. فرثاه الشيخ زايد الأذان بن الطالب أحمد (أهل التاگاطي) بقصيدتين، إحداهما من الشعر الفصيح، هي
جرَى القَدَر المقدورُ قِدْمًا يـُقدَّرُ إذا شـاءَ رَبي، أو يـزيـدُ فيُـعْمِـرُ
هو الموت لم تُفْلِت حـبائلُه الفتى ولا الشيخَ، طال العـمر، أو كان يَقْصُرُ
دعتـكَ المنايا فاستـجبتَ حمامةً، وقـد كنتَ ليـثًا في المُلِـمَّات يـزْأرُ
وقد كنتَ يا سيدي بعيدا عن الْخَنا ولكـنَّمـا أخـنى علـيك المـقـدَّرُ
قصدتَ جوار المصطفى خيرَ موئلٍ؛ مـتى هَمَّ حِـبٌّ بالحبـيبِ يشـمِّـرُ
شددتَ الـرحال، والعشيرةُ كلُّها تناشـدك البـقا، عـزيزا تُـؤمَّــرُ
وقد كنتَ في عـزٍّ ومجـد مؤثَّلٍ، فأبـدلتَ ذاك الـعـزَّ عـزًّا يُعـمَّرُ
وهـأنتَذا جـاراً مقيـماً مخـلَّداً بطـيب شـفـيعِ المـذنبينَ تُعَـطَّـرُ
لئن صرتَ مقبورًا فقد عشتَ أزْمُنًا نبيلاً كـريما، ذا محـاسـنَ تُـذْكَـرُ
تركتَ لنا ذكـرى المحـبةِ والنَّقا، وحـبَّ الفقير، يا الحكـيمُ المـوقَّـرُ
ولو كان منجًى من مصيرِك، لم يكن نبـيُّ الهـدى خـيرُ الـبريةِ يُقـبَرُ
ولـكنَّه الـدربُ الممـهَّد دائمـًا فيسلكُه الرِّعـديـد ثم الغـضنـفرُ
عليـك مـن الله الكريم شـآببٌ مـن الرَّحـَماتِ دائـما تتـكـرَّرُ
ونوَّر قـبرًا قـد غـدوتَ نزيـلَه بنُـور مـن الرحـمنِ لا يتـكـدَّرُ
وصـلَّى على المختار ربيَ سرمـدًا صلاةً بها تُمْـحَى الـذنوبُ وتُغْـفَرُ
والأخرى من الشعر الحساني، هي
ماتْ شِيـخْ مْـرُوِّتْ لِگبيلْ ماتْ، واگْطعْ مِنُّ لَحْبالْ
ماتْ شِيخْ النِّخْـوَ لِفْضِيلْ ماتْ لَيْثْ ارْجِيلْ أَفِلالْ
غـابْ عَـنَّ وِجْـهُ، يَغَيرْ ما يْغِيبْ مْنِ النَّاسْ اكْبِيرْ
شـانْ، رَادُ فـاتْ القَـديرْ فيهْ دُونْ عْـمَايِمْ لَبْدَالْ
ولا تْغِيبْ الدَّرْجَ والخـيرْ ولا يْغِـيبْ اكبيرْ أزَگَّالْ
مـا اتْلَ في الْحَيِّينْ اليُـومْ حَدّْ كِيـفُ، خِيمُ مَعْلُومْ
مـا يْرِدّْ، وْگَـوْلُ مَحْتُومْ ولا يْخَافْ في الدينْ الگالْ
عادْ وحْدُ، واسْوَ في الگَوْمْ، ذاكَ واحـدْ عَنْدُ، مُحَالْ
ما يْـرَاعِ مـاهْ القيُّـومْ ولا يْخَافْ مْن الناس خْبالْ
ماتْ سِيدِي، حَسْبُونَ اللهْ غَيْرْ يَسـْوَ، خَـلَّ مُـرَاهْ
كِلّْ مَـدْحْ افْلَفَّامْ، وجاهْ بَيْنْ كِلّْ مْنـازِلْ لَقْـلالْ
ذاكَ حَگّْ اگبالْ، وْخَلاَّهْ زادْ جِدّْ لْجِـدَّكْ فِـگْفَاهْ
يَكْـبِيرْ التِّخْـمَامْ، اللهْ لا تْشَـوْفْ فْـذَاكْ المجالْ
ماهْ بَـرْدْ وْسَلامْ، ابْجَاهْ يا الله الرِّسْـلَ بِـكْمَالْ
يا الرَّبّْ الْطِفْ بيهْ؛ أراهْ عادْ عَبْدَكْ سِيـدِي يِنْگالْ:
ماتْ شِيخ مْرُوِّتْ لِگْبِيلْ ماتْ، واگْطَعْ منُّ لَحْبالْ
ماتْ شِيخْ النِّخْوَ لِفْضِيلْ ماتْ لَيْثْ ارْجِـيلْ أَفِلالْ
كان -رحمة الله- تقيا، نقيا، ورعا، شديد الحب لله، شديد الحب لرسوله، جميل الخلْق والخُلق، حسن الصوت، إذا قرأ القرآن، أو قصَّد (ترنَّم بالشعر)، أبكى، وكان -إلى ذلك- أبيا، شجاعا، فتيا، قويا، ورث القوة والفتوة عن أبيه، وكان أشبه الناس به خلقا، وكان صائدا ماهرا (خبَّاطا)، لا تفارقه بندقيته، إذا سافر، ولا يضعها عن منكبه، وكان حازما. سمعته يقول إنه كان مرة في سفر في الشمال، فوجد حيا من العرب، يظعن من داره، فسألته عجوز منهم أن يعين رجالها على حمل خيمة، كانوا يريدون حملها على بعير، فلما هوى ليحمل جانبا منها، قالت له: ضع البندقية؛ لئلا تعوقك عما تريد، وأَلَحَّت عليه أن يفعل.
فقال لها: لن تُحدِّثوا بذلك!
قالت: ممن أنت؟
قال: الأقلال.
قالت: “ماهِ كذب”، أي: صدقت!
تريد أن ما أبدى من الحزم يليق بالأقلال؛ فليسوا من قبائل الزوايا التي يسهل أن تخدع، وأراد إذ قال لها: لن تحدثوا بذلك أنهم لن يحدثوا بأنهم خدعوا رجلا من الأقلال عن بندقيته وقتلوه بها. وكان ذلك الحي معروفا بالغدر. وكان الحزم طبعه في حياته كلها.
معلومات كتبها البرفسور الدكتور مختار الغوث،
و أرسلها للموقع : سيدي ولد الغوث