من أروع ما قرأت في هذا الأسبوع

بلبلة صوم عرفة ..ونجاح الرئيس غزواني ! / محمد الامين ولد آقه

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.
صدر قرار لجنة مراقبة الأهلة بأن يوم الاثنين هو الموافق للعاشر من ذي الحجة وهو العيد المعتبر في بلدنا ..
ومع أن هذا القرار صادر من طرف لجنة من العلماء المختصين في هذا الأمر ، ومع أن الرؤية التي اعتمدها كانت موافقة لرؤية اثنين وعشرين دولة في العالم الإسلامي ..إلا أن ذلك لم يشف غليل المعترضين على هذا القرار!
صنفان من الناس وقعا في هذه البلبلة وقاما بضرب الطبول المشنعة على لجنة الأهلة ..
الصنف الاول : هم العامة الذين التبست عليهم الأخبار واختلط الليل بالنهار ، فلم يميزوا بين الواضح من الأدلة والسقيم من الشبه والأفكار ..
وظنوا بأن ميقات صوم يوم عرفة ميقات مكاني لا زماني !فالتبس عليهم عرفة “الزمان” بعرفات “المكان” ! ،وجعلوه مرتبطا بوقوف الحجاج كيفما كان بغض النظر عن الزمان !
وأخذوا يراقبون أهل الموقف مراقبة الهلال في السماء ، وضربوا بعرض الحائط قرار اللجنة ومن فيها من العلماء !!
روى أبو نعيم وغيره عن كميل بن زياد عن علي بن أبي طالب أنه قال: الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل صائح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجوا إلى ركن وثيق.
والهمج من الناس جهلتهم، وأصله من الهمج جمع همجة وهو ذباب صغير كالبعوض يسقط على وجوه الغنم والدواب وأعينها.
والرعاع من الناس الحمقى الذين لا يعتد بهم.
وقوله أتباع كل ناعق أي يتبعون كل من صاح بهم ودعاهم إلى اتباعه سواء دعاهم إلى هدى أو إلى ضلال.
ومن كان هذا حاله فلن يحفظ لأهل العلم مكانتهم ..
قال الذهبي: الجاهل لا يعرف رتبة نفسه، فكيف يعرف رتبة غيره؟!
لقد كان ضجيج العامة يملأ الساحات ..وكان صوتهم أعلى من صوت لجنة العلماء !
والعامة حينما يطغى عليهم حماس العاطفة وشرارة العصبية مع الجهل بالشرع فإن لهم صولة وجلبة لا يقف أمامها الفقهاء !
وقد يكون في اعتراضاتهم على أهل العلم أمورا تشيب لها الولدان !!
قال ابن السمعاني : سمعت أبى يعلى ابن أبي حازم ابن أبي يعلى ابن الفراء الفقيه الحنبلي يوم خرجنا الى الصلاة على شيخنا أبي بكر ابن عبد الباقي ورأى ازدحام الناس وتزاحمهم على حمل الجنازة يقول : العوام فيهم جهل عظيم !!
سمعت أنه في اليوم الذي مات فيه الشريف أبو جعفر حملوه ودفنوه في قبر الأمام أحمد ، وما استطاع أحد أن يقول لهم :لا تنبشوا قبر الإمام أحمد وادفنوه بجنبه!
فقال أبو محمد التميمي من بين الجماعة : كيف تدفنونه في قبر الإمام أحمد ابن حنبل وبنت أحمد مدفونة معه في القبر؟
فإن جاز دفنه مع الإمام فلا يجوز دفنه مع ابنته ..
فقال بعض العوام : اسكت ! فقد زوجنا ابنت أحمد من الشريف ..
فسكت التميمي وقال : ليس هذا يوم كلام !!
وقال أبو بكر بن حرب الفقيه : كنت عند حاتم العتكي فدخل عليه شيخ من أصحابنا من أهل الرأي، فقال: أنت الذي تروي أن النبي أمر بقراءة الفاتحة خلف الإمام ؟ فقال: قد صح قوله عليه السلام: “لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب”. قال: كذبت، إن الفاتحة لم تكن في عهد النبي ، إنما نزلت في عهد عمر. !!
وأما الصنف الثاني من المعترضين على قرار لجنة الأهلة فهم طائفة السياسيين ..
دعني أصارحك بأن هذه البلبلة التي حدثت وهذا الإصرار على رفض رؤية لجنة الأهلة في بلدنا و اتباع رؤية السعودية لم يكن بالأمر العفوي ..
بل هو أمر نسجت خيوطه بحياكة سياسية !
لا يعرف السياسيون العفوية وليس في ساحتهم شيء من البراءة ..حتى براءة أطفالهم سرعان ما تزول ..!
كل ماله بهم صلة فصلته بالسياسة عميقة ..صلاتهم ..وصومهم ..وحجهم ..وضحكهم..وبكاؤهم..وحزنهم ..وفرحهم ..وأعيادهم .. بل وحتى زواجهم وطلاقهم !!
لهذا كانت كل أفعالهم وأقوالهم ومواقفهم خاضعة للفحص والتحليل السياسي ..
في إحدى السنوات الماضية وفي يوم اجتمعت فيه سخونة الجو مع سخونة التجاذبات السياسة حيث تمايز النظام والمعارضة تمايز الليل والنهار ..وتدابرا تدابر الإقبال والإدبار ..في هذا اليوم أصدرت اللجنة ذاك القرار ..المتعلق برؤية شهر رمضان ، لكن ضباب السياسة حال دون رؤية الهلال ، فاستحال الأمر إلى يوم شك كثر فيه النزاع وتصارعت فيه الآراء ..!
وبكثير من الحيرة الممزوجة بالبراءة اتصل شيخ مسن على ابنه بالهاتف يسأل عن صحة الرؤية التي اختلف فيها الناس..
أراد الابن أن يريح والده من طول الحديث وأن يجلي الصورة أمامه وأن يجمل له الأمر إجمالا فقال : ياوالدي : من كان مع الحكومة فهو فاطر ، ومن كان مع المعارضة فهو صائم ..!
فقال الوالد بلهجة العابد المتسيس : ما دام الأمر كذلك فأنا مع الحكومة وأنا فاطر !!
من طبيعة السياسي أن يستخدم كل شيء للوصول إلى أغراضه : السياسة ..والاقتصاد ..والمجتمع..والدين ..والصدق ..والكذب ..والجد ..واللعب ..!
ولا توجد في نحلته وسيلة ممنوعه !!
وما دام الأمر متعلقا بالمصلحة السياسية فالقانون المتبع عنده هو : “افعل ولا حرج” ..
وإذا كان الأمر كذلك ..فما المانع من اتخاذ الفتاوى الدينية وسيلة لمعارضة الحاكم ؟!
حتى ولو تعلق الأمر بالعبادات ؟؟
نعم ..حتى لو تعلق الأمر بالصوم والصلاة !!
يهتم كثير من الحكام بحراسة القصور وتحصين مواقعهم عسكريا خشية الانقلابات العسكرية ، ويغفلون كل الغفلة عن الانقلابات الدينية !!
إن الكثير من الفتوى الدينية إن لم تكن بمثابة انقلاب عسكري فلا أقل من أن تمهد له الطريق تمهيدا ..وتفتح له الباب رويدا ..رويدا !
في زمن المنصور الخليفة العباسي قام أميره جعفر بن سليمان بضرب مالك ثمانين سوطاً لأنه أفتى بعدم وقوع طلاق المُكرَه..
وكان الناس يكرهون على البيعة مشفوعة بالأيمان بالطلاق والعتاق على عدم نقضها، فكان مالك يروي الحديث:” ليس على مستكره طلاق” .
لقد كانت مجرد فتوى في باب الطلاق ..لكن لها تأثيرا خطيرا على حكم الحاكم !
بل وصلت شدة التوجس عند هارون الرشيد إلى أن يطلب من الإمام مالك عدم التحديث بحديث فيه منقبة لمعاوية !
وهو حديث نافع عن بن عمر رضي الله عنهما قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهدي إليه سفرجل فأعطى أصحابه واحدة وأعطى معاوية رضي الله عنه ثلاث سفرجلات وقال: ” القني بهن في الجنة ” .
إن بعض الفتاوى الدينية التي لا علاقة لها بالسياسة قد تزلزل العروش..! والتاريخ مليء بالشواهد :
لقد فقدت الدولة العباسية قوتها وتسلل إليها الوهن بسبب انعدام شعبيتها بين الناس بعد تبينها لمذهب المعتزلة في فتنة القول بخلق القرآن في أوائل المائة الثالثة على عهد المأمون وأخيه المعتصم ثم الواثق، واشتد سخط الناس في عهد المأمون حتى لقبوه بأمير الكافرين ،وكان المعارضون للدولة كثر منهم الثائر للأمويين ومنهم المتشوف للسلطة ومنهم الناقم على الدولة تقريب المجوس وإبعاد العرب ، لكنهم جميعا كانوا يركزون على فتنة القول بخلق القرآن ويعتبرونها ثغرة تمكنهم من النيل من هيبة الدولة ثم تحطيم شرعيتها .. ولهذا كانت الدولة تعتبر القول المخالف لمذهبها الرسمي خروجا عليها وإلغاء لشرعيتها.. فتسلطت على أصحابه بالسجن والتنكيل والقتل ،حتى إنه لم يكن أحد من العلماء يجرؤ على أن يقف في المسجد ويصرح بأن القرآن غير مخلوق ، وإن تجرأ وفعل ، تسابق الناس إلى الأبواب خارجين ، خشية يصنفوا بأنهم يعارضون الدولة فتنالهم العقوبة كما حدث عندما أعلن بذلك الإمام عبد العزيز بن يحي الكتاني في المسجد الجامع .
لقد كان الخلاف في ظاهره خلافا عقديا بين المعتزلة وأهل الحديث وهو كذلك، لكنه ايضا كان في الباطن والمستور معركة سياسية شرسة بين الدولة وكل المعارضين لها !
وهكذا الأمر بالنسبة للصراع الذي حدث بين المرابطين وابن تومرت في المغرب ..
فقد كان أهل المغرب على مذهب مالك في المعتقد كما هو مبين في رسالة ابن أبي زيد القيرواني حتى جاء ابن تومرت وحمل عليهم السلاح وقتل علماءهم وأرغم الناس على اعتقاد مذهب الاشعري وكفر المرابطين واتهمهم بالتجسيم وقاتلهم حتى قضى عليهم فكان هو السبب في إدخال العقيدة الأشعرية إلى بلاد المغرب ومنذ ذلك الوقت وأهل المغرب لا يدينون بغير معتقد الاشعري.
قال الناصري :(ثم عاد محمد بن تومرت إلى المغرب ودعا الناس إلى سلوك هذه الطريقة وجزم بتضليل من خالفها بل بتكفيره وسمى أتباعه الموحدين تعريضا بأن من خالف طريقته ليس بموحد وجعل ذلك ذريعة إلى الإنتزاء على ملك المغرب ..لكنه ما أتى بطريقة الأشعري خالصة بل مزجها بشيء من الخارجية والشيعية حسبما يعلم ذلك بإمعان النظر في أقواله وأحواله وأحوال خلفائه من بعده ومن ذلك الوقت أقبل علماء المغرب على تعاطي مذهب الأشعري وتقريره وتحريره درسا وتأليفا) الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (1/ 196).
كان المرابطون المالكيون فقها ومعتقدا يؤمنون بعلو الله تعالى المصرح به في القرآن مثل قوله تعالى : {أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور} وغيرها من الآيات الدالة على العلو .
وكان ابن تومرت يعتبر الإيمان بالعلو تجسيما يكفر به المخالف ويستباح دمه ،ومن كلامه في بعض رسائله لأتباعه :
” ولاتجعلوه سبحانه في مكان ولا في جهة فانه تعالى موجود قبل الأمكنة والجهات فمن جعله في جهة ومكان فقد جسمه ومن جسمه فقد جعله مخلوقاً ومن جعله مخلوقاً فهو كعابد وثن”.
كانت مسألة التجسيم هي المعركة العقدية التي جعلها ابن تومرت بداية لمعركة القضاء على حكم المرابطين المالكيين فقها ومعتقدا!!
ولسنا بحاجة الى الغوص فى التاريخ البعيد ، ففي تاريخنا القريب المعاصر ، قامت بعض الجهات السياسية بالوقوف أمام تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وتصدوا بكل شراسة لهذه الخطوة التي أقدم عليها ولد الطايع وجمعت الفتاوى من العلماء وعلقت على ابواب المساجد وقامت الدنيا ولم تقعد ، ولما سقط نظام ولد الطايع وتغازلت تلك الجهات السياسية مع النظام الجديد ، تحولت العلاقة مع إسرائيل من منطقة “فوق الكفر” إلى المكروه كراهة تنزيه !!
موجبه : أن بعض المعرضين لنجاح الرئيس محمد ولد الغزواني كانوا هم الاكثر استجابة للبلبلة التي حدثت في صيام يوم عرفة ولم يعترفوا بقرارات لجنة الاهلة وكأنها للتو نجحت مع نجاح ولد الغزواني !
لا ينبغي اعتبار لجنة الأهلة رمزا من رموز النظام ولا ناطقا باسمه ، بل يجب اعتبارها مؤسسة عامة يحتاج الناس إلى خدمتها ،
إن العلماء المشرفين على لجنة الأهلة لا يعملون في تشريفات القصر الرئاسي ولا يتولون حماية الرئيس ولا يعزفون النشيد !
إنهم يقومون بعمل مهم من فروض الكفاية يحتاج الناس إليه في أداء العبادات الشرعية على وجهها المطلوب ..
إن لجنة الأهلة مستقلة في قراراتها ، وليس للحكومة أي مصلحة في الـتأثير عليها ..
فينبغي إبعادها عن التجاذبات السياسية واعتبرها مؤسسة للجميع تؤدي خدمتها للجميع ..
وينبغي للفقهاء أن يستشعروا الخطر ويعلموا أن الوضع حساس !..وأن الفتنة مطلة برأسها.. وأن الجماهير تنقاد للأراجيف بأيسر دعوى ..
فعلى الفقيه إذن أن ينظر في مآلات الفتاوى الصادرة عنه مهما كان موضوعها ، فرب فتوى في دم الحيض والنفاس آلت إلى فتنة تسيل فيها دماء الرقاب !
ولهذا كان أبو هريرة رضي الله عنه يرفض التحديث ببعض الأمور التي سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم خشية ما تؤول إليه ، روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: ” حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائين ، أما أحدهما: فبثثته ، وأما الآخر: فلو بثثته لقطع هذا الحلقوم ” قال أهل العلم كتم أبو هريرة بعض الأحاديث خشية وقوع الفتنة وخصوصاً بعد أن اجتمع الناس على معاوية بعد الفرقة.
نسأل الله تعالى أن يجمع كلمتنا ويوحد صفنا .
والحمد لله رب العالمين.

منقول من صفحة محمود لمات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى