كيفه : أزمة الخطاب الحقوقي في موريتانيا/ أحمد سيد مولود

أزمة الخطاب الحقوقي في موريتانيا.
خلال العقود الماضية كانت الشرائح المغبونة في موريتانيا تعيش في أجواء سياسية واجتماعية هادئة، لا يشوبها شحن عرقي، ولا تحريض فئوي، فهي ما بين: شخص راض عن حاله ولا يشعر بظلم ولا بغبن، أو آخر يشعر به لكنه صابر ومحتسب ولا يميل إلى التصعيد السياسي، أو ثالث متجاهل للواقع، وغير مهتم بالماضي.
وقد ظل الخطاب الحقوقي في البلاد تطبعه المسؤولية ويسوده الاتزان، إلى أن ظهرت حركة “إيرا” فأحدثت زلزالا سياسيا واجتماعيا بخطابها الإعلامي الحاد المشحون بالعبارات العنصرية والفئوية، والذي كاد يفكك النسيج الاجتماعي بما خلقه من شكوك وهواجس بين مكوناته.
وقد تزامن هذا الخطاب مع انفتاح ديمقراطي وانفلات إعلامي أحدثه تحرير الإعلام السمعي البصري، وما صاحبه من ثورة المعلومات وظهور مواقع التواصل الاجتماعي التي لا يتورع بعض مستخدميها عن التهويل والإثارة حرصا على الشهرة وجلب القراء ولو كان ذلك على حساب السلم الأهلي والأمن القومي.
وأخطر ما في الأمر أن الشعب لم يكن مهيئا لهذا الخطاب الحاد، فجرفه هذا السيل الهادر بشكل مباغت، مما أربك الدولة وصدَّع تماسك النسيج الاجتماعي.
صحيح أن حركة إيرا أحدثت وعيا وطنيا بالواقع المزري لبعض الفئات المغبونة تاريخيا، وهذا أمر يحسب لها، لكن هذا الوعي كان ملفوفا بخطاب حاد تطبعه الكراهية والتحريض الهمجي على بقية مكونات المجتمع الأخرى، الأمر الذي بات يتطلب من الحركة وبشكل ملح أن تراجع سلوكها ومنهجها السياسي الذي خيم بظلاله على البلد وجعله يعيش في جو قاتم يطبعه التأزيم والتسخين السياسي الملغوم.
إن حركة إيرا ليست بدعا من الحركات السياسية التي لا تفتؤ تراجع خطابها الاعلامي ومنهجها السياسي من حين لآخر، تنقحه وتهذبه وتحذف منه وتضيف.
من كان صادقا في التعاطف والتضامن مع الفئات المغبونة تاريخيا، فعليه أن يُعلم جاهلهم، ويُعالج مريضهم، ويُعين فقيرهم، ويَمد إليهم حبال الأخوة والمودة، ويجنبهم مآسي الحروب الأهلية التي تزيد الداء علة.
إن نبش ملفات الماضي الحزين لن يترتب عليه إلا نكء الجراح، وزع الأحقاد، وإيغار الصدور، واتساع الفجوة بين المواطنين، وهو ما ينعكس سلبا على الوحدة الوطنية والأخوة الدينية.
إن أكثر السياسيين والحقوقيين توظيفا للمظالم التاريخية لهذه الفئات هم أقلهم نفعلا لهم من الناحية العملية.
إن مشكلة هذه الفئات ليست في استرجاع ذكريات الماضي الحزين، بل في التخطيط لإصلاح الحاضر والمستقبل.
وإنه لحري بالسياسيين والحقوقيين أن يدركوا أن توتير الأجواء السياسية في هذه الفترة لا يخدم البلد، خاصة أننا في ظل نظام تصالحي تزامن وجوه مع وباء لا يميز بين مُوال ومُعارض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى