كيفه: رسالة إلى رئيس الحمهورية تطالب بالإنصاف في أرض “اتفيتنات” ، ممزوجة بأمثلة من أقضية علماء الشناقطة

نص الرسالة:

صرخة سكان اتفيتنات: الإنصاف يافخامة الرئيس

بسم الله والحمد لله

رسالة مفتوحة من اهل اتفيتنات الى معالى وزير الداخلية ومن خلاله إلى  الرأي العالم الوطنى

معالي وزير الداخلية واللامركزيه:

تابعنا بإهتمام كبير ردود معاليكم  فى لقائكم الاخير مع نواب الجمعية الوطنية حول موضوع  ( اتفيتنات ) : ومن أجل إنارة الرأي العام  حول هذه القضية من جهة وإطلاع معالي الوزير علي معلومات غابت عنه من جهة أخرى نقدم لكم هذا التقرير  الذي يحتوي على الأدلة الشرعية والقانونية للحيازة مشفوعا ب صور مادية ملموسة

وذالك من خلال  الملاحظات  الفقهية و القانونية التالية :

أولا : الجانب الشرعي

– فعلا علاقة الانسان بالعقار علاقة معقدة ولكنها علاقة حدد الشارع معالمها و حدودها وكيفيتها.

– يتعرض الفقهاء في مجال حديثهم عن أحكام الأرض الفقهية، لكيفيات الاستثمار والإعمار التي يقبلها الشرع ويخصها بتنظيم واضح.

– حدد الشارع مجموعة من الامور تعد حيازة و من هذه الامور الآبار التي تعد حيازة شرعية يتم بها الملك وقد كان للشناقطة الدور البارز في هذا المجال ولا أدل على ذالك من كثرة تآليفهم في الموضوع ومنها مثلا كتاب إخبار الأحبار بأخبار الآبار لامحمد ولد احمد يورة الديماني الابهمي وكتاب معين الناظرين في أحكام الارضين للفقيه محمد ولد حمينه اليدالي ورسالة في أحكام الأرضين للفقيه محمد سالم ولد المختار ولد ألما اليدالي ورسالة في حريم الآبار للفقيه محمد عبد الله ولد عبد الرحمان ولد البشير المالكي .

– ومن أدب النزاعات العقارية القديمة نزاع على أراضي وادي بحيرة اركيز  بين احدى القبائل وادوعلي فتداعى الخصمان إلى القاضي محمذن بن محمد فال فحكم بصريح اللفظ أنها ملك لأحدهم استدلالا بدلائل فقهية متعددة منها ” السكني الدائمـة ومنهـا الـتـعـارف المتواتر” وقبل ذالك أنشد أحدهم قصيدة منها :

فإن هذا البـحـر بـحـر لنـا :: قد اشتريناه زمانـا مضى

ثم  ادعـى قبائـل مـلـكـه  :: لما رأوا ديـــــــن الإله انقضى

فاردعهم خشـيـة أن يـدعـى  :: غيضة أسد الغاب أسد الغضا واقـض بمـا كنـت بـه قـاضـيـا :: فما لهم إلا الرضى بالقضاء

– وبما أن الملكية العقارية تفرض وجود مجالات محجوزة ومعرفة وتقوم على تدقيق صارم في المساحة والكم؛ فإنها تتنافى بالإطلاق مع أسلوب الحياة البدوية الذي لا يعرف أصحـابـه الاسـتـقـرار ، والذي يـجـعـل تـتـبـع أماكن الماء والمرعى، ضـرورة حـيـويـة لا مناص منها، وعلى هذا الأساس تكون حدود الملكيات الأرضية الجماعيـة غـيـر ثابتـة القـدر في أغلبها ومائعة المعالم والتفاصيل في الأذهان والعيان. ولهذا السبب تطالعنا في وثائق العـقـارات اخـتـصـاصات أو دعـاوی مـلكـيـات كـثـيـرة يذكـر فيها الموثقون حدودا لأراضيهم جد مبهمة وغامضة. فنراهم يكتبون تارة “أن أرض أهل فلان، تنتهي من الجـهـة كـذا حيث تنتهي المنفـعـة”، وتارة أخـرى “أن بني فـلان لهم الإنتـفـاع بـالمكان الفلاني شرقا ” ويبدو أن القصد من هذا التقدير العشوائي يعني في دلالته الاقتصادية أن الحفاظ على ملك أرضي منتج يقتضي نقل حدوده من مستوى الكم والمقدار إلى مستوى الغاية والمقصد. ومعروف أن هذا التحديد له مبرره الواضح في أرض البداة السائبة التي تظل مشروطة بتقلبات المناخ والبيئة القاسيين وبالرغم من هذا التعارض الواضح بين مفهوم الاختصاص ولا حدية المجال، فقد استمر عمل الفقهاء الموريتانيين طيلة القرون الماضية، على اعـتـبـار صـحـة تملك الأرض بالإحـيـاء والحمى والتعارف والإضافة، وهي طرق في الاختصاص تتأتى كلها بواسطة أسباب متعددة ومتباينة في حجيتها الشرعية والعرفية وقيمتها التوثيقية، وإن كانت تعتبر عندهم كلها من قرائن الأحوال التي يقضى بها في الشرع فكثيرا ما تبسط قبيلة سلطانها على منطقة معينة لأن بها آبارا قديمة حفروها ، أو عندها مدافن أسلافهم وأهليهم، أو كانت محط نجعتهم مصيفا أو شتاء، أو بمواضعها ومرابعها تغنى شعراؤهم (وهذه كلها من قرائن الأحوال التي يقضي بها في الشرع إذ القرينة القوية تقـوم  مقام البينة ) أو هي حريم لقراهم و أحياءهم أو سكنوها في قديم الأزمان .

– ولقد ذكر محمد مختار بن عبد ال (اللام مغلظة) في رسالة فقهية كتبها في شأن اختصاص مجموعته بمجـال مـن الأرض معين ورد ذكره في أشـعـار شـعـرائهم، وحـدد فـيـهـا الأسباب التي جعلتهم يسكنون المنطقة الغـربـيـة من “إيكيـد” ويحوزونها ملكا واختصاصا ما نصه: “ومن القرينة على أن تلك الجـهـة لـهـم (يعني بالضـمـيـر مجموعة “بنى يعقوب” ) أن “ولد الطلبه”” لم يذكر في شعره غير تلك الجهة، ولم يطلب السقي إلا لها حين قال:

لمـن الـديـار عـفـون بالنمجاط ::  فالملزمـيــن كـمـنـهـج الأنماط فربی اندوشت فذي الحديـج  فذي ذوي ::  منـة سـقـاهـا واكف الأشراط

وسقى منازلنا على البئر التي :: من عن شمائل ربعتي شنشاط .

ولقد ذهب جل فقهاء البلد إلى اعتبار هذه الدلائل أو القرائن على الأصح في إثبات تملك الأرض، وأقروها شواهد وبينات على الاختصاص، فكثرت فتاواهم وأقضيتهم في هذا الصدد ، وحكموا لمدعيها حتى بشهادات السماع وقرائن الأحوال.

– ويذهب محمدو بن البراء في اعتبار الملكية القبلية للأرض بواسطة الإحياء والحمى والتعهد بالسكني إلى درجة إنشاء قـصـيـدة طويلة تصل إلى خمسمائة بيت” من البـحـر الطويل؛ بين فيهـا مـلاك آبار ومزارع وعقل منطقة “إيكيـد”، وأشار فـيـهـا بصريح اللفظ تارة، وبخـفـيـه تارة أخرى، إلى أسباب الاختصاص التي تملك بها الأرض. وتعرف هذه القصيدة محليا باسم اللامية البادة في الآبار” يقول فيها مشيرا إلى سبيل التملك بالإحياء والعمارة:

ويـا حـبـذا ذات المساجـد :: إنـهـا مساجـد نصر الديـن ديـن المجـادل

وشيـد فـيـهـا الخمـس أركان دينهم ::  وآبـارهـم إذ ذاك مقدار  حائل

 ويقول أيضا مشيرا إلى سبيل التملك بالسكن وشعر أبناء القبيلة:

هي الـبـيـر ذات الـيـم بيـر خـضـارم :: بـحـور عـلـوم مـا لهـا مـن سواحل

 وقد ذكرت ذات الكلاب” ودورهـا :: بدر نسيـب من نسيـب الأفاضل

ويقول :

وقد كان ذو الأشجار” في الصيف عادة :: محل عزيــــــــب الأكرمـين الأفاضل

 ولا تنس بالنعمان والغـور بـالـه ::  وتبـر قـريـض عـاقـلـي و فاضلي

– وفي نفس الاتجـاه تأتي شـهـادة يحظـيـه بـن عـبـد الودود في تحديد أراضي مـجـمـوعـة “إيداتفـاغ” التي ثبت عنده تملكهم إياها ، فـيـصـرح و يقول ما نصه: الحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين أما بعد فقد أمر الله بأداء الشهادة ونهى عن كتمانها عباده وأن الكاتب الذي هو يحظيـه بن عبد الودود يشهد أن ما بين تنبرار” والجهة الشرقية من معطن “تندكسم” من المناحر و”تيجكاتن” و”المحرد” و”أبي الغضي” وسر بذلك مـجـوفـا إلى “بوطين” و”انتوطفين” و”تنضب” و”بونبـيـبـيغ” و”اندصـد” و”تنوارل” (اللام مغلظة) وغير ذلك مما دخل في الـعـمـوم ولم يسم. ومن الجهة الغربية “انعيمات” و”تن يصداد ” ” وثم آبار بين ذلك منها “تن ديله، ملك لإيداتفاغ وراثة كابرا عن كابر وإحـيـاء بالحفر والزراعـة وأكل المرعى وقطع الشجر والسكنى والرجوع إلـيـهـا من السفر ولا تحل إلا بإذن منهم إلا وتغـيـر الخواطر ولا أعلم لهم منازعـا فـيـهـا ولا خروجا عن يد والسلام.”

– وإذا كانت الأحكام بثـبـوت الأملاك الأرضيـة ببينات السماع الفاشي والتـعـارف كـثـيـرة الورود عند الفقهاء فإنهم كثيرا ما يلغون اعتبارها إذا تعارضت مع بينات الحيازة والإحياء ولو تقوت الأولى بقواطع البينات وشواهد العيان. ويصور السؤال الموجه إلى الفـقـيـه أحمد سالم بن ألفخ عـبـد الله الأبـهـمي” نموذجـا لـهـذا الـتـخـصـص أو الإلغاء الذي يحدث بين أنواع الملك والاختصاص. ونصه: “سؤال في رجل وجد بأرض يسكنها ويحوزها بإحياء من جده ، وتنسب إلـيـهـم مـدة ثمانين سنة وهذه قـواطـع الـبـيـنـات بـهـذا كله هل يكفي هذا من ثبوت الأرض له أم لا ؟ وإن قلتم يكفي فهل إن قام عليـه قـائـم يدعي في الأرض المذكورة من جهة أن “سـيـفـة” الحائز أسقط له الدعـوى فيها ومن جهة أن بعض القضاة كتب له فيها بما لفظه: “ثبت عندي أن الأرض الفلانية من كذا إلى كذا ملك لبني فلان ما زالوا يتوارثونها كابرا عن كابر حتى الآن” يضر ذلك في ملكيته لها أم لا ؟ الجواب أن هذا القدر من الحيازة بعد الإحياء كاف في اختصاص الحائز المذكور وملكيـتـه للأرض المذكورة. وإن دعـوى القائم المدعي عليه في الأرض ولو أثبتها بقواطع البينات لا تضره شيئا في ملكيته تلك الأرض لأنه أي القائم حصر فيها دعواه فليس له الانتقال عنها ولأنه ليس في الإسقاط ولا في لفظ “ثبت” حجة” أما الملك بالشراء فقد كانت له هو الآخر شواهده الكثيرة سواء من الوثائق المحفوظة، أو من المرويات المتواترة على ألسنة الناس. ومما يلفت الانـتـبـاه في هذا الصدد أن كل الأماكن التي اطلعنا على وثائق شرائها ، أو سمعناها مـشـافـهـة من أفـواه مـخـبـرينا ، تتفق في تحديد الثمن بأربعين أنثى مـن صـغـار الـبـقـر (أربعين تبـيـعـة أو جـذعـة أو بنت لـبـون). وهذا مـا يقودنا إلى التـسـاؤل عـن السـر فـي اعـتـبـار هـذا العـدد بالذات، هل لأنه هو الثمن المتـعـارف عند السكان المحليين لشراء الآبار وأودية الزراعة؟ أم أنه عدد له دلالته الرمزية الخاصة به في الثقافة الشعبية كما هو الشأن في بعض الأعداد الأخرى؟.

– وبالنسبة لحريم الآبار فهو من الامور التي أسهب الفقهاء في الكلام عنها و أشبعوها بحثا  فيـقـول مـحـمـد بـن حمـينه اليدالي: “أن فـيـافي الآبار في البدو ملك لأهل تلك الآبار لظواهر سـتـذكـر إن لم تكن نصـوصـا. منـهـا الإحـيـاء الذي تقـدم أن المرجـع فـيـه العرف… وما هو كذلك يدور فيه الحكم بدوران العرف. وذلك أن المقصود الأعظم عند أهل البـدو من الأرض، هو المرعى لمواشـيـهـم قـبـل هذا البرزخ ؛ لا مقاصد الحضر من غرس وبناء دور إلخ. وأكثر ما يكون المرعى في الفيافي. فقصد الناس لها عند الحفر، وسكني الهـمل مـن مـواشـيـهـم فيها ، وتشييع غير الهمل، ومقامهم في تلك المواضع التي تضاف إليهم فلا يولونها الأدبار إلا متحرفين لخوف أو مـتـحـيـزين لطمع في مرعي، وحنينهم لها بأشعارهم العـربـيـة وغيرها ، معان متقاربة للتملك وحقائق عرفية فيه”

 ويؤكد ذالك محمذن فال ولد أحمدو فال  فيقول بأن الحريم هو المكان الذي تصل إليـه المواشي الذاهبـة مـن البئر، فمن أراد أن يحفر في ذلك المجـال فـقـد غـصـب مـا ليس له ويجب منعه مطلقا وقد علل ذلك بأن أصحاب هذه الآبار الذين يسكنون عندها ، لم يتوطنوها إلا لغرض التنمية ولذا حفروها بالحجارة لتخولهم السقي المستديم. ، كما لم يسعوا ولو مرة- في بناء الدور والتحضر الفعلي، ولم يحاولوا الحرث وما أشبه ذلك، وما غادروها قط إلا لغرض أو ضرورة، وكلما انتفى ذلك المانع رجـعـوا إلـيـهـا ولو من بـعـيـد. ولا شك أن هذه كلهـا قـرائن دالة على الحوز الممكن في ذلك الوقت والشرعي لتأسسه في مدركه الأصولي على مسألة العرف.

ثانيا : الجانب القانوني

– إن نظام الحيازة أو الملكية العقارية بصفة عامة وبنص المادة 27 من القانون العقاري تخضع أحكامه للشريعة الاسلامية فيما لم ينص عليه في القانون ويخضع بالخصوص لأحكام المذهب المالكي حسب نص المادة 1179 من قانون الالتزامات و العقود  .

– إن الحيازة لم يتناول تفاصيلها القانون العقاري المذكور ولا المرسوم المطبق له و إنما فقط مجرد ايحاءات في مواد متفرقة وخصوصا المادة 2 من المرسوم المطبق للقانون ولكنها مبثوثة في كتب الفقه الاسلامي وخصوصا المذهب المالكي و بالاخص عند الشناقطة.

– لقد تناول المشرع الاجرائي دعوى الحيازة بمقتضى المواد 440 و ما بعدها من قانون الاجراءات وحدد إجراءاتها كما نص في المادة 443 على أنه “يمكن لمن هو حائز بنفسه أو بواسطة غيره لعقار أو حق عيني على عقار أن يقوم بدعوى الحيازة:

إذا كان يقصد بقيامه إبقاءه على حيازته أو الاعتراف به في صورة وقوع الشغب أو استرجاع حيازة في حالة انتزاعها منه.

إذا كانت له مصلحة في صدور الإذن بتعطيل الأشغال التي قد ينجم عنها شغب لو وقع إتمامها.

إذا كان يقصد بدعواه استرجاع حيازة أو انتفاعه بها إذا تم انتزاعها منه بالقوة.

– وحيث تنص المادة 5 من قانون الالتزامات و العقود على أنه (تخضع البٌينات للنصوص المعمول بها في الوقت الذي أعدت فيه البينة أو كان ينبغي فيه إعدادها).

واعتمادا على كل هذه الأدلة الشرعية والقانونية وبعد إسقاطها على قضيتنا قضية اتفيتانات ، ومشاهدة الصور المرفقة، ستجدون -معاليكم- ، أنها تحتوي على جميع الأدلة والبراهين (من آثار وآبار ، ومساكن ) ، تجعلكم تعدلون للحق ، وتعترفون بالأحقية الشرعية والقانونية لأهالي اتفياتات .

وفي الأخير تذكروا سيادتكم أن شرع الله هو خير ما يحتكم إليه في نزاعات العباد والبلاد ،  وها هو أمامكم مبين ، فإن تعرضوا أعرضتم عن شرع ربكم ، وإن تسرفوا أسرفتم في ظلم عبيده … وويل ثم ويل لسلطان الأرض من سلطان السماء . (فاتقوا الله في أنفسكم) .

سيدي محمد ولد متار

الهاتف : 47412741

التاريخ : 14/07/2022

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى