كيفه : زين العابدين من بيع اللبن إلى روضة النجاح

في محيط اجتماعي تستشري فيه البطالة ويستفحل داء الكسل، ويفضل أفراده الخلود إلى الراحة، والميل إلى الترف والتحلي بمظاهر الرفاهية، خرج زين العابدين عن هذا المألوف، واختار أن يختط لنفسه طريقا خاصا يحقق بها مآربه في الحياة، وتميزه عن غيره من الناس، مُستنكِفا بذلك محاكاة أبناء مدينته، فقرر أن يمتهن عملا غريبا قلَّ من يمارسه من محيطه الاجتماعي، ألا وهو بيع اللبن الحليب الذي شرع فيه منذ عام 1987 إلى يومنا هذا.
وما لبث أن افتتح مطعما – من عائدات المشروع – ونُزلا للمسافرين، يتكون من طابقين، ثم بنى منزلا متوسطا، وأنشأ مزرعة تبلغ مساحتها 1500 كلمتر مربع، مزودة بماكينتين للضخ وخراطيم للري، وهي التي تمد سوق المدينة بحاجياته من الخضراوات.
مع العلم أنني – يقول زيد العبدين – لم أحصل على أي دعم مادي لا من الدولة ولا من المنظمات الخيرية المستقلة، وليس لأحد عليَّ منة تُجْزى ما عدا رجلين أعترف لهما بالجميل هما: أحمدُ ولد الحبيب نائب كرو الأسبق، الذي كنت أتلقى منه التشجيع، والإمام الشافي رحمه الله الذي منحني أرضا أقيم عليها مشروعي، لكنني كافأته بأكثر من ذلك حيث أحييت المنطقة حتى أصبحت عقاراته فيها تؤجر بمئات الآلاف.
يقول زين العابدين: إن سر نجاحه يرجع إلى إيمانه بأن رأس المال يكمن في ستة أشياء: الأرض، والفكر، والعمل، والبعد عن المنافسة، واستغلال الفرص، وإعمار الوقت.
أما الأرض: فيقول إنه استغل منها ما أمكن على قارعة الطريق، حيث أحياها بالزراعة وحفر الآبار بنفسه.
وأما الفكر: فيتمثل في الابتكار واستغلال الفرص، وهو ما دفعني إلى شراء كل ما تلف من السيارات والمواشي المحمولة في الشاحنات بثمن بخس، وعلاجه وبيعه فيما بعد، هذا مع تبادل السلع والمقايضات التجارية المختلفة، حيث كنت أبيع الماء عند ندرته وأزوِّد به الشاحنات وسيارات النقل.
وأما العمل: فيكون ببذل الجهد ونكران الذات وعدم الترفع عن أي مهنة مُدرة للدخل بغض النظر عن ازدراء الناس لها، ولهذا كنت أمارس العمل بنفسي دون أجير، ضاربا بعرض الحائط كلام المثبطين ونظرات المستهزئين، الذين يعيبون علي ممارسة مهنة ليست من الأعمال المعهودة في مجتمعي.
وأما البعد عن المنافسة: فهو ما جعلني أختار بيع اللبن، نظرا لانعدام من يمتهنه آنذاك من أبناء المقاطعة، ولهذا لم أجد من ينافسني فيه.
يقول زين العابدين إنه عازم على السير قدما في هذا الاتجاه حتى يجعل من المجتمع الموريتاني منتجا يعمل بسواعده ويأكل من كسب يده، فيكون لهم قدوة حسنة ومثالا حيا للحيوية والنشاط، وقد بدأت أمانيه تتحقق – كما يقول- حيث يعيش الآن من بنات فكري 150 شخصا.
البساطة والتواضع، والحديث العفوي، والطرائف التي تتساقط على لسانه من غير تكلف، من أبرز ما يميز زين العابدين، الذي يقول إنه ابتكر شربتين صحيتين:
الأولى تدعى جَبر الخاطر: وهي مكونة من الحليب الممزوج بالصمغ المَشوي وتجمخت والكَرُورْ، وقد أجريَت عليها دراسة معمقة من قبل طبيب الأعشاب محمد بن آجه، فتبين أنها غنية بالفيتامينات والعناصر المغذية للجسم.
والثانية تدعى الغرفة المختلطة: وتتكون من سبع مواد ممزوجة هي الرائب وحليب البقر والإبل والغنم، والخامس لِبْرُوخْ والسادس زين العابدين؟!.
يلقب زين العبدين نفسه بالرجل المنتج، وهو أب للضعفاء والمحتاجين وعون لكل شخص يرغب في العمل ويسعى إلى إغناء نفسه عن سؤال الناس والتطلع إلى ما في أيديهم.
حين تمر بعض النساء الجسيمات على زين العابدين يناديهن من بعيد: اتركن المساحيق، واحذرْن من الدسَم، وأنقصن أوْزانكن بالإكثار من الرياضة والعمل المنزلي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى