اليابان – مجهزة بوسائل تسلية و أجهزة صوتية تناشد المارة و المستخدمين و تُسْدِيهم الشكر و تُنْشِدُهم الأغاني ، كلما رموا بها عود ثقاب او علبة عصير فارغة ، بل نريد فقط عربة يجرها حمار ، لتنقل جثة حمار آخر نَفَقَ منذو ثلاثة أيام أمام احد المكاتب او عند أحد ملتقيات الشوارع الكبرى .
قد لا يفوت قارئي العزيز أنني ذهبت بعيدا في المقارنة بين واقعنا بما هو عليه من حال معروف ، و واقع عوالم أخرى قد تفصل بيننا معها آلاف السننين الضوئية ، و هذا ليس من عادتي ، لكن تعمدت هذه المقارنه مجاراة للمدافعين و المبررين الذين يروا ، أن جميع ما نعيشه من مظاهر التخلف ( فسادا و فقرا و جهلا و مرضا) ، نحن في ظله افضل حالا من كثير من شعوب العالم ، بل و حتى أن هؤلاء من وَلَعِهم بالمقارنة ، لم يتورعوا عن أن يجعلوا لكل من يتولى من شأننا امرا عاما ، لصا كان او مرتشيا ، فاسدا او ناهبا معروفا ، نظيرا و انِدا او حتى تِرْبًا ،
لأحد أصحابه صلى الله عليه و سلم .
فهذا عمر بن عبد العزيز في عدله ،
و هذا ابو بكر الصديق في إنفاقه ،
و ذاك عمرو الفاروق في ورعه ،
و ذا عثمان بن عفان في زهده…إلخ .
أعزائي سكان ولاية لعصابه الحبيبة ، استسمحكم هذه المرة فقد اطنبت كثيرا في مقدمتي عكس ما عرفتموني مباشرا و صريحا ، لكن رغم الإطالة لا يمكنني الختام دون أن اطلبكم وضع تقييم لبرنامج تنمية ولايتكم ، على ارض الواقع بعد مرور نصف سنة على تصميمه .
من البديهي ان لا يبتعد المهتم بتنمية ولاية لعصابه عن المواضيع ذات الصلة و التي لا تمكنني الإحاطة بها علما ، لتشعبها و لأنني لست افضل من يتكلم و حتى في اصغر جزئياتها ، لكنني سأحاول إستحضار بعضها لعرضه أمامكم لتتناولوه محورا تلو الآخر ، مبرزين ما تحقق فيه من إنجاز .
فماذا تم تحقيقه في المواضيع التالية؟
—- توجيه جهود جميع الفاعلين نحو الهدف المعلن (تنمية ولاية لعصابه ).
—- نبذ جميع أنواع الخلاف الداخلي ، و العمل على التخطيط لجلب التمويلات اللازمة لتطوير كل القطاعات التنموية بالولاية.
—- متابعة و تقييم المشاريع المتدخلة في الولاية للتحقق الميداني من جدوائية تدخلاتها ، و الوقوف على مستوى جدية مساهمتها في التنمية المحلية.
—- الوقوف في وجه سياسة تبديد التمويلات و الإستحواذ عليها ، و توجيهها لغير المستحقين في كافة المجالات و احيانا إلى مجالات لا تشكل أولوية لدى الساكنة.
—- العمل على خلق وعي و إرشاد ديني و مدني و ثقافي ، يعمل على غرس روح الإنتاج و التطلع للأفضل و نبذ بعض العقليات و المسلكيات المعيقة للتنمية ، كالعزوف عن العمل و الإتكالية و الكسل و الأمية و التسرب المدرسي و الزواج المبكر للبنات و التفكك الأسري …إلخ.
—- تشجيع جميع أنواع الحرف و المهن لترسيخ ثقافة الإنتاج.
—- العمل على خلق نشاطات مدرة للدخل لصالح الفئات الهشة (الشباب العاطل عن العمل و النساء معيلات الأسر و المتقاعدين ).
—- السعي إلى استفادة الولاية من لامركزية القطاعات و المرافق العمومية( جامعات معاهد مراكز تكوين مصانع…إلخ).
—- التخطيط العمراني للمدن الكبرى بالولاية بدء بالعاصمة “كيفه” التى ولد بها خَدِيجًا ، ومات بعد صرخة الوضع .
— نظافة مدينة كيفه و صرفها الصحي ، و ترميم طريق المستشفى و استصلاح لمسيله .
—- تحقيق الربط الكهربائي بين كل مقاطعات الولاية و تجمعاتها الكبرى.
— إعادة التفكير في التقطيع الإداري للولاية، باستحداث مقاطعات و بلديات جديدة.
—- إستحداث مفوضية ثانية للشرطة بكيفه.
—- العمل على فتح صناديق للقرض لتمويل المشاريع و المقاولات الصغيرة و المتوسطة ، و القرض الزراعي و الرعوي و تيسير الولوج لخدماتها.
—- الإهتمام بالتعليم و إعطاء الأولوية للتعليم القاعدي (الإبتدائي أو الأساسي) و تجسيد المدرسة الجمهورية.
—- شمولية توفير خدمة التعليم بمختلف مراحله ، مع مراعات إمكانية تقريب الخدمة من المستفيدين في أماكنهم الأصلية ، تشجيعا لهم على المواصلة و تثبيتا لهم فى مناطقهم .
—- تشجيع الاستثمار في التعليم مع التركيز على الكيف دون الكم.
—- إعادة التفكير في السياسة الصحية بالولاية لجعلها قطبا صحيا كما هو معلن من طرف الجهات الرسمية ، و ذلك بتوفير الطاقم اللازم و المعدات و الوسائل المطلوبة، و مراجعة خارطة المنشآت الصحية بالولاية لإعادة تأهيل الموجود منها حاليا خارج الخدمة و ذالك سعيا إلى تحسين الخدمات الصحية و تقريبها من المواطنين.
—- تشجيع الاستثمار في القطاع السياحي بإنشاء المحميات البيئية ، و المنتزهات السياحية و إعداد دليل سياحي لإبراز ما تزخر به الولاية من مقدرات سياحية ، جغرافية و بيئية و فنية و ثقافية (جبال، آرواجه، آكناتير، حيوانات نادرة ، آثار ، مكتبات و مخطوطات…إلخ ) هذا إضافة إلى تنظيم المهرجانات و الندوات الثقافية…إلخ.
—- محاربة جميع أنواع التدمير الممنهج للوسط البيئي من قطع للأشجار و صيد جائر و حرائق متعمدة.
—- حل مشكل مياه الشرب و الري في كافة مدن الولاية و قراها الكبيرة ، و توفير نقاط مياه دائمة في مناطق الرعي و الإنتجاع.
—- تنظيم ملتقيات جهوية تشاورية لجميع المهتمين بالقطاع الريفي الزراعي و الرعوي لتبادل الخبرات و التجارب ، و تحديد الحاجيات و الأولويات و إعداد السياسات و تقييم الإستراتيجيات …إلخ.
—- عقلنة و عصرنة الإستثمار في قطاع التنمية الحيوانية بالإستفادة من الدراسات الحديثة و التجارب الناجحة في المجال.
—- الإستغلال الأمثل لمقدرات القطاع الحيواني و مخرجاته ، بمباشرة الصناعات التحويلية و اعتماد سياسات تعمل على تثمين المنتوج الحيواني .
—- التفكير في زراعة و تصنيع الأعلاف و التنظيم الدوري المستمر لحملات فحص و تلقيح و تحصين المواشي ضد الأوبئة .
—- نزع المحميات الرعوية و توجيه مخصصاتها من أعمدة و سياج لصالح المزارع و الواحات .
—- إعداد خطة متكاملة لإستصلاح الواحات و الأراضي الزراعية و السدود ، و إدخال المكننة في القطاع الزراعي .
—- إعداد خارطة مياه ترصد جميع نقاط المياه بالولاية من سدود و مستنقعات و اودية مستغلة و غير مستغلة ، لجمع قاعدة بيانات يرجع إليها عند الحاجة .
—- تكوين العاملين في القطاع الزراعي على جميع التقنيات المستخدمة في جميع المجالات الزراعية الرامية إلى تحسين و زيادة الإنتاج و تطويره كماً و كيفاً .
—- مواكبة المهندسين و المرشدين الزراعيين للمستثمرين و العاملين بالقطاع بالتأطير و التكوين المستمر في كافة مراحل الإنتاج ، من الإستصلاح و البذر و الرعاية إلى الحصاد و التخزين و التسويق .
—- مراعاة احترام جميع التخصصات لأصحابها لتكون النتائج مضمونة .
و ختاما اسمحوا لي قد أكون أطلت عليكم لكن تنمية ولايتنا تستحق أكثر.
النهاه ولد احمدو
46442289