الشيخ سيد إبراهيم ولد ابه إلى الفردوس الأعلى

بعد رحلة طويلة على دروب التقوى والعز والجاه، ألقى الرجل المهيب عصى التسيار وخلد للراحة بجانب كثيرين شفع لهم من قبل وواساهم وعالجهم ثم شيعهم إلى حيث يرقدون.

أبصر والدنا الشٍيخ والشّيخ سيد إبراهيم النور في عشرينيات القرن الماضي، ليواجه معركة الوجود منذ البداية، فقد استهل وقد غيبت المنون والده.

دشّن الشيخ سيد إبراهيم مسيرة الجلَد والمجد بالحج راجلا إلى مكة المكرمة عبر صحاري وأدغال أفريقيا، كان امتحانا عسيرا حينها فقد افترس الجدري أفراد عائلته المرافقين فدفنهم في مفازات السودان وواصل مسيرته نحو الحرمين، وبعد أداء الحج، عاد إلى مضارب عشيرته، حيث تقلد الزعامة والوجاهة ولمّا يبلغ العشرين حولا، فكان أحق بها وأهلها.

لم يكن جدي “باهين” أسنّ بني أبيه حتى يتولى الشياخة، لكن أخاه الأكبر الشيخ محمد عبد الله ولد أب (عمّي) حمّله عبئها بعد أن قرر الأخير السير في مناكب المشرق طلبا للعلم.

وبينما انشغل الشيخ محمد عبد الله رحمة الله عليه بإمامة الناس ودعوتهم من منبر الجامع العتيق في كيفا، كان الشيخ سيد إبراهيم مقصدا لذوي الحاجات، يشفع لهذا ويسعى لذلك.

لقد تعود الناس على طلعته البهية في ممرات المستشفى الصيني، حيث نسج علاقات وطيدة مع طواقمه المتعاقبة استثمرها لعلاج المرضى من مختلف المناطق والشرائح.

طيلة الستين عاما الماضية، طغى حضوره المهيب على المناسبات القبلية والاجتماعية فكان دائما في صدارة أهل الحل والعقد وظلت يده هي العليا في كل النوائب والديات.

لقد أوتي من كل شيء سببا: يضم مجلسه الأعيان والتجار ومشايخ العلم والتصوف، ويستضيف بيته المرضى والطلاب ومن تقطعت بهم السبل.

يزدحم يومه بمقتضيات التجارة وأعباء السيادة، ثم لا يهجع من الليل إلا قيلا، فقد شغله القرآن عن النوم وعرفته الملائكة متهجدا قانتا لا يفتر عن ذكر الله.

لا يعرف أي منا كم مرة قصد المسجد الحرام، فقد واظب في عمره المبارك على الحج والعمرة كل عام، ولم يتوقف إلا قبل سنوات قليلة عندما فقد القدرة على السعي والطواف.

لقد جمع الشيخ سيد إبراهيم بين السيادة والاستقامة فبارك الله في جاهه وماله وزرقًه بر البنين والحفدة، وكان مهابا مطاعا لا يجرؤ أحد على مخالفة أمره، ولو أن أحدا يفتدى لفدته الأنفس ليعيش تسعين حولا أخرى بين خلائق ألفته وأحبته وأنى لها أن تقوى على فراقه، ولكن الله تعالى كتب الفناء على الجميع، فكل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة.

لقد فاضت روحه الزكية إلى باريها مساء الجمعة في يوم ميلاد أفضل البشرية عليه الصلاة والسلام، نسأل الله تعالى أن يسكنه الفردوس الأعلى وأن يحشره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأن يبارك في خالنا الكريم النبيل امّين وفي إخوته وعقبه وأن تظل أسرة أهل أبّ كما كانت: أصلها ثابت وفرعها في السماء.

بقلم سيد أحمد الخضير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى