“متدينون جداً فاسدون جداً”!..

بواكي نوتوهارا، الباحث الذي درس اللغة العربية وآدابها لمدة تقارب الأربعين عاماً، وعاش في مختلف الدول العربية لمدة عشرين عاماً، متنقلاً بين مصر وسوريا، متأرجحاً بين المدينة والريف، نعم إنه مؤلف كتاب «العرب وجهة نظر يابانية»، الكتاب الذي يقول لنا ما لا نحب سماعه عن أنفسنا: «العرب متدينون جداً فاسدون جداً»

قد يأتي حكيم ويقول كيف؟! كيف نكون متدينين وفاسدين! هذا غير معقول، أقول: نعم. قد يكون طالما مفهومنا عن التدين هو ممارسة الشعائر، واعتبارها منفذاً لتكفير الذنوب فقط، نطوف ونسعى ونعمل التسع (الكبائر)، صلِّ العشاء وافعل ما تشاء. حتى الشعائر التي اعتقدنا أنها الغاية لا نؤدي منها إلا ظاهرها، نعم نصلي؛ لكن تركيزنا على وضعية اليد في القيام، وتركيزنا على وضعية القدم في الجلوس يفوق بكثير تركيزنا على الخشوع.

قد يكون مفهوم الفساد لدى نوتوهارا غير مفهومنا نحن، لقد أتى من كوكب اليابان، فقد يكون بالنسبة له التأخر عن المواعيد فساداً، اهتمامنا بنظافة منازلنا مع تجاهل نظافة الشارع فساد، عدم احترام إشارات المرور فساد، أو محاسبة الأنثى على فقدان عذريتها، وعدم الالتفات إلى الذكر فساد، قد يعتبر أن سخرية الحكومة من الناس عن طريق الإعلام أو الخطاب الديني فساد، أو استخدام القمع والضرب في التعليم فساد، حتى من الممكن أن يعتبر اهتمامنا بأقوال الناس أكثر من اهتمامنا بالتصالح مع ذواتنا فساد، نعم هذا ليس غريباً.

 إنه ياباني قد يعتبر النفاق فساداً، نعم النفاق، أليس نحن من نضحي بالسجناء السياسين الذين ضحوا بحريتهم من أجلنا! أليس نحن مَن نعامل أطفالنا بقسوة، ونسأل: من أين بدأ القمع؟! ألا تعلم أن معز مسعود، الداعية والباحث في قسم الإلهيات بجامعة كامبريدج قام باستفتاء شارك فيه أكثر من 7 آلاف شاب على صفحاته الشخصية، في شَبَكتي التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر، كان مضمونه: «هل لديهم أسئلة حول حقيقة الوجود والدين يتحرّجون منها ويخافون من الخوض فيها، ولا يستطيعون طرحها أمام الملأ، أو يعرفون شخصاً لديه تلك التساؤلات والتخوفات». فكانت النتيجة أن 75% من الشباب لديهم، أليس هذا فساداً، أن نكتم على قلوبهم وأفواههم، لمجرد أنهم يريدون أجوبة مقنعة لتساؤلاتهم.

وكما قال أحمد خيري: نعم قد نكون أقل في مؤشر فقدان العذرية، لكن لماذا ازداد مؤشر الجرائم، رغم ازدياد مؤشر التدين؟ لماذا لَسنا في مقدمة الدول الأقل فساداً رغم امتلاء المساجد؟ ربما اعتقادنا أن العمل الصالح والتدين هما الشعائر فقط (صلاة، صوم، وفي حالات قليلة زكاة). مفهوم فرَّغ الشعائر من مضمونها، وقتل كلَّ وسيلة أخرى لإصلاح ذواتنا ومجتمعاتنا (العلم، الاحترام، الإتقان، الإحسان، الأخلاق، ربما حتى الابتسامة).

لقد نسينا ما قاله علي شريعتي، إن الأرض يرثها عبادي الصالحون، الصالحون قولاً، والصالحون فعلاً، والصالحون فكراً.

ليس بالضرورة أن نزداد تدينا لخفض نسبة الفساد، يكفي أن نزداد إنسانية ووعياً، يكفي أن نعترف بأننا مخطئون، فهذه أول خطوة لنواجه فسادنا.

ربما الحل في التجديد، ألا تعلم أن عمرو خالد في برنامجه «الإيمان العصري» قال إن من أكثر الكتب مبيعاً في الفقه (فقه السنة)، تمت كتابته قبل 70 سنة. كتاب رياض الصالحين لشرح الأحاديث عمره أكثر من 70 سنة. كتاب ابن كثير لتفسير القرآن، أكثر من 1000 سنة. هذا الفارق في السنين بين ما نعيشه اليوم وما يوجد في تلك الكتب أدى إلى فجوة في دور الدين في الحياة.

هل تعتقد أنه لو كان بيننا اليوم أحد الأنبياء كان سيُحدِّثنا عن الاستشهاد، أو عن الأصنام، بل كان سيدعو طبعاً إلى الصلاة؛ لكن أيضاً مواجهة الحداثة والاستهلاكية، وإنقاد الكوكب من المخاطر البيئية والحروب. ربما الحل في تغيير تفكيرنا في دورنا على هذا الكوكب، وعدم تضييقه، ومحاولة فعل شيء إيجابي إلى آخر لحظة، مهما بدا بسيطاً «إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل»

هل يا ترى سنتغير عما رآه نوتوهارا «متدينون جداً، فاسدون جداً».

ياسر الشرقاوي كاتب موريتاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى