كيفه: الكادحة !/ الحسن محمد الشبخ

خرجت غداة يوم الاقتراع مبكرا.. و كانت طرقات المدينة خالية إلا من بعض الكادحين الذين يخرجون كل صباح في مثل هذه الساعة منذ نعومة أظافرهم.

التقيت بسيدة خمسينية تلملم بعض أغراضها المشتتة على قارعة الطريق تشتت أصوات الناخبين في هذه البلاد ، فقرأت في تجاعيد وجهها مجموعة قصصية تحكي واقعا أثخنته الجراح .. ساءلتها على طريقة نزار قباني فاغرورقت عيناها بالدموع ، و قالت :
-و هل يوجد مثلي خارج أسوار “بلاد السيبة” !

-قلت : هل صوت بالأمس؟
-قالت : لا .. فالحر لا يلدغ من جحر مرتين .

-قلت : و لم لا تصوتين ؟
-أجابت : إنه ترف سياسي و ليس للكادحين .. فالصوت أمانة أخشى أن أضيعها .

-قلت : لقد فاز المترشح (…)
-قالت : وماذا يعني لنا ذلك !
أنا سيدة موريتانية أفنيت زهرة شبابي أعيش على الوطنية المغمسة في عرق الكادحين .. أقتات بها على رائحة شواء الوطن ؛ و لم أزدد إلا تعاسة و ازدراء ، فآثرت المقاطعة و الدعاء .
لقد ذبلت أفكاري و احترقت رؤاي و لم يعد يسعفني غير التوبة إلى الله من أمر لم يكن لي فيه حظ و لا نصيب .

-فقلت ما رأيك في السلطة …؟
-تململت قليلا و قالت : إنك تعلم أن السلطة و الجاه موروثان اجتماعيان، و أن الطبقية من ثقافة البلد و العلمانية في غير هذا و ذاك نهجه منذ “شر بب”
فلماذا السقوط في مستنقع نكران الذات !

-قلت لقد فاز حقا و انتصرت الديمقراطية .
-قالت :
فاز المترشح (…) و اعتلى العرش و سيبقي المواطن يكدح و يكدح لئلا ييبس ذلك العرش عساه يورق و يزهر ثم يثمر ، و لكن هيهات ! فقد علمتنا التجارب أن صحراءنا لم تنبت غير الأشواك . و جسم المواطن لم يعد يحتمل مزيدا من الوخز ؛ لذا فإن قليلا من الشفقة سيجعله يتفاءل بغد مشرق .

-قلت و بم تحلمين مع انبلاج الصبح الجديد ؟
-قالت :

-أحلم بالأمن و الأمان الذي بات لعبة بيد غلمان من المدمنين، يعبثون به وقتما يشاؤون .

-أحلم بمدرسة تجمع ابني ببلال و صيدو و المخطار بعدما تكسرت كل الأقلام ، و تكدست الكتب و الدفاتر في رفوف الاهمال و غاب المدرس عن الفصل مذ صار أبا للعيال .

-أحلم بصحة غير معتلة خالية من الغش و التزوير و من النكد .. فقد أصبح الطبيب مقطب الجبين طول النهار .. سريع الغضب في المستشفى .. و لكنك تلقاه ضاحكا مستبشرا كل مساء في العيادة .

-أحلم بعدالة غير عرجاء تقوم على ساقين متساويين متوازيين يستمدان قوتهما من شريعة سمحة تقوم على جلب المصالح و درء المفاسد .

-أحلم بتنمية شاملة تمتص البطالة ، و تحقق العيش الكريم لشعب ظلمه التاريخ مثلما ظلمته الجغرافيا فانتقم لنفسه من نفسه .. و عاسر شظف العيش و تكبد آلام الحرمان عقودا من الزمن ..

-فقلت : لعلها آلام المخاض !
“و هزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا” .

و مضيت ….

الحسن محمد الشيخ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى