. أما القوة، فورثها عن أبيه محمد محمود، فمن قوة محمد محمود قصة متواترة، تقول إنه كان في وفود الأقلال إلى المغرب لجلب السلاح لقتال الفرنسيين، وكان معه والده سيدينا (سيدي بن الغوث)، فنزلوا بقوم، يبدو أنهم كانوا لا يقرون الضيف، فأشاروا لهم إلى ناقة، أنهم وهبوها لهم قرى لهم، وكانت الناقة من القوة والسرعة بحيث لا يمكن القبض عليها، ولا نحرها، فحاول الوفد القبض عليها، فأعيتهم، أشار عليهم محمد محمود أن يردوها بحيث تمر قريبا منه، فعلوا، فلما قربت منه أهوى بيده إلى خاصرتها، فلما مسها بركت، فنحروها، فلما سلخوها وجدوا أثر يده في خاصرتها. وكان بمحمد محمود يومئذ مرض جلدي، فكان يمسك عليه دراعته بيد، مخافة أن يكتشف، وأهوى على الناقة بيد واحدة. وسمعت الوالد يقول إنه كان مرة متكئا على الخبطة، ومهره ابن الرقيطاء مربط في طنب البيت (خالفته)، فانقطع رباط، فر هاربا، فوثب محمد محمود في أثره، فأدرك عجزه بمرفقه وما يليه من ساعده، فانقلب على عقبيه، وكاد يسقط، فربطه في الطنب.
ولم أر ما يدل على قوة سيدي، فقد أدركته وقد اكتهل، لكني سمعت ابن خاله عبداو بن محمد المهدي بن مكي، وقد حج عندنا في العام الذي قبل وفاته، فلما رآه، كان يتعجب،
ويقول: “لا إله إلا الله، يذاك من القوة والفتوة والجمال”، يريد أنه كان كذلك في شبابه. والقوة في آل الغوث مما هو معروف ومتعالم عند أهل الطالب جدو كافة، بل عند القبائل التي تجاورهم في الرقيبة وأفَلَّ. وقد أوتي مع الحزم والقوة، وقوة الشكيمة التواضع، والبساطة، والزهد، ونقاء السريرة، وسلامة الصدر، فلم يكن يحمل حقدا على أحد، وما أكثر ما رأيته يذبح الشاة، ثم يعمد إلى قلبها، فيشقه، ليرينا أنه نقي، وليس فيه ما يكون في قلوب الدواب من العَلَق، يشير بذلك إلى ما هو مشهور في الثقافة الشعبية من أن من ذبح الشاة، وكان حقودا، فشق قلبها، ظهرت فيه علقة سوداء، فإن كان نقي القلب، لا يحمل حقدا على أحد، لم يظهر فيه شيء من ذلك، وقد رأيت منه ذلك مرارا، فما رأيت فيما شق من القلوب إلا قطرات من الدم يسيرة، وما رأيت في قلب من القلوب التي شقها أمامي، مذ عقلت، عَلَقًا قط، وإن قلَّ، بغض النظر عن علاقة ذلك بما في القلوب. ونقاء قلبه وخلوه من الحسد والحقد حقيقة، يعرفها منه كل من عرفه، ومن آثارها ما كان ما يقول دوما: إن الله -تعالى- لن يعذب به أحدا من خلقه؛ لأنه عفا عن الناس جميعا، والله -تعالى يقول: (فمن عفا وأصلح فأجره على الله)، ويقول: (والكاظيمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين). وقد حدَّث بذلك يوما أحد رجال القبيلة، فعجب منه، وقال له: أما أنا، فلا أعفو، ولا أعجب إلا ممن يعفو، فقال له الوالد: ماذا أصنع بعذاب الناس؟! وقد سمعت ذلك الرجل يوما يقول عبارة الوالد هذه (ماذا أصنع بعذاب الناس)، وقد سأله قريب له العفو، فعفا عنه، وأرجو أن يكون ذلك من تأثير الوالد فيه وحدثني الشيخ محمد عبد الرحمن بن يطول عمره (آل محم)، أن أباه يطول عمره بن محمد عبد الرحمن، لما حج دعاه الوالد إلى مأدبة، فاجتمع عليه الناس، يستفتونه، وكان يطول عمره -رحمه الله- فقيها، فجلس الوالد خلفه، فكان يقول -إذا أفتى يطول عمره- رافعا صوته: ذاك شيء تعرفه أنت، يريد أنه عالم، جدير بالفتيا، قال محمد عبد الرحمن: وكان قصد سيدي بن محمد محمود بذلك إظهار فضائل يطول عمره في الناس، وتعريفهم منزلته في العلم، فما حسده، ولا رأى أن في معرفة الناس قدره غضاضة. وكان سيدي بعيدا من أن يحسد، أو يجد في نفسه من ظهور فضائل غيره، وكان -من حبه القبيلة- يرى ظهور فضل يطول عمره وأمثاله مأثرة من مآثره هو. وأذكر أن جارا لنا في الحي -كان صديقا له- كان يبغض طرق التصوف، قال له مرة، وهما في مجلس: أنت تيجاني….. يتواصل
ﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﻛﺘﺒﻬﺎ ﺍﻟﺒﺮﻓﺴﻮﺭ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﻣﺨﺘﺎﺭ ﺍﻟﻐﻮﺙ،
ﻭ ﺃﺭﺳﻠﻬﺎ ﻟﻠﻤﻮﻗﻊ : ﺳﻴﺪﻱ ﻭﻟﺪ ﺍﻟﻐﻮﺙ