عام مر على رحيلك يا أبي!/ محمد عبد الله

خاطرة خنقتني وألحت عليّ، فبحُتُ بها ونثرتها بين أيديكم، فاعذروني إن عكرت صفوكم أو ذكرتكم بأحبة وغاليين على قلوبكم رحلوا عنكماأْْ
الدنيا محطات، وقفات وترحال، عبرات وزفرات، ونزيف مستمر من الآلام والأحزان، لم يسلم منها أحد، ولن ينجو من خطوبها بشر.
فهي دائمة العزف على أوتار الفقد، واستحضارالذكريات.ها هو عامٌ مضى علىي رحيلك ياأبي..
عامٌ محمل بالآلام وحرقات الحنين إليك، بعدما توسد جسدك الطاهر الثرى..!
لقد رحلت وتركت بصمة شوق في قلبي لن يمحوها الزمن، ولو شاب رأسي، واحدودب ظهري، فلا أدري كم من العمر سأحتاج لأستوعب أنك لم تعد معنا ولا بيننا؟!!
فقد كنتُ على أمل يا أبي أن تطيب من وعكتك، وتقوم من فراش المرض.
ولكن سرعان ما تبدد الأمل، وأيقنت بأن هذه الغفوة كانت غفوتك الأخيرة.!
فلا زال يا أبي، بعد عام كامل ، منظر جسدك المُسجّى على السرير الأبيض ، وخبر وفاتك يطرق أذني، لن أنسى ذاك اليوم، الذي فارقت فيه الحياة، ففارقت السعادة قلبي!!

حتى وإن ضحكت وتحدثت، وخالطت الناس ومارست الحياة، فالحسرة والحزن مازالتا تعتصر قلبي.!

أبي الحبيب.

والله يا والدي،  ما انفردت لوحدي إلا وتمثلت أمام عيني بكل بهائك، ففاضت عيناي عليك حزنا وألماً وشوقاً وحنينا، وما وضعت رأسي على وسادتي إلا ويمر شريط ذكرياتي معك وأستحضر كل الشواهد والأيام التي خلت، فلا أملك سوى ذرف الدموع وقد تقطع قلبي أسفاً على رحيك يا أبي

لقد كنت نعيم حياتي، ومصدر سعادتي، والحضن الدافئ الذي ارتمي فيه عندما تدلهم الحياة، فبجلوسي معك وحديثي إليك تزول عني هموم الدنيا ، ويتسع لي قلبك العامر بالإيمان والحنان ، فأنعم بفيض من الطهارة والأبوة والحب الحقيقي.

ولكن أين أنت الآن.. لقد رحلت يا والدي الأطهر والأجمل والأحنّ، تاركاً وراءك أنفسا أنهكها الشوق والحنين لرؤيتك، وسماع صوتك، وتنفس رائحتك والتمتع بعذب حديثك والنظر إلى وجهك، والتفاؤل بصالح دعائك، والاهتداء بجميل نصحك والنهل من فيض حكمتك.

فراقك يا والدي، ألمٌ وفجيعة وحزن لن يشعر بها إلا من عاش الفراق، وتجرع مرارته، فأكثر اللحظات ألماً عندما تقف عاجزاً أمام رحيل من تحب.!

كنت يا أبي لدنيانا كالقمر الذي يطل كل مساء، فيضيء عتمة الليل، ويذكرنا بأن الظلام يعقبه نور، والحياة لازالت تزهو بصنوف من الجمال والشهامة والنبل!

لطالما تمنيت يا والدي، أن يعود بي العمر للوراء، لأعيش معك من جديد وأقبل قدميك، فقد ندمت كثيراً على كل لحظة ضيعتها دون أن أراك، وأنعم بقربك وأفوز ببرّك.

تمنيت يا والدي، لو تعود ولو للحظات لأخبرك كم أحبك، وكم أنت غال في قلبي ، وكم كنت نور الحياة وزينتها، وكم هي الحياة تعيسة في غيابك، وكم هي السعادة ناقصة بدونك.!

وها أنا اليوم أقف عاجزا عن رد جميلك، نادماعلى تقصيري معك في حياتك، فلا أملك الآن شيئا لأصلك به سوى الدعاء لك كلما ذكرتك.

فوالله ما طلعت شمسٌ ولا غربت *** إلاّ وذكرك مقرونٌ بأنفاسي.

ولا شربتُ لذيذ الماء من ظمأٍ *** إلاّ رأيتُ خيالاً منكَ في الكأس.

ولا جلستُ إلى قوم أحدثهم *** إلاّ وكنتَ حديثي بين جُلاسي.

ولا ذكرتُكَ محزونًا ولا فـرحًا *** إلاّ وأنـتَ بقلبي بين إحساسي.

ولو قدرتُ على الإتيان جئتُكُمُ *** سعيًا على الوجه أو مشياً على الرّأسِ.

اللهم ارحم ميتاً ما زال في قلبي حيا، اللهم أنزله منازل الشهداء، واجعل مسكنه فردوسك الأعلى، بجوار نبيك وحبيبك محمد صلى الله عليه وسلم.

وانزل اللهم على قبره الضياء والنور، والفسحة والسرور، اللهم قِهِ السيئات ( ومن تق السيئات يومئذٍ فقد رحمته.)

إخوتي وأخواتي..

اغفروا لي إن اثرت شجونكم، وجددت أحزانكم، ولكن نزف قلبي أبى الا أن يحرك قلمي، فينثر آهاتي عبر كلماتي، فلم أستطيع أن أتجاهل ذلك النداء والإلحاح من قلبي، فلو لم أكتب لتفجر صدري من أنين زفراتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى