ترامب طغات يؤاخيهم و طغات يهاجمهم؛ فمن هم؟ ولماذا؟

عندما يتعلق الأمر بتأمين ولاية ثانية في السلطة، لا يترك الرئيس المصري سوى القليل للصدفة.

فقد هُمِّش المنافسون المحتملون في انتخابات مارس/آذار2018، أو سُجِنوا أو هُدِّدوا بالملاحقة القضائية. ووسائل الإعلام الإخبارية تخضع لنفوذه إلى حدٍّ كبير. في يوم الاقتراع، سيكون على المصريين الاختيار بين الرئيس عبد الفتاح السيسي وأحد مؤيديه الأكثر تحمُّساً، وهو سياسي غامض صيغَ ترشُّحه في اللحظة الأخيرة؛ لتفادي حرج الانتخابات التي يخوضها مُرشَّحٌ واحد.

يقول تقرير لصحيفة The New York Times: “بينما يخطو السيسي نحو الفوز بالانتخابات، فلا حاجة لأن يشعر بالقلق بشأن الاستنكار الأجنبي؛ فالرئيس ترامب أشاد بالزعيم المصري ووصفه بأنه “رجلٌ رائع”، ومعظم القادة الغربيين الآخرين، يقفون صامتين إلى حدٍّ كبير.

في جميع أنحاء العالم، يشترك القادة الاستبداديون دائماً في تبني سلوكٍ صارخ من قبيل تزوير الأصوات، وتكميم أفواه الصحافة واضطهاد المعارضين، في الوقت الذي لا يكترثون فيه حتى بحفظ ماء الوجه ببعض الممارسة الديمقراطية التي قدَّموها من قبلُ لاسترضاء الولايات المتحدة أو اكتساب الشرعية الدولية.

يندفع المد العالمي بفعلِ مجموعةٍ من العوامل المُحيِّرة، بما في ذلك تصاعد موجة الشعبوية بأوروبا، وموجات الهجرة، وغياب المساواة الاقتصادية. كما يعرف قادة بعض الدول مثل مصر، التي كانت منذ فترة طويلة تضع في اعتبارها نفوذ واشنطن، أنهم لن يواجهوا خطر التوبيخ من الرئيس الأميركي، الذي تخلَّى إلى حدٍّ كبير عن حقوق الإنسان وتعزيز الديمقراطية لصالح أجندته الضيقة: “أميركا أولاً”.

فى كمبوديا، شنَّ رئيس الوزراء هون سين، الذى يحكم البلاد منذ 33 عاماً، حملةً واسعة النطاق ضد المعارضين قبل إجراء الانتخابات صيف هذا العام (2018). وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، رفع ترامب إبهامه مبتسماً وهو يلتقط صورةً مع هون سين، الذي أشاد في وقتٍ لاحق بالرئيس الأميركي على ما سماه عدم اكتراثه بحقوق الإنسان، وفق صحيفة The New York Times.

وفي هندوراس، فاز الرئيس خوان أورلاندو هيرنانديز بولايةٍ ثانية يوم السبت 27 يناير/كانون الثاني الماضي، وسط صخب من شخصيات المعارضة الذين اتهموه بتزوير الأصوات، ورغم دعوات إجراء انتخابات جديدة من تنظيم منظمة الدول الأميركية. وتجاهلت واشنطن نتائج منظمة الدول الأميركية، حيث لم يقدم القائم بالأعمال الأميركي سوى بيانات فاترة تدعو جميع الأطراف إلى التصرُّف سلمياً.

وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي اضطر من قبلُ إلى التنازل عن السلطة لمدة 4 سنوات لاحترام دستوره، قد مَنَعَ كبير منافسيه من المعارضة من خوض انتخابات مارس/آذار 2018، مؤكداً بالفعل أنه سيفوز بفترة رابعة. وقد أعرب ترامب مراراً عن رغبته في توثيق العلاقات مع بوتين.

على الرغم من عقود الحديث الأميركي الرفيع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، التي اعتنقها كل رئيس منذ جيمي كارتر، فقد أعطت السياسات الأولوية للاعتبارات الأمنية والإستراتيجية من حيث المبدأ. كما أن برنامج التعذيب الذي تبنَّته وكالة الاستخبارات المركزية بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، زاد من تقويض الموقف الأميركي.

وبالكاد، يتظاهر ترامب بتأييد حقوق الإنسان العالمية، ويقول الخبراء إن احتضانه قادة مُتشدِّدين مثل الرئيس رودريغو دوتيرتي، رئيس الفلبين، الذي أودت حملته لمكافحة المخدرات بحياة آلاف المواطنين، دون مراعاة الأصول القانونية الواجبة- لم يشجع سوى على أسوأ التجاوزات.

يقول ستيوارت باتريك، وهو زميلٌ كبير بمجلس العلاقات الخارجية، في رسالةٍ بالبريد الإلكتروني: “إن المسألة مقلقة. إن احتفاء ترامب بالصفات القيادية” القوية “للشخصيات الاستبدادية مثل بوتين، ودوتيرتي، والسيسي، فضلاً عن هجماته على الصحافة الحرة في بلده- لا يمكن إلا أن يشجع تحرُّكاتهم للقضاء على المجتمع المدني وسحق المعارضة في بلادهم”.

ويتساءل مسؤولو إدارة ترامب، وفق The New York Times، عن قيمة تلقين الدروس علناً للحكام المستبدين من أصدقائه حول تصرفاتهم؛ إذ يرون أن مثل هذه الانتقادات تكون أكثر فاعلية عندما تُوجَّه لهم بصورةٍ شخصية. قال وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، العام الماضي، إنه في حين لا تزال “القيم” الأميركية، مثل الحرية والكرامة الإنسانية، ترتكز عليها السياسات الأميركية في الخارج، فإن الإصرار على تبنّي الآخرين تلك القيم “يخلق عقبات” أمام حماية المصالح الأمنية والاقتصادية الأميركية.

وقالت سمانثا باور، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة سابقاً، في تغريدةٍ على موقع تويتر: “بلطجية وحشيون يبتسمون! حقوق الإنسان ليست قيماً أميركية فقط؛ بل إنها عالمية. النهج الذي يتَّبعه ترامب/تيلرسون يُمثِّل خطاً أخضر للقمع”.

بيد أن ترامب لم يتردَّد في استخدام حقوق الإنسان كهرّاوةٍ ضد بلدان غير صديقة، مثل إيران وكوريا الشمالية وفنزويلا، انتقد سياساتهم في خطاب حالة الاتحاد يوم الثلاثاء 30 يناير/كانون الثاني 2018.

ويقول النقاد إنه من خلال عدم مواجهة الحلفاء، يتنازل ترامب عن ممارسة نفوذ مهم على الحكام الأقوياء، الذين لا يزالون على الرغم من أفعالهم الشنيعة، يهتمون بصورتهم الدولية.

ويقول توم مالينوفسكي، مساعد وزير الخارجية لشؤون حقوق الإنسان في إدارة أوباما: “الحكومات السيئة تتصرَّف على نحوٍ سيئ، مهما كان الأمر. لكنهم يأخذون رد الفعل الأميركي المتوقع في الاعتبار عند اتخاذ القرارات”.

تنتصر البراغماتية على القيم

وأضاف مالينوفسكي، مستشهداً بحالة مصر: “إذا كنت سترسل قوات الأمن الخاصة بك لقتل مجموعة من قادة الإخوان المسلمين، وتعلم أن الولايات المتحدة ستقف لك بالمرصاد إذا قمت بذلك، وأن هذا التحرك يمكن أن يؤثر على التعاون الأمني، فهذا عاملٌ مؤثر. هذا لا يعني أنك سوف تفعل كل ما يريده الأميركيون. ولكنه ربما يعني أن عدداً أقل من الناس يتعرضون للقتل”.

وحسب The New York Times، يُنظر إلى الخطاب الأميركي بشأن حقوق الإنسان بشكلٍ ساخر في أجزاء من العالم حيثما يوجد لواشنطن تاريخٌ من احتضان الطغاة على نحو انتقائي.

وخلال الحرب الباردة، كانت الولايات المتحدة قد تحالفت مع موبوتو سيسيسيكو في زائير، المُسمَاة الآن جمهورية الكونغو الديمقراطية، وشاه إيران محمد رضا بهلوي، والجنرال التشيلي أوغستو بينوشيه. وفي الآونة الأخيرة، كان الرئيس باراك أوباما يشعر بالقلق من تكتيكات السيسي القاسية، لكنه لم يمسَّ المساعدات العسكرية التي كانت الولايات المتحدة تُقدِّمها لمصر بواقع 1.3 مليار دولار سنوياً.

ومع ذلك، فإن خطاب الرئيس الأميركي يمكن أن يُحدِث فارقاً كبيراً.

قال مايكل وحيد حنا، من مؤسسة القرن في نيويورك: “نعم، غالباً ما تنتصر البراغماتية على القيم، وعادة ما تبدو غارقة في النفاق”. لكنه أضاف أن تبني المسؤولين الأميركيين هذه القيم “ليس مائة في المائة، تشاؤمياً ولا هو غير مهم”.

وأحد الأمثلة الجيدة على ذلك في مصر، حيث على الرغم من أن السياسة الأميركية كانت مدفوعة بدوافع أمنية منذ فترة طويلة، فإن الناشطين يقولون إن هامشاً تقليدياً لقضايا حقوق الإنسان كان موجوداً.

وقالت هبة مورايف، من منظمة العفو الدولية: “ربما 85 في المائة من الوقت كانوا يدعمون النظام والاستقرار، لكننا تمكنَّا من فعل الكثير بالـ15 في المائة المتبقية”.

ولكن في عهد الرئيس ترامب، تقلَّص هذا الهامش بشكلٍ كبير، والآن يتجه السيسي إلى إعادة انتخابه، فيما عدَّته مؤسسة مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، هذا الأسبوع، “البيئة السياسية الأكثر قمعاً في تاريخ مصر الحديث”.

إذ انسحب خلال الشهر الماضي (يناير/كانون الثاني 2018)، 4 من أبرز منافسي السيسي من السباق الرئاسي؛ من بينهم أحمد شفيق، رئيس الوزراء الأسبق، بعد احتجازه شهراً في فندق بالقاهرة، حيث هدَّد المسؤولون الأمنيون بملاحقته بتهمة الفساد.

وفى الأسبوع الماضي، انسحب سامي عنان، رئيس أركان الجيش الأسبق الذي تربطه علاقات قديمة بالولايات المتحدة، بعد اعتقال الجيش له بتهمة التزوير والتحريض. وبعد أيام، اعتدى بلطجية مؤيدون للنظام على نائبه، هشام جنينة، أمام منزله.

وفي رد ضعيف، أشارت متحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية إلى اعتقال عنان بأنه “مُقلق”، وقالت إن المسؤولين “يتابعون الوضع من كثب”.

منافس السيسي الوحيد الآن؛ هو موسى مصطفى موسى، وهو مهندس معماري يدين بالولاء لأجهزة الأمن المصرية. ويشتهر موسى بمساعدة الرئيس السابق، حسني مبارك، على تقسيم حزب معارضة صغير في عام 2008، وذلك بقيادة عصابة من البلطجية حطَّمت مكاتب الحزب وأضرمت النار فيها.

ووبَّخت إدارة ترامب السيسي الصيف الماضي؛ عندما جمَّدَت أو ألغت أكثر من 290 مليون دولار من المساعدات العسكرية؛ بسبب مخاوف بشأن العلاقات السرية بينه وبين كوريا الشمالية، وأيضاً بسبب قانون أقرَّه السيسي يحدُّ بشدة من العمل غير الحكومي في مصر، وخاصة من قِبل المنظمات الغربية.

لكنَّ ثناء ترامب على حكم السيسي حجب أي نقد وُجِّهَ للسيسي.

ومما يؤكد أولويات ترامب كذلك، فشله في تعيين مساعد وزير الخارجية لشؤون حقوق الإنسان، وأيضاً ازدراء تيلرسون غير العادي في العام الماضي لعرض التقرير السنوي لوزارة الخارجية عن حقوق الإنسان العالمية.

وكان عضو مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية فلوريدا، ماركو روبيو، قد كتب في تغريدة على موقع تويتر: “لأول مرة منذ زمن طويل، لن تعرض وزارة الخارجية تقريرها لحقوق الإنسان. آمل أن يعيدوا التفكير”.

وليس ترامب وحده من يكتفي بالصمت حيال دول مثل مصر. فزعماء بريطانيا وفرنسا وألمانيا، الذين يتصارعون أيضاً مع تصاعد السياسة الشعبوية في بلدانهم، لم يقولوا الكثير عن قمع السيسي قبل الانتخابات.

وكان آخر مسؤول غربي مرموق زار القاهرة مؤخراً، هو رئيس الاستخبارات الفرنسية، برنار إيمييه، الذي أعرب، وفقاً للرئاسة المصرية، عن تقديره لجهود السيسي في إحلال السلام بالمنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى