كيفه : الماء و الولاء

أطلت الشمس خجولة، صباح اليوم الأول للإنتخابات ، من خلف غيمة

كانت قد امتلأت غضبا علينا ، و اسودت حزنا على مصيرنا فآثرت

الإحتجاب و تركتنا في قحط شديد . . و رغم ذلك ذهبت إلى السوق –

كالعادة- ألتمس أخبار الغيث ، و أخوض مع الخائضين في جديد

السياسة ، و تعيينات الخميس و حظ القبيلة .

جلست أتناول أطراف حديث مجتر ، كان يتأثر بدرجة الحرارة ، و أثناء ذلك

دلف المحل رجل حسن المظهر ، لا يرى عليه أثر السفر ، لكننا نعرفه و

نعرف أصله و فصله . توسط المجلس و بدأ الكلام ، فكان في حديثه

خطابة تستعذبها الآذان ، و في هيئته مهابة تطمئن لها الأعين .

كان حديثه المتبل بالقبلية طعما أوقعنا جميعا في مصيدته . و لم ينبس

أي منا -لحظتها- ببنت شفة ، و كأن العطش قد قطع الحبال الصوتية .

أمعن و تعمد إثارتنا بالحديث عن الماء و الولاء و الإنتخاب ، في زمن الجدب و الغلاء ، فتدفقت خيبات الأمل من الزبناء قبل الجلساء ،و نحن إذ ذاك في أحد دكاكين الأمل .

فعدت سريعا إلى ذاكرتي أفتش عن بعض النضالات ، فوجدتها غصت بأفكار مشوشة، أعياها الكبت و التجاهل، فانتفضت جاعلة من عطش المواطن مرعى خصيبا تقضم منه بنهم و تلوك بشره متجاوزة الحدود الطبيعية في التعاطي مع الأحداث لتكسر بذلك قيود التبعية العمياء و الحمية الجوفاء .

حاولت التحكم فيها فشردت بعضها جامحة تلتمس للمتملقين عذرا و هي تنشد :

ليس التملق في عصرنا خطأ فالناس قد مسها الإملاق و الظمأ والصيف

قد جاد في التخبيل مقدمه عسرا و بات يسوس القوم من نكؤوا

مسحت الهم و الحزن ، و مسحت الطاولة كي أعزز المنطلقات من جديد

، فكنت أفكر في صخب لم أستطع معه تحليل الواقع و لا تخطيطا

للمستقبل ، لتجد نفسي نفسها رخيصة على موائد أصحاب المال و

الجاه .

سرت أبحث عن الأنا ، فوجدت العقل يسخر في صمت من جموع

حشدتها” ثأرات كليب “، أو ” أموال قارون “وقد تم استنفارها لغزو

الحقيقة و تلميع معالم الواقع المر أو “طمسه” ، بانتخاب خيارات أحزاب

السلطة .

ديست الكرامة ساعتها ، و سارت الشهامة نحو ماضيها . و فرت المروءة

صوب المجهول ، تاركة هياكلنا تجر أذيال العار فوق التلال نساق

كالقطعان.. نباع و نشترى .

عندها تجهم النهار في وجه الداعين لتجديد البيعة و عبس الليل في

مصير المعارضة . فأثقل القلب بؤس العباد و ضاق الصدر بعسر البلاد ،و

امتطى اليراع صهوة الصحف، يشق عباب الخيال .. يمخر بياض

الصفحات ليترك بين السطور “كلمات ليست كالكلمات ” .. كلمات

شاحبة كوجوه أبناء المدينة .

الحسن محمد الشيخ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى