جاء أوردغان إلى إنواكشوط …لماذا؟

نتصار آخر للدبلوماسية الموريتانية، ونجاح يُضاف إلى إنجازات القاطرة الموريتانية المغذة دوما سيرا إلى المجد، وعلامة أخرى على قدرة موريتانيا على أن تمتلك في الآن نفسه علاقات جد متميزة مع كل الفاعلين الدوليين والإقليميين.

اليوم كان رئيس إحدى أكبر وأهم دول العالم الإسلامي، والعضو المسلم الوحيد في حلف شمال الأطلسي في نواكشوط.

من المؤكد أن رجب طيب أردوغان لن يقدم وهو 140 من رجال أعمال بلده إلى هنا عبثا، ولا لتزجية الفراغ وإمضاء أوقات استجمام في بلادنا.

لو لم تكن موريتانيا ذات أهمية في حسابات قصر “يلدز” ذي التراكم التاريخي العبق، لما طار إليها الرئيس أردوغان، وهو القادم من منطقة مليئة بالمشاغل والمشاكل والاهتمامات.

أردوغان القائد المحبوب من طرف شعبه، والذي بادله شعبه حبا بحب؛ حينما وقف بصدوره العارية أمام الدبابات التي كانت تريد إزاحته من السلطة، يتقاسم نفس الصفة والسمة مع الرئيس محمد ولد عبد العزيز.

كلاهما قادم من عمق الشعب، ويتحدث مباشرة مع الشعب، وكلاهما محبوب الشعب.

كما أن كليهما حقق معجزة في بلده ومنطقه، ولكن بينهما فرقا جليا لصالح الرئيس محمد ولد عبد العزيز.

جاء أردوغان لحكم تركيا، التي ينحاز لها التراكم التاريخي الامبراطوري والموقع الجغرافي في سرة العالم القديم، فبنى على تراكمات أسلافه.

وجاء الرئيس عزيز لحكم موريتانيا البعيدة هناك في أطراف العالم العربي على تخوم إفريقيا جنوب الصحراء.. ليقف خلف معجزة دبلوماسية واقتصادية وسياسية وأمنية جد مبهرة.

كسر الرئيس عزيز القانون الطبيعي والقاعدة العتيقة القائلة بأن الأطراف لا تؤثر في المركز، ليخلق قانونا جديدا وقاعدة مؤداها أن الأطراف قد تكبر فتغدو مركزا، ولتخسأ الجغرافيا.

وللرئيس ولد عبد العزيز سلف ماجد في كسر هذه القاعدة التعيسة.. استقراء التاريخ يقول: كلما أرادت موريتانيا أو بنوها أن يجلجلوا بفعالهم في سمع الزمان كان لهم ذلك.

ألم يقم أسلاف الرئيس عزيز المرابطون، البداة القادمون من صحاري الملح على شاطئ الأطلسي بالشيء نفسه، عندما أقاموا دولة تمتد من أعالي نهر النيجر جنوبا حتى سفوح البرينيه بين إسبانيا وفرنسا حاليا شمالا، ومن تخوم برقة شرقا حتى أنف بحر الظلمات غربا.

على مدى ألف عام منذ أن اخترق سهم غادر صدر الفارس أبي بكر بن عمر مقدما غير مدبر، لم يمسك أي من زعماء المنكب فبلاد الملثمين فموريتانيا، لم يمسك الراية بعده سوى محمد ولد عبد العزيز.

يقال إن المعاصرة تنفي المناصرة، وشدة القرب حجاب، لكن أهل موريتانيا المنصفين يعرفون أنه لم يحج إليهم يوما من الأيام قادة العالم شرقا وغربا قبل محمد ولد عبد العزيز.

جاء أردوغان الرجل الحصيف لموريتانيا، قطع المسافات لنواكشوط، التي يرفرف فيها علم الجمهورية العربية السورية.

موريتانيا التي توالي حسب مصلحتها، ولا تعادي حسب إملاءات الآخرين.

موريتانيا التي تحتفظ بعلاقات أكثر من حميمة مع الرياض، ولا تفرط في علاقاتها الأخوية التليدة مع طهران.

معادلة الدبلوماسية الموريتانية ببساطة هي البحث عن مصالح موريتانيا في ضوء دعم القضايا العادلة والدفاع عن الحق والعدل والسلم في العالم.

ومن الواضح من تتبع خيوط هذه المعادلة أن عقلا واعيا راشدا يقف خلف هذه الفيسفساء الدبلوماسية التي تجمعها نواكشوط.

لو لم يكن الرئيس محمد ولد عبد العزيز هو من رسم بدقة ملامح الدبلوماسية الموريتانية لما جمعت موريتانيا علاقات حميمة مع مختلف الفرقاء في العالم، وذلك وجه آخر من مظاهر عبقرية الرجل، ودليل أكثر من جلي على حاجة موريتانيا إليه اليوم وغدا.

الداه صهيب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى