شذرات من سيرة الإمام محمد محمود ولد الصيام رحمه الله تعالى

طلب مني كثير من الإخوة الباحثين نشر سيرة لشيخنا ووالدِنا الإمام: محمد محمود ولد الصيام “دده” -رحمه الله – و قد تأخر ردي كثيرا بسبب بعض المشاغل وعدم ترتيب مادة علمية يمكن نشرها، رغم أني كتبت – منذ فترة – مسودة لسيرة حياة الوالدة ومسيرته بعنوان: (الفوائد: مِن سيرة و مسيرة الوالد)، ولكن لم أجد وقتا لتنقيحها وترتيبها، ولكني اليوم – و بعد إلحاح بعض الباحثين – أنشر شذرات من سيرته لعلها تعطي نبذة عن حياته ومسيرته – سائلاً المولى عزّ و جلّ أن يغفر له ويرحمه ويتقبل منه، وأن يرحم علماءَنا وموتانا وموتى المسلمين.

أولا: التعريف به:

هو الإمام: محمد محمود (لقبه: “ددَّه” و”ممود”) ولد محمدْ ولد السالك ولد محمود ولد سيدي ببكر ولد عبد الرحمان ولد ألمين ولد عبدَ الله ولد الحاج أحمد (عبد الرحمان) الصائم – الجد الجامع لعشيرة “الصيام” وأحد الحجاج الأربعة المؤسسين لمدينة وادان التاريخية سنة -٥٣٦ هجرية – على إحدى الروايتين المعروفتين.

وأمه: عائشة بنت الطالب أحمد (بَيْدَّ) بن عبدَ الله (الداهي) بن محمود بن طوير الجنة بن عبدَ الله بن أحمد الوافي بن أحمد (عبد الرحمان) الصائم – الجد الجامع لعشيرة “الصيام” وأحد “الحجاج الأربعة” المذكور آنفا.

وُلد – بين سنتي 1935 و1938 في منطقة “اتْوَيميرِتْ البارْدَة” بين قريتي “آمْرِجِّلْ” و”واد أم الخز” على الطريق الرابط بين مدينتي “كيفة” و”تامشكط”.

نشأ في محيط علمي متميز، ودرس على شيوخ وعلماء في المنطقة وفي أنحاء أخرى من البلاد.

ثانيا: شيوخه:

1. درس الفقه على خاله الفقيه – المعروف بمنطقة “ارگيبه” – عبد الرحمان ولد الداهي وخاله الآخر سيد أحمد ولد الداهي في منطقة “دِيسَق”.

2. كما درس على الفقيه: عبد الرحمان ولد سيدي عالي الهاشمي في “انْوامليْن”.

3. ودرس على فضيلة القاضي العلامة: المصطفى ولد سيدي يحي المسومي (والد الشيخين الجليلين: عبدَ الله ومحمد حفظهما الله تعالى) شمال “وايَ واقْواوِيت” على طريق كيفة – انواملين.

4. كما درس على القاضي لمرابط ولد أحمد نوح في “حلة الشيخ ولد القوث” في منطقة “بوبْليْعِين” في “وادي أم الخز”.

5. كما درس مختصر خليل بين 1957 و1960 على العلامة: محمد محمود ولد أحمد الهادي اللمتوني في منطقة “الواد الأبيض” قرب “آكْرَرايْ” وقرى “السياسة” و”جَوْنابَ” و”جَيْينور” بـ”آفطوط”.

6. كما درس القرآن وعلومه على العالم المعروف: سيد المخطار ولد محمد ولد عبدِي المسومي في قرية “قِرْد أهل عيسى بَوْبَّ” (وهو والد الفقيه والنائب البرلماني عن مقاطعة كيفة الشيخ: اماد ولد سيد المخطار – وفقه الله -).

6. وفي سنة 1964 درس بعض متون اللغة العربية على العلامة محمد ولد أبي مدين في مدينة أبي تلميت.

7. كما درس بين 1964 و1965 على ابن عمه العلامة: سيدي عالي ولد الطالب أحمد ولد اطوير الجنة بعضا من علوم اللغة العربية في منطقة كيفة.

8. كما درس المنطق وبعض “علوم الآلة” على العلامة: الإمام ولد مانَّاه الجكني في مدينة گرو أثناء عمله في المدينة معلما للغة العربية بين سنتي 1967 و1969.

ثالثا: العمل والتدريس:

1. شارك في مسابقة لتكوين أول دفعة من معلمي اللغة العربية بعد الاستقلال في أكتوبر 1961 م، وتم تدريبه في مدينة لعيون – عاصمة الحوض الغربي -.

2. بين 1962 و1965 عمل معلما في قرية “گَرَلَّ” التابعة لمركز “هامد” الإداري (20 كم جنوب مدينة “كنكوصة”) على الحدود مع مالي.

3. وبين سنتي 1965 و1966 عمل معلما في قرية “دِيسَقْ”.

4. وبين سنتي 1967 و1969 عمل معلما في مدينة “گرو”.

5. وتم تحويله إلى مدينة كيفة، واستقر بها منذ 1970 وحتى أحيل للتقاعد سنة 1991 وقد سبق ذلك “تفريغه” للعمل في الدعوة وإمامة “جامع قباء”، وقد عمل مدرّسا في المدارس الابتدائية رقم: 1، و3، و4، بكيفة.

6. مارس التدريس والخطابة والفتوى في “جامع قباء” ابتداء من 1970 وحتى فترة قصيرة قبيل وفاته – رحمه الله – في أكتوبر 2018.

7. عمل مستشارا للمحاكم الابتدائية ومحكمة المقاطعة بكيفة ومحكمة الاستئناف بولاية لعصابة، ودأب كثير من القضاة والمدعين العامين على إنابته لإجراء عقود الزواج والطلاق والصلح بين المتخاصمين وتعديل الشهود والتوثيق.

8. عمل في لجنة آباء التلاميذ على مستوى ولاية لعصابة.

9. عمل عضوا في لجنة “حل النزاعات العقارية” على مستوى المقاطعة.

10. عمل كعضو مؤسس في رابطة علماء لعصابة – التي يرأسها أخوه وصديقه وابن شيخه العلامة: عبدَ الله ولد سيدي يحي – حفظه الله – وشغل منصب “نائب الرئيس” حتى وفاته -رحمه الله -.

11. ساهم في النشاط السياسي والفكري والثقافي الجهوي على مستوى ولاية لعصابه من خلال “الإنعاش الثقافي” لـ”هياكل تهديب الجماهير” و”جمعية غرناطة للثقافة والفنون” و”الجمعية الثقافية” و”نادي مصعب بن عُمير” وبعض المبادرات والأندية الأخرى، كما ترشّح عضوا في إحدى اللوائح البلدية لسنة ١٩٩٠، وربطته علاقات أخوة وصداقة مع معظم العمد والفاعلين السياسيين وكثير من الولاة والحكام والمسؤولين الجهويين، وكان من الذين يسعون إلى نشر العلم والدعوة والسعي في إصلاح ذات البين ونزع فتيل التوتر والخلافات بين القبائل والأفراد والمجموعات التي تعيش في المنطقة كما يصف ذلك الشاعر الأستاذ: محمد إبراهيم ولد الداه ولد سيد ألمين ولد أحمد الكنتي – وفقه الله -:

نهجه السمح نال كل ثناء*** وله الفضل قبل ذَا والثناء

علّم الدين رحمة وسلاما *** يجمع الكل ما به غُلواء

جعل الصفح والتسامح دِينا *** ودعا للذي دعا الأنبياء

يا سليل “الصيام” كنتَ بهاء *** في دُنانا فأين منك البقاء

نهجك السمح سوف يبقى منارا *** في رؤانا وهو الشفا والدواء

صُنتَ جيلا عن المزالق طُرا *** يفتديك السراة والبسطاء

يا أبا العلم في الربوع جميعا *** لك منا ومن حِمانا الوفاء

12. أسس مسجد قباء – حوالي 1970/1971 – والذي تحول إلى جامع قباء بعد سنوات من ذلك تحت إشراف العلامة: حمود ولد مُتار القلاوي – رحمه الله – وظل “قباء” مركزا ومقرا لـ”الدعوة و التبليغ” في كيفة حتى بناء “مركز الدعوة الجديد” في حي “الفردوس” – حديثا – وكان – ولا يزال – مسجدا عامرا بالدعاة والمربّين – يُدرّس فيه العلماء والدعاة وفي مقدمتهم العلامة: محمد ولد سيدي يحي – أثناء زيارته للمدينة – وكذلك أساتذة “المعهد السعودي” والعلامة: البخاري (لارباس) ولد محمد ولد البخاري السباعي – حفظه الله – وغيرهم من العلماء والدعاة والمصلحين.

وقد ساهم جامع قباء في الحفاظ على الهوية الحضارية والثقافية للمدينة والوقوف في وجه “التنصير” وانتشار الفواحش والرذيلة، كما حافظ على تقوية اللحمة الاجتماعية والإخاء والمحبة بين مختلف مكونات المدينة.

ولا يزال “قباء” اليوم من أكبر مساجد المنطقة ويتسع لأكثر من ألف مصل – ويغص بالمصلين أثناء خطبة وصلاة الجمعة – تقبل الله من كل من ساهم فيه أو تطوّع فيه أو صلى فيه.

13. ذهب إلى الحج عام 1967 بصحبة والدته وصديقه وشيخه العلامة: محمدْ ولد البخاري السباعي – رحم الله الجميع وتقبل منهم -.

رابعا: وفاته:

توفي الإمام محمد محمود ولد السالك ولد الصيام بعد صلاة العشاء يوم الاثنين 20 صفر 1440 هجرية الموافق للتاسع والعشرين (29) من أكتوبر 2018 – رحمه الله تعالى رحمة واسعة – وصلى عليه أخوه وصديقه العلامة: عبدَ الله ولد سيدي يحي – في “الجامع السعودية – ودُفن في “بلنوار”، وقبره بين قبور: أمه: عائشة وخاله: عبد القادر وشقيقه الفقيه: عبد الرحمان “الداه” وشقيقته: “خدّاجَ” وابن أخته وسَمِيّه نقيب البحرية التجارية: محمد محمود ولد أحمدُ ولد أرفاقَ – رحم الله الجميع -.

خامسا: قالوا عن الإمام محمد محمود ولد الصيام رحمه الله:

رثى الشيخَ كثيرٌ من العلماء والأدباء، ومنهم صديقه: العلامة محمد محمود ولد أحمد يورة التندغي وآخرون، وسأكتفي بذكر نماذج مختصرة مما قيل في الشيخ رحمه الله.

1. قال الشاعر الأديب التقي ولد الشيخ: – حفظه الله – وقد كان جارا له أثناء عمله في كيفة:

إلا رَيتْ النهج المحمود *** إِعْلَ سنة سيد الأنام

عزّيه افْ محمد محمود *** ولد السالك ولد الصيام

2. يقول الأستاذ محمد ابراهيم ولد الداه ولد سيد ألمين ولد أحمد الكنتي – وفقه الله – (وهو أستاذ لغة وأدب بثانوية “الامتياز” بكيفة) :

كفكفِ الدمع واصبرن يا “قباء” ** دأبُك المجد والحيا والإباءُ

لا تنال الخُطوب منك ولا تحـ *** ـنِي عُلاك الأهوال والأرزاء

فمناراتك العتاق نجوم *** يغمر الكونَ نورُها اللألاء

فاصدحن بالأذان في كل وقت *** سيُلبي الهداة والفضلاء

وادع للفجر خاشعا ومُنيبا *** سيفيق الأهلون والنزلاء

وانشر الفضل والهداية فينا *** فهُداك الذي به يُستضاء

قد عرفناك ساحة من علوم *** لجميع الورى إليك الرجاء

وعرفنا إمامك السمح شيخا *** زانه العلم والحيا والبهاء

في حضور وفي مجالس علم *** يكبر الحب عندها والإخاء

نهجه السمح نال كل ثناء*** وله الفضل قبل ذَا والثناء

علّم الدين رحمة وسلاما *** يجمع الكل ما به غُلواء

جعل الصفح والتسامح دِينا *** ودعا للذي دعا الأنبياء

يا سليل “الصيام” كنتَ بهاء *** في دُنانا فأين منك البقاء

نهجك السمح سوف يبقى منارا *** في رؤانا وهو الشفا والدواء

صُنتَ جيلا عن المزالق طُرا *** يفتديك السراة والبسطاء

يا أبا العلم في الربوع جميعا *** لك منا ومن حِمانا الوفاء

يغمر اللهُ روحك الطهر عفوا *** ولكَ القبر جنة فيحاء

3. يقول الشيخ الفقيه: إبراهيم ولد محمد ولد فضل الله ولد أهل أيدّ الجكني – حفظه الله -: (وهو أستاذ ب”ـالمعهد السعودي” وشيخ محظرة معروفة بحي “ألاگ” بمدينة كيفة):

بموت ذي الخلق السني المحمود *** إمامِنا محمدٍ محمود

أظلم هذا الجوُّ، والمدينهْ *** أضحت بفَقد شيخنا حزينه

شيخٌ وقورٌ صادقٌ فإن وعظ *** ترى المخاطَب بوعظه اتعظ

كم أرشد الشيخُ الحيارى واقترب *** لِرَبّه بما يُحب من قُرَب

حُلو الفكاهة، إذا ذو الغم جا *** حلّ مكان غمه ذاك الرجا

ذا قليل من كثير أعلمه *** في شيخنا واللهُ ربي يرحمه

فَهَبْ له الرحمة والرضوانا *** والفوزَ والنجاةَ والغُفرانا

يا ربَّنا وجنّةَ النعيم *** والأمنَ مِن عذابك الأليم

واجعلْ لنا في عَقب الشيخ الخلَفْ *** يقوم بالعلى الذي خلَّى السلف

وألّفنْ بين القلوب واجعلِ *** كلاًّ عليا يقتفي إثر علي

وصلّ يا رب على المختار *** وآله وصحبه الأبرار

آمين، والحمد لله رب العالمين.

بقلم عبد القادر ولد الصيام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى