الجزيرة .نت : وفيات كورونا.. حقائق جوهرية مهملة

لم يكن شهر أبريل/نيسان الماضي شهراً عادياً بالنسبة لتاريخ انتشار فيروس كورونا مقارنة بالشهور الثلاثة السابقة، حيث بلغ الفيروس ذروته، واتضحت خريطة انتشاره في ٢١٤ دولة ومنطقة في العالم، انتظمت في إرسال بيانات الإصابات والوفيات لديها يوميا إلى منظمة الصحة العالمية.

وقد قمت هنا بمتابعة التقارير اليومية التي بثتها المنظمة عن حالة انتشار الفيروس في العالم، مقتصراً على عدد الوفيات التي تسبب فيها الفيروس، من دون الإصابات لأنها لا تمثل الأرقام الحقيقية لعدد المصابين، وإنما تمثل من تم فحصهم ممن ترددوا على الجهات الطبية المختصة، وذلك في محاولة للوقوف على أبرز المؤشرات والاستنتاجات التي قد تلقي قليلاً من الضوء على ما يكتنف مسيرة هذا الفيروس من غموض.

ويتطلب الأمر مراجعة دقيقة لبياناته وما تشير إليه -في وقت بدأت دول عدة التخفيف التدريجي لإجراءات الوقاية من كورونا- مثيرةً المزيد من الفزع والرعب مما قد يصل إليه الوضع في العالم في ظل استمرار الإجراءات الاستثنائية، وفي ظل الحديث عن استمرار مراقبة انتشار الفيروس، واحتمال العودة إلى تشديد الإجراءات جزئياً أو كلياً حتى نهاية العام وربما العام القادم كذلك. وفيما يلي وقفات مع أبرز المؤشرات والاستنتاجات:

  • تضخم عدد الوفيات وتركزها مع تبدل المواقع

فيما يأتي نقف عند أبرز المؤشرات العامة التي تم رصدها في التقارير اليومية لأبريل/نيسان:

–      ارتفع عدد الوفيات فيه بصورة هائلة إلى أكثر من أربعة أضعاف إجمالي وفيات الشهور الثلاثة السابقة.

–      بلغ إجمالي الوفيات ١٨٢٤٣٨ وفاة، بمعدل يومي ٦٠٨١ وفاة.

–      ٩٠٪ من إجمالي الوفيات هم ممن أعمارهم ٦٥ عاماً فما فوق.

–      حوالي ٨٦٪ من عدد الوفيات كان من نصيب الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا فقط، و١٤٪ فقط من نصيب بقية دول العالم في آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية، إضافة إلى كندا وأستراليا ونيوزيلندا.

اعلان

–      بلغ نصيب ٦ دول فقط هي الولايات المتحدة وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا ٧٤٪ من إجمالي الوفيات على مستوى العالم.

–      احتلت الولايات المتحدة الصدارة في عدد الوفيات على مدار الشهر، تليها إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا، بعد أن كانت الصين وإيران تتصدران القائمة حتى ٥ مارس/آذار الماضي.

–      بلغ إجمالي الوفيات في أوروبا ١١١٥٠٦ وفيات، منها ٧٥٪ كانت من نصيب إيطاليا وإسبانيا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا مجتمعة.

–      كانت الوفيات في دول شرق أوروبا أقل بكثير منها في دول غرب أوروبا.

–      تراجعت الصين إلى معدل وفاة واحدة يومياً.

–      لم يكن للإجراءات الاستثنائية المشددة في مواجهة الفيروس دور كبير في تقليل عدد الوفيات لدى بعض الدول، مقارنة بتلك التي لم تتخذ إجراءات لمواجهة الفيروس.

–      لم تلزم السويد شعوبها بإجراءات استثنائية لمواجهة الفيروس، ومع ذلك لم تشهد ارتفاعاً استثنائياً في عدد الوفيات مقارنة بدول أخرى اتخذت إجراءات استثنائية مشددة، فبلغ عدد الوفيات في بلجيكا ٣ أضعاف عدد الوفيات في السويد.

اعلان

–      بعض الدول التي اتخذت إجراءات مشددة في مواجهة الفيروس حققت نجاحاً في خفض عدد الوفيات إلى النصف تقريباً مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وتركيا وإيران، في حين فشلت دول أخرى كالولايات المتحدة وبريطانيا في ذلك.

–      بلغ عدد الوفيات في إسبانيا حوالي ثلاثة أضعاف عدد الوفيات في ألمانيا بالرغم من أن عدد سكان ألمانيا حوالي ضعف عدد سكان إسبانيا.

–      بعض الدول ممن تتشابه مع الولايات المتحدة وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا في مستوى التقدم ومعدلات الدخل والعمر المتوقع عند الولادة وإجراءات مواجهة الفيروس، ولكنها لم تشهد هذا العدد الكبير من الوفيات، مثل أستراليا ونيوزيلندا واليابان، حيث بلغ إجمالي عدد الوفيات في أستراليا ٧٢ حالة، وفي نيوزيلاندا ١٨ حالة، وفي اليابان ٣٧٣ حالة.

–      الكثير من دول العالم تسابقت في تلبية النداء لاتخاذ إجراءات صارمة وباهظة الكلفة لمواجهة الفيروس، دون مبررات علمية كافية للقيام بذلك، ومن بينها الدول العربية.

–      متوسط الوفيات التي تسبب فيها كورونا خلال الأشهر الثلاثة السابقة (فبراير/شباط ومارس/آذار وأبريل/نيسان) هو مليون و٥٨ ألف إصابة وحوالي ٧٥ ألف وفاة شهرياً، في حين بلغ معدل الإصابات والوفيات الشهرية التي سببتها الإنفلونزا العام الماضي ٨٣ مليون إصابة و٨٣ ألف وفاة.

  • استنتاجات جوهرية

في ضوء المؤشرات السابقة يمكننا استنتاج ما يأتي:

–      الزيادة الضخمة في عدد الوفيات في الولايات المتحدة وأوروبا إلى ٨٦٪ من إجمالي الوفيات أمر في غاية الأهمية، ويحتاج إلى دراسة متعمقة لمعرفة الأسباب والعوامل المشتركة، وخاصة الولايات المتحدة والدول الأوروبية الخمس الكبرى التي تحتل معاً ٧٤٪. وهو أمر في غاية الخطورة بالنسبة لبقية دول العالم، التي دفعت ثمناً هائلاً من وضعها الاقتصادي وحياتها الاجتماعية والنفسية دون حاجة إلى ذلك.

اعلان

–      ليس من الواضح بعدُ العوامل التي تؤثر في زيادة عدد الوفيات، هل هي في مستوى إجراءات الوقاية أم في توفر الإمكانات الطبية؟ أم في عدد السكان؟ أم في مستوى الدخل والتقدم ومعدل العمر عند الولادة؟ أم في الأحوال الجوية؟ أم….؟ ولماذا كانت معدلات الوفاة في دول شرق أوروبا أقل بكثير منها في دول غرب أوروبا الأعلى دخلاً والأكثر تقدماً؟

–      الدول التي لا تعاني من ارتفاع في معدلات الوفاة بإمكانها مراجعة موقفها من الإجراءات المتشددة التي اتخذتها والعودة إلى الحياة الطبيعية.

–      إذا كان التوتر السياسي بين الولايات المتحدة والصين منع الأولى من الاستفادة من تجربة الثانية في مواجهة الفيروس، ونجاحها في تخفيض معدل الوفاة من ٣٧ وفاة يومياً إلى حالة واحدة يومياً؛ فلماذا لم تقم الدول الأوروبية بذلك؟

–      وفي الوقت نفسه، لم تقم الصين بما يتوجب عليها دولياً من الناحية الأخلاقية، بنقل تجربتها في تخفيض معدل الوفيات إلى واحدة يومياً، لمساعدة الدول المتضررة في الحد من عدد وفياتها.

–      أظهرت المقارنة بين المتوسط الشهري للإصابات والوفيات التي سببها كورونا في أشهر (فبراير/شباط ومارس/آذار وأبريل/نيسان)، والمتوسط الشهري للإصابات والوفيات التي سببتها الإنفلونزا العام الماضي، أن الحديث الذي أثير سابقاً حول عدد إصابات ووفيات كورونا لم يكن دقيقاً ولا استثنائياً، وأنه أثار الكثير من الفزع والرعب من غير داع.

–      التداخلات كثيرة بين وباء كورونا ووباء الإنفلونزا بسبب التشابه الكبير بينهما، في عدد الإصابات والوفيات والأعراض، ومن الصعب -حتى الآن على الأقل- الفصل التام بينهما.

الزيادة الضخمة في عدد الوفيات في الولايات المتحدة وأوروبا إلى ٨٦٪ من إجمالي الوفيات أمر في غاية الأهمية، ويحتاج إلى دراسة متعمقة لمعرفة الأسباب والعوامل المشتركة، وخاصة الولايات المتحدة والدول الأوروبية الخمس الكبرى التي تحتل معاً ٧٤٪. وهو أمر في غاية الخطورة بالنسبة لبقية دول العالم، التي دفعت ثمناً هائلاً من وضعها الاقتصادي وحياتها الاجتماعية والنفسية دون حاجة إلى ذلك

اعلان

  •  الدول العربية.. قرارات في غير محلها:

كان نصيب بقية دول العالم عدا أوروبا والولايات المتحدة حوالي ١٤٪ من إجمالي وفيات أبريل/نيسان، أي حوالي ٢٥٥٤٠ حالة وفاة، منها ١٣٥٠ حالة من نصيب الوطن العربي، أي ما يقارب ٠،٧٪ من إجمالي وفيات الشهر وبمعدل ٤٥ وفاة يومياً.

وقد سارعت الدول العربية شأنها شأن العديد من دول العالم ومناطقه إلى مجاراة الصين والدول الأوروبية والولايات المتحدة، وفرض إجراءات استثنائية صارمة باهظة التكلفة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي والرياضي والنفسي دون مبررات كافية، مدفوعة بحالة الذعر والهلع التي أصابتها، وما أعقبها من تسارع في اتخاذ قرارات قاسية دون دراسة متأنية متعمقة، ودون أدنى مستوى من التعاون العربي المشترك.

تصدرت الجزائر ومصر قائمة الدول العربية من حيث عدد الوفيات بسبب كورونا في أبريل/نيسان، بإجمالي ٤١٥ حالة للأولى و٣٤٦ للثانية، تليهما السعودية والمغرب والإمارات، بينما كان العدد في ١٠ دول أخرى لا يتجاوز ١٠ وفيات في كل منها.

وبالنظر إلى إجمالي عدد الوفيات التي سببها فيروس كورونا، فإنه يعادل ٠،٠٦٪ من إجمالي وفيات الدول العربية لعام ٢٠١٩، والذي بلغ مليونين و٢٩٠ ألف وفاة، بمعدل ٦٢٧٤ وفاة يومياً، حسب تقرير هيئة الأمم المتحدة عن وفيات العالم في ٢٠١٩.

ومقارنة سريعة للمعدل اليومي لإجمالي الوفيات في عموم الدول العربية (٦٢٧٤ وفاة) مع المعدل اليومي للوفيات التي سببها كورونا (٤٥ وفاة)، يظهر لنا الخلل الكبير الذي وقعت فيه الدول العربية بتجميد الحياة العامة، وتعطيل عجلة الاقتصاد وإيقاف التعليم وإغلاق دور العبادة وتبنيها لشعار “خليك في البيت”، ظناً منها أن هذه الإجراءات ستحد من انتشار الفيروس وتقلل عدد الوفيات الناجمة عنها.
ويزداد الإحساس بهذا الخلل الذي قامت به الدول العربية في التعامل الاستثنائي المؤلم في مواجهة كورونا، عند مقارنة المعدل اليومي لوفيات كورونا بالمعدل اليومي للوفيات السنوية في كل دولة من الدول، على النحو الوارد في الجدول التالي:

الدولة

عدد السكان

اعلان

(مقربة للمليون)

إجمالي عدد الوفيات عام ٢٠١٩

إجمالي عدد وفيات كورونا في أبريل

المتوسط اليومي لإجمالي الوفيات

المتوسط اليومي لوفيات كورونا

الأردن

١١

اعلان

٣٩٠٠٠

٣

١٠٧

٠،١

الإمارات

١٠

١٥٠٠٠

اعلان

٩٩

٤١

٣،٣

البحرين

٢

٤٠٠٠

٤

اعلان

١١

٠،١

تونس

١٢

٧٣٠٠٠

٣١

٢٠٠

اعلان

١

الجزائر

٤٣

٢٠٣٠٠٠

٤١٥

٥٥٦

١٣،٨

اعلان

جيبوتي

١

٧٠٠٠

٢

١٩

٠،١

السعودية

اعلان

٣٥

١٢٠٠٠٠

١٥٢

٣٢٩

٥،١

السودان

٤٢

اعلان

٣٠٥٠٠٠

٢٩

٨٣٦

١

سوريا

١٧

٩٢٠٠٠

اعلان

١

٢٥٢

٠،٠٣

الصومال

١٦

١٦٥٠٠٠

٢٨

اعلان

٤٥٢

٠،٩

العراق

٤٠

١٨٦٠٠٠

٤٣

٥١٠

اعلان

١،٤

عمان

٥

١٢٠٠٠

١٠

٣٣

٠،٣

اعلان

فلسطين

٥

١٧٠٠٠

١

٤٧

٠،٠٣

الكويت

اعلان

٥

١٢٠٠٠

٢٦

٣٣

٠،٩

قطر

٣

اعلان

٤٠٠٠

٨

١١

٠،٣

لبنان

٧

٣٠٠٠٠

اعلان

١٢

٨٢

٠،٤

ليبيا

٧

٣٥٠٠٠

٣

اعلان

٩٦

٠،١

مصر

١٠٠

٥٨٠٠٠٠

٣٤٦

١٥٨٩

اعلان

١١،٥

المغرب

٣٦

١٨٤٠٠٠

١٣٤

٥٠٤

٤،٥

اعلان

موريتانيا

٤

٣٢٠٠٠

١

٨٨

٠،٠٣

اليمن

اعلان

٣٠

١٧٥٠٠٠

٢

٤٧٩

٠،١

المجموع

٤٣١ مليون

اعلان

مليونان و٢٩٠ ألفا

١٣٥٠

٦٢٧٤

٤٥

ويوضح الجدول أن معدل الوفيات اليومية بسبب كورونا في جميع الدول العربية أقل من ١٪ من المعدل اليومي لإجمالي الوفيات التي تقع لأسباب مختلفة، من بينها الأمراض المعدية والأمراض غير المعدية، ومن بينها مرض الإنفلونزا الذي لا يختلف عن كورونا. وهو ما يدعو فعلاً الدول العربية كافة إلى المراجعة السريعة للإجراءات الاستثنائية الصعبة التي اتخذتها لمواجهة كورونا، والعودة إلى الحياة الطبيعية.

  • ضحايا كورونا

–      من هم ضحايا كورونا؟

–      وكيف يموتون؟

اعلان

رأينا كيف تركزت الوفيات التي سببها الفيروس الشهر الماضي في أوروبا والولايات المتحدة بنسبة تصل إلى حوالي ٩٠٪ من إجمالي الوفيات التي سببها على مستوى العالم، وقد تحدث كثير من المختصين عن أسباب هذا الارتفاع، وكان السبب الأكثر وجاهة من الناحية العلمية هو ارتفاع معدل العمر عند الولادة في هذه الدول، وزيادة الأمراض المزمنة لدى الفئات المتقدمة في العمر فيها مقارنة بالدول الأخرى.

فقد ذكر المركز الأوروبي لمنع الأمراض والسيطرة عليها (ECDC) أن حوالي ٩٠٪ من إجمالي عدد المتوفين بسبب الفيروس هم ممن أعمارهم ٦٥ عاماً فما فوق، وأن ٤٦٪ منهم هم من ذوي العمر ٨٠ عاماً فما فوق.

وهذا يعني أنه من بين ٣٦٠٤ وفيات يومياً في أوروبا الشهر الماضي؛ يوجد ٣٢٤٣ حالة هم ممن أعمارهم ٦٥ فما فوق، وأن ٣٦١ حالة فقط هم ممن أعمارهم أقل من ٦٥ عاماً. وإذا طبقنا ذلك على الدول الأوروبية الأعلى من حيث معدل الوفيات اليومي الشهر الماضي وهي إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، فسنجد النتيجة على النحو الموضح في الجدول التالي:

الدولة

إجمالي الوفيات في شهر أبريل

معدل الوفيات اليومي

عدد الوفيات لمن هم

اعلان

٦٥ عاماً فما فوق

عدد الوفيات لمن هم تحت ٦٥ عاماً

إيطاليا

١٥٧٤٤

٥١٥

٤٦٤

٥١

اعلان

إسبانيا

١٦٣٩٠

٥٤٦

٤٩١

٥٥

فرنسا

٢٠٨٢٨

اعلان

٦٩٤

٦٢٣

٧١

بريطانيا

٢٤٩٨٠

٨٣٣

٧٥٠

اعلان

٨٣

ألمانيا

٥٤٩٦

١٨٣

١٦٥

١٨

وقد أشارت التقارير إلى أن المتوفين يعانون من ضعف في المناعة، ومن أصحاب الأمراض المزمنة المعدية وغير المعدية، كأمراض الجهاز التنفسي والقلب والمخ وضغط الدم والسكري والسرطان والسمنة والكبد. وتعتبر هذه الدول من بين الأعلى دخلاً والأعلى في معدل العمر المتوقع عند الولادة على مستوى العالم، حيث بلغ ٨١ عاماً حسب تقرير الأمم المتحدة حول وفيات العالم لعام ٢٠١٩، بينما نجده في الدول الأقل دخلاً حوالي ٦٣ عاماً.

اعلان

وقد ذكر تقرير “التشيخ والصحة” الصادر عن منظمة الصحة العالمية عام ٢٠١٥م أن ربع الأشخاص الذين أعمارهم بين ٧٠-٨٥ عاماً في ألمانيا؛ يعانون من خمسة أمراض مزمنة أو أكثر في آن واحد، ويمكن قياس ذلك على بقية الدول الأعلى من حيث الدخل والعمر المتوقع عند الولادة.

وحسب تقرير الأمم المتحدة حول سكان العالم لعام ٢٠١٩، فإن أكثر من ٦٥ مليون نسمة هم ممن أعمارهم ٦٥ عاماً فما فوق في هذه الدول الأوروبية الخمس، أي أن أكثر من ١٦ مليون إنسان منهم يعانون من خمسة أمراض مزمنة أو أكثر في وقت واحد، وينتظرون الموت في أي لحظة، حيث إن ٧٧٪ من وفيات أوروبا وأميركا الشمالية هم ممن أعمارهم ٦٥ عاماً فما فوق، وترتفع هذه النسبة في أستراليا ونيوزيلندا إلى ٨٨٪، بينما تنخفض في دول غرب آسيا وشمال أفريقيا إلى ٥٣٪.

وحسب تقرير الأمم المتحدة لوفيات العالم عام ٢٠١٩، فقد بلغ إجمالي عدد الوفيات في الدول الأوروبية الخمس أعلاه العام الماضي ٣ ملايين و٢٥٧ ألف وفاة، منهم أكثر من مليونين ونصف مليون، ممن أعمارهم ٦٥ عاماً فما فوق، بمعدل ٦٨٧٠ وفاة يومياً، فلا غرابة أن يكون من ضمن هذا العدد ٢٧٧٠ وفاة تسبب فيها فيروس كورونا. والأمر نفسه يمكن قوله على الولايات المتحدة الأميركية، التي يزيد فيها عدد من هم في عمر ٦٥ عاماً فما فوق على ٥٣ مليون إنسان.

ومع ذلك لا يمكن التسليم بهذا السبب وحده، حيث إن هناك دولاً أخرى تدخل في نفس مجموعة الدول الأوروبية أعلاه والولايات المتحدة، من حيث التقدم ومستوى الدخل ومعدل العمر عند الولادة، كأستراليا ونيوزيلندا واليابان وكندا، ومع ذلك لم تشهد هذه المعدلات من الوفاة بسبب كورونا. وما زال الأمر بحاجة إلى المزيد من المعلومات للوصول إلى نتائج أشمل وأقرب إلى الواقع.

تركزت الوفيات التي سببها الفيروس الشهر الماضي في أوروبا والولايات المتحدة بنسبة تصل إلى حوالي ٩٠٪ من إجمالي الوفيات التي سببها على مستوى العالم، وقد تحدث كثير من المختصين عن أسباب هذا الارتفاع، وكان السبب الأكثر وجاهة من الناحية العلمية هو ارتفاع معدل العمر عند الولادة في هذه الدول، وزيادة الأمراض المزمنة لدى الفئات المتقدمة في العمر فيها مقارنة بالدول الأخرى

حقائق حول دور فيروس كورونا في إحداث الوفاة:

–      فيروس كورونا يشبه إلى حد بعيد فيروس الإنفلونزا في تركيبه وطرق الإصابة والأعراض ودرجة خطورته.

اعلان

–      فيروس كورونا كالإنفلونزا، يهاجم الجسم بشكل عام، وبالذات الجهاز التنفسي، ويكون أكثر تأثيراً لدى الأشخاص الذين يعانون من ضعف جهاز المناعة ومن الأمراض المزمنة، وكلما كان جهاز المناعة لدى الشخص المصاب قوياً زادت قدرته على قهر الفيروس.

–      الفيروس غير مختص بجزء محدد في الجسم، فهو ليس مثل فيروس الملاريا الذي يتجه إلى الكبد ويفتك بخلايا الدم الحمراء، ويؤدي إلى وفاة حوالي نصف مليون شخص سنوياً معظمهم من الأطفال، وليس مثل فيروس السل الذي يصيب الرئتين وأدى إلى وفاة مليون ونصف مليون شخص عام ٢٠١٨، ويعتبر أحد أهم عشرة أسباب للوفاة في العالم، وكورونا ليس مثل فيروس الإيدز المتخصص في تدمير جهاز المناعة وقد أصاب أكثر من ٣٥ مليون شخص، وغيرها من الفيروسات المعدية التي تتسبب في وفاة حوالي ٥ ملايين شخص سنوياً.

–      الفيروس لا يهاجم الكبد ولا الكلى ولا القلب، ولكن الذين يعانون من أمراض مزمنة معدية أو غير معدية في هذه الأجهزة يتأثرون بالفيروس، وخاصة إذا كانت مناعتهم ضعيفة.

–      يعاني حوالي ٢٥٠ مليون شخص من الربو، وهو من الأمراض المزمنة غير المعدية، ويسبب التهاب الممرات الهوائية للرئتين وضيقها، وهؤلاء يتأثرون كثيراً بفيروسات الإنفلونزا وكورونا وخاصة إذا كانوا يعانون من ضعف في جهاز المناعة.

–      ٩٠٪ من الوفيات التي يسببها الفيروس هم ممن أعمارهم ٦٥ عاماً فما فوق، من ذوي الأمراض المزمنة ويعانون من ضعف في جهاز المناعة، والحالات التي تقل عن هذا السن إما لأنها تعاني من مرض مزمن أو أكثر، أو لأنها تعاني من ضعف جهاز المناعة أو للسببين معاً.

–      أرقام الوفيات لا تشير بصورة قطعية إلى أن سبب الوفاة هو فيروس كورونا، ففي كثير من الأحيان يكون السبب فيروس الإنفلونزا، الذي أودى بحياة ما يزيد على ٦٥٠ ألف شخص العام الماضي من أصحاب الأمراض التنفسية المزمنة.

وقد ذكر معهد “Stensens Serum Institute” الدانماركي -وفي عضويته ٢٤ دولة أوروبية- أن عدد الوفيات في هذه الدول ارتفع إلى حوالي ١٥٠ ألفا في الفترة من منتصف مارس/آذار إلى نهاية أبريل/نيسان الماضي، وتضم الوفيات التي تسببت فيها كورونا والإنفلونزا، وكان من بينهم حوالي ١٤٠ ألفاً ممن أعمارهم ٦٥ عاماً فما فوق، أي نسبة ٩٣٪.

اعلان

–      تقوية جهاز المناعة هي أفضل سبيل لمواجهة كورونا والإنفلونزا وغيرها من الأوبئة والأمراض.
فلا غرابة في أن نجد غالبية الوفيات المحسوبة على كورونا -من الفئة العمرية ٦٥ عاماً فما فوق- من أصحاب الأمراض المزمنة، وهي سنة الحياة التي تقضي بأن الإنسان سيفارقها في لحظة ما لسبب أو لآخر، وبحسب تقرير الأمم المتحدة عن وفيات العالم ٢٠١٩، فإن ٥٧٪ من إجمالي الوفيات هم ممن أعمارهم ٦٥ عاماً فما فوق، أي أكثر من ٣٣ مليون إنسان، بمعدل ٩١٢٠٠ وفاة يومياً.

فسواء أكان السبب هو كورونا أو إنفلونزا أو غيرهما، فإن الوفاة تحدث سنوياً بمعدلات كبيرة، ورغم خطورة هذين الفيروسين، فإنهما ليسا الأشد فتكاً في إحداث الوفاة بين البشر الذين يفقدون حوالي ١٦٠ ألف شخص يومياً.

  • فوبيا الموت وصناعة الفزع

لقد أظهرت البيانات التي نشرتها منظمة الصحة العالمية والمراكز الرسمية المتخصصة حول الوفيات التي سببها فيروس كورونا في أبريل/نيسان الماضي، أن الأمر من الناحية العلمية والطبية والإحصائية ليس بالخطورة التي تظهرها لنا أجهزة صناعة الفزع والرعب في العالم.

إن هذه الأجهزة منتشرة وتعمل بكفاءة عالية على مدار الساعة، وقد نجحت في إثارة هذا القدر الهائل من الفزع والرعب عند الناس بسبب ربطها الموت بفيروس كورونا، حتى أصبحت كلمة “كورونا” المعادل الموضوعي لكلمة الموت، الذي يندفع الناس غريزياً إلى الفرار منه ومن أي شيء قد يؤدي إليه، حتى لو كان في أقرب الأقربين، وحتى لو كان مجرد شائعات وتلفيقات.

لقد أصبح كورونا -بفعل هذه الأجهزة- يعني للناس أن الموت لهم بالمرصاد، يرقد لهم على مقابض الأبواب وفي السيارات وأبواب المصاعد والمشتريات والملابس والأرضيات، وأصبحت ليهم فوبيا من كل شيء. وصاروا بسبب هذه الفوبيا أكثر استعداداً لعمل أي شيء يحميهم من الموت الذي يتربص بهم. كيف أقنعونا بذلك؟ إنه الموت، ومن منا لا يخشى الموت؟

أصبح كورونا -بفعل أجهزة دولية عديدة- يعني للناس أن الموت لهم بالمرصاد، يرقد لهم على مقابض الأبواب وفي السيارات وأبواب المصاعد والمشتريات والملابس والأرضيات، وأصبحت ليهم فوبيا من كل شيء. وصاروا بسبب هذه الفوبيا أكثر استعداداً لعمل أي شيء يحميهم من الموت الذي يتربص بهم. كيف أقنعونا بذلك؟ إنه الموت، ومن منا لا يخشى الموت؟

إنها دائرة الخوف المصطنع التي دخل العالم فيها فحبس نفسه داخل جدران المنازل هرباً من الموت، الذي يسري في داخله ويحيط به قبل كورونا وبعد كورونا، ويخطف يومياً باختياره حوالي ١٦٠ ألف إنسان. هذا الرقم الهائل أصبح لا يعني لنا شيئاً لأن البصر والسمع معبأ بكورونا، فالموت هو كورونا وكورونا هو الموت، ولا شيء غيره يستحق الذكر!

اعلان

من الذي صنع هذه الدائرة؟ ومن الذي يقوم بتغذيتها باستمرار؟ وماذا يريد من وراء ذلك؟ هذه الأسئلة أصبحت متداولة كثيراً هذه الأيام، وتصدى الكثير من الخبراء والمهتمين للإجابة عليها، وبدأت المعلومات تتسرب شيئاً فشيئاً، وكان من آخرها الدعوة إلى التنازل عن الخصوصية الفردية مقابل الحفاظ على السلامة الشخصية والنجاة من الموت! تحت شعار “خصوصيتك أم سلامتك؟”! وهذا ما سنتناوله في مقال قادم بإذن الله.

لقد حذرتُ من هذا الأمر في مقالي المنشور في الجزيرة نت بتاريخ ٦ أبريل/نيسان تحت عنوان“كورونا.. الفزع المصطنع”، ودعوت قادة الدول إلى إنهاء الإجراءات المتشددة التي قامت بها بلدانهم، وأكرر هنا دعوتي إلى الاستعجال في العودة إلى الحياة الطبيعية، والإنفاق على دعم النظام الصحي وتقوية أجهزة المناعة لدى المواطنين، ومعالجة الآثار الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي خلفتها هذه التجربة الصعبة.

* المصدر: الجزيرة


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى