ما الذي دهى أطر التعليم ؟؟

تعد مهنة التعليم من أشرف وأنبل المهن وأكثرها حيوية وجدوائية ومردودية على الفرد والمجتمع ’ وإذا كانت المدرسة مصنعا للأجيال فان المدرس هو الدينامو المحرك لتلك العملية المعقدة والشائكة ’ والتي يلعب فيها دور الآباء والمجتمع وحتى الدولة ’ باعتباره الموجه والمرشد بل وأحد بناة وصاقلي الأدمغة البشرية والمتحكم في مصائرها بغية إحداث تغيير ايجابي أو سلبي وهذا {واطسون } العالم الأمريكي يبرز الدور الفاعل للمربي في معرفة توجهات وميولات الفرد ’ ولذا فان المربي أو المعلم ليس مسؤولا فقط عن تحضير المادة العلمية فحسب ’ وإنما أيضا تكوين الناشئة ’ بل ومعرفة خلفية ماورائيات تلك السلوكات يقول واطسون : { اعطنى اثني عشر طفلا أصحاء ’ سليمي التكوين ’ وهيئ لي الظروف المناسبة لعالمي الخاص لتربيتهم وسأضمن لكم تدريب أي منهم بعد اختياره بشكل عشوائي ’ لأن يصبح أخصائيا في أي مجال ليصبح طبيبا أو محاميا أو رساما أو تاجرا أو حتى شحاذا أو لصا ’ بغض النظر عن مواهبه وميوله ونزعاته وقدراته وحرفته وعرق أجداده ’ اننى أتجاوز إلى ما وراء الواقع الذي أؤمن به } ’ فما بال أقوام هذا دورهم وتلك مسؤولياتهم الجسام أن يتخلوا عنها أو يشغلهم أي شيء . إن المعلم هو رجل المهام الصعبة للاعتبارات السالفة الذكر ’ الموجه والمنشئ والمربي للأجيال وباني البشر إن شاء وهادم القيم إن رفض ’ لكنه أحيانا يتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقه ’ وأحايين أخرى قد تجري الرياح بما لا تشتهى سفينة المربي المسكين الذي أضحى بين سندان تكوين الأجيال وأعباء الحياة المتكاثرة مما جعل بعض الأطر يقدم على الاستقالة من الترقيات ة فهذا ليس أمرا طبيعيا ولا مقبولا أو مشجعا ’ أن يجد أحد أطر التعليم ترقية فيلجأ للاستقالة هو أمر مريب ومخيف على مستقبل منظومتنا التربوية والأجيال.
ألا يعد تقديم استقالة كوادر المنظومة التربوية بعد تعيينهم في مناصب جديدة كالترقيات من مدير دروس الى مدير مؤسسة فشلا ذريعا وموتا سريريا بطيئا للحقل التربوي ’ أية قيمة وهدف للتقدم والازدهار إذا كان بناة الأمم وصاقلي الأدمغة لا يشعرون مثل أقرانهم في باقي أروقة مؤسسات الدولة بالراحة والطمأنينة والانسجام السيكولوجي ؟ أي عطاء سينعكس على الأجيال إذا كان رأس الحربة في العملية التنموية مضطهدا ومداسا ترفسه أيادي الأقدار وتحطم الآمال وثقل الآلام التي تنوء بها جبال الفقر المدقع واللامبالاة ؟ كيف ومتى يستعيد المربي عافيته وهيبته اللتين سببهما الإهمال والتخبط العشوائي الذي تترنح فيه الإصلاحات التربوية منذ نشوء الدولة الموريتانية وحتى أيامنا هذه ؟ . انه الداء حاولنا تشخيصه بعجالة ’ داء ألم بالمربي فأضحي تائها يهيم بين أدراج الزمن العاتي وأشباح الفقر والتفقير ’ نظرا لغياب أية إستراتيجية تلوح في الأفق ـ وان كنا نلمس في البرنامج الشعبي الطموح لرئيس الجمهورية وخاصة الجزئية منه المتعلقة بالتعليم ـ بغية التحسين من وضعية المدرس ’ وضعية فاقمها تردي المناهج وقلة مرد وديتها ووضعه الاقتصادي النزر الذي لا يسمن ولا يغنى ’ وحيث كان المدرس يحلم بتغيير واقعه معنويا وماديا ’ من خلال مهنة التعليم ’ فإذا به بين شراك الفقر المدقع وفخاخ أعباء الحياة التي لا ترحم ’ فأضحى حاله أشبه ما يكون بحال خليل مطران حيث يقول : داء ألم فخلت فيه شفائي ++ من صبوتي فتضاعفت برحائي
يا للضعيفين استبدا بى وما ++ في الظلم مثل تحكم الضعفاء
حتى نصل إلى قوله :
ثاو على صخر أصم وليت لي ++ قلبا كهذي الصخرة الصماء
إن وضعية المدرس أشيه بهذه اللوحة التي ارتسمت على شفاه مطران خاصة إذا ما استعضنا كلمة { تحكم الضعفاء } بكلمة { تحكم الأقوياء} ’ فالتعليم هنالك بارونات من العيار الثقيل عششت وباضت وفرخت في أحضان الوزارة يحميها بعض النافذين وتسبح بحمدهم لا يرجون ولا يبتغون الإصلاح لابد من تطهير الوزارة منهم وهم السبب الرئيس في فشل كل السياسات التي يراد إصلاحها في مجال التعليم ولهم بطانة وزبانية تمارس بيع التحويلات والترقيات ـ وان توقف ذلك مؤقتا ـ إلا أنها تحاول المقاومة للرجوع ’ لكن يجب قتلها في المهد وهذا ليس خاصا بالتعليم لوحده ’ وإنما جميع أجهزة الدولة ’ لكن التعليم أخذ نصيب الأسد على حساب الأجهزة الأخرى .

إن المدرس يكون ويصنع ويربي انه ثاو على صخور من الجبال صماء يخرجها من ظلمات وأدران الجهل لنور العقل والعقلنة ’ وفى هذا يظلم ويحرم من العيش الرغيد والكريم ’ بل والحياة الكريمة ولذا ننصف زملاءنا المستقيلين عن الترقيات في الماضي والحاضر ’ لأن سنة 2013 أجرت الوزارة ثلاثة عشر ترقية لمدراء التعليم الثانوي كانوا في السابق مدراء دروس فقدموا استقالتهم لأنهم يحسبون أن تعيينهم في منصب جديد لا يقدم ولا يؤخر خاصة تسيير مؤسسة عمومية وهذا شيء مخيف على مستقبل التعليم في بلادنا ’ بلاد شنقيط ’ بلاد المنارة والرباط والعلم والعلماء ’ أن تضحى الترقيات مثار امتعاض وتذمر من البعض فهو دليل ساطع على الفشل الدائم للتعليم وضربة قاضية لأحلام الذين لا يملكون ثروة اقتصادية غير بث العلم في صفوف الناشئة ’ أليس هذا مدعاة لا للاستقالة وحدها وإنما العزوف بشكل نهائي عن تأدية هذه الرسالة السامية السامقة الجميلة الجليلة ’ أفلا تتصوروا معي زملائي في المهنة أنه خلال سنتين أو ثلاثة مما تعدون لن يكون هنالك من يرغب في إدارة مؤسسة تعليمية ’ وان تحققت نبوءتي فأقيموا صلاة الغائب على منظومتنا التعليمية التي أضحت تتهاوى وتحتضر أو تكاد تقترب من سرير الاحتضار.

ذ ـ السيد ولد صمب أنجاي

والسلام علي من اتبع الهدي ونهي النفس الامارة بالسوء عن الغوي
كيفة بتاريخ : 31 / 1o / 2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى