كيفه : مقال يعالج معضلة الطبقية المُعيقة للزواج/

لا يخفى عليكم أننا نعيش في عصر كثرت فيه المغريات التي تدفع الشباب والفتيات إلى الوقوع في مستنقع الفساد ومنكرات الأخلاق، حيث تنوعت وسائل الشر وانفتحت زهرة الحياة، وسهل التواصل مع العالم الخارجي، وترك الحبل على الغارب باسم الحرية والديمقراطية، حتى ضعُفت الغيرة واضمحل الحياء، وأصبح الحرام أيسر حصولاً من الحلال وكثرت الجرائم وفسدت الأخلاق وأهملت الواجبات، وهو ما بات يتطلب منا تسهيل الزواج ومحاربة العادات الاجتماعية السيئة التي تحول دونه، وذلك بتلبية الخطبة دون التحفظات الجاهلية التي لا مسوغ لها شرعا، امتثالا للأثر «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ: مَنْ بَلَغَتْ لَهُ ابْنَةٌ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُزَوِّجْهَا فَرَكِبَتْ إِثْمًا فَإِثْمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ».
وانطلاقا من قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ» وقوله «أَنْتُمْ بَنُو آدَم،َ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهم بِأَقوَامٍ، إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جهَنمَ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَن عَلَى الله مِنَ الْجِعْلاَنِ التي تَدْفَعُ بأَنْفِهَا النَّتْنَ» وقوله «إنَّ أَنْسَابَكُمْ هَذِهِ لَيْسَتْ بِسِبَابٍ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنَّمَا أَنْتُمْ بنوا آدَمَ طَفُّ الصَّاعِ لم تملئوه، لَيْسَ لأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ فَضْلٌ إِلا بِدِينٍ أَوْ عَمَلٍ صَالِحٍ..» وقَوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعْضُوهُ بِهن أَبِيهِ وَلاَ تُكَنُّوا» وقد قَالَ: أبو ذَرٍّ رضي الله عنه: إِنِّى سَابَبْتُ رَجُلاً فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم «يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ» متفق عليه، وفي الأثر «الناس سواسية كأسنان المشط…».
ومن المعلوم أن الله أدخل أبا لهب النار وكرم بلالا بالجنة حيث قال متوعدا عم النبي صلى الله عليه وسلم (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) وهو ما يعني ضياع النسب، كما قال الإمام علي.
وامتثالا لهذه التوجيهات الربانية زوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنة عمه زينب بنت جحس لزيد بن ثابت، وأمر فاطمة بنت قيس أن تنكح أسامة بن زيد، وصحَّ أن بلال بن رباح تزوج هالة بنت عوف، وعرَض عمر رضي الله عنه حفصة على سلمان الفارسي قبل أن يتزوجها النبي، وكلهم نساء قرشيات، وكان هؤلاء الرجال من الموالي، أي أرقاء سابقون.
وذُكر أن زين العابدين بن علي زوج أمَّه من مولىً له، وأعتق هو أمة فتزوجها، فأرسل إليه عبد الملك بن مروان يلومه في ذلك، فكتب إليه (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) وقد أعتق صفية فتزوجها، وزوج مولاه زيد بن حارثة من بنت عمه زينب بنت جحش.

سيدي ولد أحمد مولود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى