الرجل المناسب ..!؟

عتاد المواطن في موريتانيا أن يتطلع يوم الأربعاء من كل أسبوع إلى ما تفرزه جلسة وزراء يغلب عليها التقليد و الروتين منذ الاستقلال . فيحبس المتثيقف أنفاسه لعل و عسى…. ! ثم يحشرها في كل شاردة و واردة .. تحليلا و تعليلا لما تمخض عنه المجلس .

و وراء تلك الجلبة هناك في الواقع امرأة ملها السأم و أقعدها الانتظار طويلا .. و حمال أمتعة يكاد يغرق في وحل الديون .. و أطفال حرمهم التردي من مداعبة اللوح و تهجي الحرف في قاعات الدرس .. و شعب صبور “قولنته” الفاصوليا المحلية قبل الإعلان عن المستوردة بفترة .

يجلس كل هولاء البسطاء متسمرين .. متمترسين خلف شاشة صغيرة ، صدعها التطبيل للحكام ردحا من الزمن .. ينتظرون تسمية الرجل المناسب في المكان المناسب في العهد المناسب ؛ لعل و عسى …. !

مناسب للهوى .. للطبع .. للقبيلة والجهة .. و للعمالة ..!

و عند تعيينه تسقط أحزمة المتمنطقين بالثقافة و الحداثة أولا ؛ فتتعرى نياتهم و تدحض قبليتهم وطنيتهم و يتبدد حلم المدينة الفاضلة .

يتم تعيين “الرجل المناسب” الذي لا ينفك يتقلب بين المناصب .. مع هذا الرئيس و ينظر لهذاك الرئيس .. فهو من أطر الدولة الأكفاء الذين لا يمكن التفريط فيهم ..! إنه قطب الرحى .. الصندوق الأسود و الرمز السري لكل نظام أراد البقاء .

إنه ذلك المسؤول الذي لما يزل يرسم لوحة وردية لوطن يتذيل قائمة الدول النامية، و يتصدر لائحة الحكومات النائمة عن مصالح الشعب .. الغافلة عن ترتيب الأولويات .

إنه من يصنع من تعهدات انتخابية غير قابلة للتحقق قريبا إنجازات لا أثر لها .. و يجعل واقع شعب يعاسر شظف العيش ترهات و أكاذيب مضللة .

إنه من كان ينثر كنانته بالأمس القريب في مدح هذا تملقا، و قدح ذلك تزلفا .. يلوي النصوص ليا بما يناسب الهوى و يبطش بفحش القول في كل اتجاه . و مع تقلب المناخ السياسي أبدل جلده كالحية الرقطاء و سعى بين الناس أغزر سما و أكثر فتكا .

حينها بدأ الخوف من المجهول يزحف مرة أخرى، أكثر قتامة نحو المخيلة الجمعوية، و طفق الشك يساور كل تعهد .

و بات الضمير يسبح مع المغريات و المحظورات في تيه لا ساحل له .. يغالب نفسا أمارة بالسوء .

إنه ضمير “شعب حر” حنكته ليالي الحرمان الأنفة و الكبرياء و أنضجت فيه شمس التجلد قوة العزيمة و حدة الدهاء .

و سرعانما سيتم انتشاله من الضياع و يغدو بصاحبه يستعير من المارة بعض التأوهات و من الأطفال بعض البراءة و الأحلام؛ ليشكل من ذلك لوحة مفاتيح تسلمه إلى الغاية النبيلة و المبتغى المطلوب .. تسلمه إلى إمكانية تحقيق الحلم دون ضجيج .. إلى وطن حر غني بموارده و شعبه .

فيترك مثلي من المحبطين التسكع بين كلمات خارت قواها لفرط ما لاكها من لسان حتى صارت صخبا صامتا لم يعد يزعج أحدا …

الحسن ولد محمد الشيخ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى