يقوم وزير الداخلية محمد سالم ولد مرزوك هذه الأيام بجولة في بعض ولايات الوطن، سيطلع خلالها عن قرب على الأوضاع المزرية للسكان -إن لم تغيبه حفاوة الاستقبال الرسمي- و مقارنتها بما يكتب له ولاته على الأمصار.
و هي زيارة منتظرة تأتي بعد أحداث اركيز الأخيرة التي رفعت صوت المواطن عاليا للمطالبة مرة أخرى و أخرى … بتوفير الماء و الكهرباء و الصحة والتعليم والأمن و خفض الأسعار و شق الطرق، و بالعدالة و المساواة و نبذ العنصرية و الشرائحية، و بإلغاء المحسوبية والزبونية في الولوج إلى الوظيفة…
ولا شك أن ولد مرزوك سيصغي باهتمام لتلك المطالب، فهو مخضرم سياسي تتقاسمه حركتا الحر (أخوك) والكادحين (MND) اللتين شكلتا متنفسا سياسيا في مرحلة مفصلية من تاريخ البلد لجيل عريض كان ينشد الدولة الوطنية، وقد عبر من خلالهما عن أمراض المجتمع و معاناته بهدف التغيير و إصلاح ما أفسده التاريخ و الاستعمار .
و قد كان لهاتين الحركتين و غيرهما دور لا يستهان به في تسريع وتيرة التحول الديمقراطي للبلد، ذلك التحول الذي سيضرب أغلب الحركات السياسية في الجوهر؛ حين تنجح الدولة العميقة في استقطاب بعض أبرز المناضلين الطيبين و الشرسين ليتم تدجين جماعات و إعادة أخرى إلى حظيرة القبيلة.
و ليس محمد سالم ولد مرزوك إلا أحد رجالات الدولة الذين استوعبتهم الأنظمة في وقت مبكر فأعطاها من الولاء والإخلاص مثلما أعطته من المناصب والمكاسب.
و اليوم يتربع على وزارة الداخلية، و هو يحمل في جعبته تاريخ سياسي كبير و متنوع تماهى مع جل الأنظمة المتعاقبة كأغلب سياسيي موريتانيا الذين يذوبون في كل نظام كما يذوب السكر في الماء.
إنه كوكتيل من بقايا ولاءات حركية إيديولوجية، و بقايا سياسية براغماتية لنظام ولد الطايع و عزيز مع تجربة “غنية” على رأس منظمة استثمار نهر السنغال إضافة إلى انتماءات قبلية و صداقات مدرسية تجعل ما يقوم به من نشاطات محل تساؤل..!
حيث يظهر الوزير محمد سالم ولد مرزوك في كل مناسبة كالشخصية المرجعية التي تمسك كل الملفات في كناشها المثقل بالهوامش و المشاريع المفرغة من محتواها.
و بهذه النجومية و قوة الحضور فإن النظام إما :
-يعيد لوزارة الداخلية استئسادها أيام الأنظمة العسكرية؛ و في ذلك انتكاسة ديموقراطية بشعة.
-أم أنه يقوم بعملية تجميل سياسي للوزير تعده لأمر ما.
فهو حسب النظم الهيكلية لوزارته بات يتجاوز صلاحياته ليدخل الحيز الإداري لقطاعات أخرى.
و هو حسب النظم العرفية للمجتمع يعزف عدة أوتار حيث يغازل القبائل و يحدثها بما تفهم و يتقاطع مع الحركات الآنفة الذكر في أكثر من نقطة.
و بهذه الأنشطة المستفزة للمغبونين والهالة الإعلامية التي تغطيها و تسوقها في ظل تردي الخدمات الأساسية بات التساؤل عن الأسباب مشروعا :
-فهل هو مجرد استغلال للنفوذ و تغول على وزراء آخرين بفعل طول التجربة و الصداقة و الزمالة و الجيرة مع الرئيس “محمد ولد الغزواني”؟
-أم أن وراء الأكمة رجل أسمر يحضر ليخلف صديق الطفولة كما خلف ولد الغزواني صديق البذلة و الرتبة…؟
-وإن كان كذلك فهل سيكون ولد مرزوك مؤتمنا كما كان عزيز يعتقد عن خلفه ؟
-أم أن له عشير سيستلمونه و يوجهونه صوب ما يريدون؟
مجرد تخمينات أملتها الخطوط الحمراء لطائرة الوزير.