“الحكم الأكثر إحراجاً في الشريعة الإسلامية”/ حسين المأمون

إذا ما تتبعنا الدول التي تجرم الردة عن الدين حالياً فإننا نجدها تنحصر في

القائمة التالية:-

موريتانيا – نيجيريا – السودان – الصومال – اليمن – السعودية – الإمارات – قطر –

ماليزيا – جزر المالديف – إيران – باكستان – أفغانستان.

يلاحظ أن جميع هذه الدول تضم أغلبيات مسلمة؛ لذا يمكن اعتبار حكم الردة

حكماً إسلامياً خالصاً في العصر الحالي، كما تذهب تأكيدات الكثير من علماء

الدين المسلمين المؤثرين حالياً في ذات المنحى، فالشيخ يوسف القرضاوي

يقول: لولا حد الردة لما بقي هناك إسلام.

أما الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، فقد قال: إن ما ذهب إليه الفقهاء

المعاصرون إلى أن الردة جريمة، لكن ليس لها حد، وتترك لتقدير الحاكم

والظروف التي يمر بها المجتمع، وبها تعذير يبدأ من اللوم والعتاب وينتهي

بالقتل.

يجابه حكم الردة بالرفض والانتقاد من التيارات العلمانية في هذه الدول وغيرها

من دول العالم الإسلامي، وحتى من قِبَل الكثير من التيارات الإسلامية

التجديدية التي يتمحور رفضها له على أنه ليس أصلاً في الدين، وتمضي في

تدعيم موقفها الرافض هذا بإيراد الكثير من الحجج القوية كعدم ورود نص لحكم

الردة في القرآن، على الرغم من تناول موضوع الردة في العديد من الآيات، كما

هو الحال مع حدود السرقة والزنا والقذف الأقل خطراً من الردة، ولتعارضه مع

عدد من الآيات كذلك “لا إكراه في الدين قد تبيَّن الرشد من الغيّ” (البقرة: 256)

“وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر” (الكهف: 29) “أفأنت

تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين” (يونس: 99)… إلخ.

كما يستندون في موقفهم هذا على العديد من المواقف الواردة في السنة،

كقبول الشفاعة في عبدالله بن أبي السرح، بعد أن ارتد عن الإسلام؛ إذ لا يعقل

أن يشفع الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حد من حدود الله،وكذلك تعامل

النبي -صلى الله عليه وسلم- مع المنافقين الذين كان يعلم بنفاقهم حتى إنه

صلّى على كبيرهم عبدالله بن أبي ابن سلول، وقبوله لصلح الحديبية الذي نص

في أحد بنوده على ألا يطالب الرسول -صلى الله عليه وسلم- بمن يرجع من

المسلمين إلى مكة، وموقف الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع الأعرابي الذي

طلب إعفاءه من البيعة؛ إذ تركه يمضي دون أن يأمر بقتله، وكذلك موقف عمر بن

الخطاب وبعض الصحابة الذين اعترضوا في البداية على حروب الردة، فهل

يمكن تصور أن الصحابة يمكن أن يختلفوا حول حد من حدود الله؟!

يثير حكم الردة الكثير من اللغط والاعتراضات الدولية كذلك؛ لذا فإن تطبيقه أو

حتى تضمينه لقوانين تلك الدول وإن لم يتم العمل به يضع الفقهاء المؤيدين له

ومسؤولي تلك الدول على حد سواء إزاء حرج بالغ دولياً؛ لتصادمه مع المواثيق

والاتفاقيات الدولية الكافلة لحرية الاعتقاد، ولارتباطه بالصورة الذهنية لعصور

الظلام وانتفاء وجود نظير حالي له إلا في قوانين وأعراف المافيا، ولتلافي هذا

الحرج يتحرك المؤيدون لحكم الردة بحذر داخل المساحة التي رسمها الدكتور

أحمد الطيب، في تصريحه الذي أوردناه، لكن رغماً عن ذلك يظل الإطار

التجريمي لحكم الردة ماثلاً ومهدداً لحرية الاعتقاد، فيلجأ هؤلاء إلى بعض الحيل

الإضافية، كما حدث في حالة الشاب السوداني محمد صالح الشهير بـ”البارون”

الذي أُغلقت قضية الردة المرفوعة ضده بعد أن وصم بالجنون.

يعمد المؤيدون لحكم الردة في أحيان أخرى في سبيل حرف الانتقادات عنه إلى

استخدام لغة زئبقية عند مخاطبة الرأي العام العالمي، فعندما وجهت إحدى

الصحفيات الألمانيات السؤال إلى الدكتور أحمد الطيب حول هذا الحكم، نفى

وروده في القرآن وتغافل عن وروده في كتب السنّة التي يستند عليها هو

نفسه لتبرير هذا الحكم، ومن ضمن الأساليب الأخرى المستخدمة لذات غرض

إبعاد الانتقادات عن هذا الحكم إغراق السامع بالكلام عن سماحة الإسلام

وكفالته لحرية ممارسة الشعائر والعبادات، وبذا يتم القفز على حقيقة أن حرية

التعبد ما هي إلا جزء من حرية الاعتقاد ولا تتعداها، وتظل حرية الاعتقاد مصادرة

في ظل وجود حكم الردة أياً كانت المسوغات والمبررات، هذا فضلاً عن أن ذات

حرية التعبد التي يتم التباهي بها والمحصورة في داخل الديانات والمذاهب

المعينة إن لم يكن مرضياً عنها فإنها تكون معرضة في أغلب تلك الدول للتنمر

والمضايقات من قِبَل السلطات الرسمية أو المجتمعات المحلية.

هنالك بعد تمييزي ينطوي عليه حكم الردة فهو قاصر على مسلمي هذه الدول

دون غيرهم من أتباع الديانات الأخرى، ولا يطال سواهم عند التحول من دياناتهم

إلى الإسلام أو أية ديانة أخرى، مما يخل بمبدأ تساوي المواطنين أمام العدالة

في إطار دولة المواطنة ويقسم المجتمع إلى مسلمين وأهل ذمة، ويعود به

إلى أُطر يفترض أنه قد تم تجاوزها في عصرنا الحالي، كما يفتقد هذا الحكم

إلى الصبغة الدستورية اللازمة؛ نظراً لتعارضه مع المواثيق والاتفاقات الدولية

الموقّعة عليها هذه الدول والملزمة لها وتعتبر جزءاً من قوانينها المحلية،

ويفترض أن تتماشى معها هذه القوانين تبعاً لذلك، ومن المعلوم أن المواثيق

والاتفاقيات الدولية لا تعترف بالقوانين والأعراف المحلية إن لم تتسق معها.

يكمن الخطر الأكبر في هذا الحكم إلى التهديد الذي ينشأ في ظل وجوده للأمن

المحلي والعالمى، فكثيراً ما استندت التنظيمات الإرهابية عليه وعلى الفتاوى

التي تجيزه لتبرير أعمالها، ويتجاوز هذا التهديد تلك التنظيمات إلى غمار الناس

العاديين تحت دعاوى الغضب فيندفعون لتطبيق هذا الحكم بأيديهم، كما كان

في حالة الطالب الباكستاني مشعل خان الذي لقي حتفه على يد زملائه حينما

ألقوه من الطوابق العلوية بعد أن اتهموه بالكفر والزندقة، وتجيء حادثة اغتيال

الكاتب الأردني ناهض حتر في ذات السياق، وقد تم اغتياله على يد أحد

المهووسين خارج المحكمة التي كانت تنظر في قضيته كتخطٍّ واضح للعدالة؛ لذا

يمكننا القول: إن حكم الردة يعد من مفرخات الإرهاب.

– المصادر:

الشيخ /يوسف القرضاوى
برنامج الشريعة والحياة
قناة الجزيرة .
الدكتور /احمد الطيب
برنامج “الامام الطيب”
قناةCBC Extra

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى